الدكتور بعجي:
«توجد مخابر عالمية تتعامل بخبث في مسائل تتعلّق بصحة البشر»
تضاعف الجامعة الجزائرية من وتيرة انفتاحها على المحيط الاقتصادي المحلي، مثلما تحرص عليه كلية الحقوق سعيد حمدين (جامعة الجزائر 1)، التي نظمت يوم الخميس الماضي بمبادرة ندوة عليمة حول ملكية صناعة الدواء في الجزائر، ترأستها الدكتورة بوعمرة أسيا، رصدت الإطار القانوني لحماية الاستثمار في إنتاج الدواء وتأمين الصحة العمومية، في ظل تنافسية شديدة تفرضها كبريات المخابر العالمية، التي تستهدف السيطرة على أسواق تعرف ارتفاعا في الطلب. واكد الأستاذ بعجي نور الدين الذي ترأس أشغال الجلسة الصباحية الأولى في اتصال مع «الشعب» أن هذه الندوة الوطنية تعالج مسألة مستقبل الصحة العمومية في الجزائر، خاصة ما يتعلق بصناعة الدواء الجنيس. هذا النوع من الدواء يدخل السوق بعد مرور أجل 20 سنة من استغلال براءة الاختراع لذات الدواء، بحيث لا يوجد تعد على القانون في هذه الحالة. وأشار القانوني إلى أن هناك مخابر عالمية تتعامل بخبث في مسائل تتعلّق بصحة البشر كما حدث بالنسبة لداء «ايبولا»، أو أمراض واسعة الانتشار في العالم كالـ»ايدز»، بحيث تكون أسعار الأدوية العلاجية مرتفعة الثمن، ولا يسمح لبلدان الجنوب بإنتاجها، مما يوفر لتلك القوى الصناعية المهيمنة في هذا المجال الحساس سوقا مربحة. وفي حالة حصول البلدان الناشئة ومحدودة الإمكانيات على الدواء الأصلي لمعالجة أمراض مستعصية، مثل السرطان، فإنه يكون بفاتورة لا يمكن تحملها. وأبرزت الندوة من خلال جملة محاضرات أثارت نقاشات قانونية بامتدادات اقتصادية مدى أهمية حماية المعارف الطبية الدوائية التقليدية التي تصنف بديلا بعد أن تمّ الاعتراف بها مؤخرا، علما أن أصل الدواء نباتات وأعشاب، تملك كثير من الشعوب رصيدا هائلا من التجارب التي تصنّف في سوق الأدوية. ويقدم الأستاذ بعجي مثالا يعكس توجه الهيمنة لدى البلدان الصناعية على مصادر الأدوية في بلدان أقل منها قوة اقتصادية كما حصل في كينيا، حيث تم رصد بإحدى القرى تدني الإصابة بأمراض، فيما يقوم السكان هناك بغسل ملابسهم وأغراضهم بأحد الأودية، فانتبهت خبراء صناعة الأدوية إلى أن العامل في ذلك وجود نوع من الأعشاب، فدرسوها وحولوها إلى مادة أولية لصناعة مواد التنظيف.
وعن الوضعية في الجزائر سجل محدثنا وجود تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة للرفع من حجم وجودة إنتاج الأدوية في بلادنا، وذلك من خلال إطلاق مشاريع استثمارية بالشراكة أو برأسمال وطني من خلال شركات جزائرية لديها ماض في هذا الفرع الصناعي الحساس، مثل مجمع «صيدال» وبعض الخواص الاحترافيين. ويندرج هذا التوجه وفقا لخيار إنتاج الدواء «الجنيس» ضمن إستراتيجية التخلص من التبعية للمخابر العالمية الاحتكارية، بما يوفّر حدا أدنى للأمن الصحي في البلاد. وأشار إلى بعض الإشكالات التي تنجم عن اتفاقية «تريبس» المتعلقة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية خاصة في مجال الأدوية، موضحا أن هناك جلسات ماراطونية مستمرة منذ حوالي عشر سنوات دون التوصل إلى اتفاق واضح وصريح حول براءات الاختراع، داعيا بالنسبة للدفاع عن مركز الجزائر في هذه السوق إلى الارتكاز على خبرات قانونية ذات كفاءة والتزام، خاصة في جانب الإجراءات وعدم الاكتفاء بالقواعد الموضوعية من أجل حماية مصالح الجزائر. ذلك أن الاتفاقيات تجد مطبّات وعراقيل عند التطبيق لغياب آليات دقيقة يحترمها كافة المتدخلين. ومن صور تلك الصراعات داخل منظمة التجارة العالمية في مجال صناعة وسوق الأدوية، أشار إلى مثال الأردن المصنفة «مطيعة»، والبرازيل المصنفة «مشاغبة» لأن الأول طبق حرفيا قواعد اتفاقية «تريبس» بينما خالفت البرازيل أحكامها بمبادرتها لإنتاج دواء مضاد لداء ضعف المناعة المكتسبة «ايدز»، وتعرضت بذلك لعقوبات مالية مرهقة، مما يظهر مدى صعوبة هذا المجال ويتطلّب التسلح بقدرات قانونية عالية عند التفاوض، مثلما قامت به الهند كحالة متميزة في العامل الثالث بفضل القانونية البارزة والشهيرة فاندا شيفا (مناهضة للعولمة ومدافعة عن الموارد الفلاحية الشاملة المحلية)، وكذا في الأرجنتين من خلال كارلوس كويا الذي دافع بقوة وبالحجة عن مصلحة بلاده خلال مرحلة التفاوض.
للإشارة ترأس أشغال الجلسة الثانية من الندوة الأستاذ عجة جيلالي، والثالثة بوقجميمة نجيبة والرابعة حواس فتيحة، فيما سجل اهتمام كبير من الباحثين والطلبة إدراكا لأهمية انفتاح البحث العلمي في الحقل القانوني الواسع على التحولات السريعة في المشهد الاقتصادي قصد توفير الرؤية السديدة والخيارات الناجعة التي تسمح لصاحب القرار والمستثمر والمنتج وكذا المستهلك
