المشـروع ينوّع مصادر الإمـدادات ويعزّز أمـن الطاقـة العالمي
انطلقت الجزائر بشكل مبكر لتكون أول دولة إفريقية ترسي محورا استراتيجيا للطاقة الخضراء، في وقت تنظر إليها أوروبا بثقة وحماس كبيرين لتقوم بدور المورد الأول للهيدروجين الأخضر، والمساهمة في استمرار النمو الاقتصادي والتطور الصناعي بمنطقة الأورو، وهو ما يتفق عليه جميع المختصين والفاعلين في قطاع الطاقة الذين يعتبرون الجزائر أول بلد عربي وإفريقي يخطو خطوات متقدمة لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة النظيفة، بفضل ما تمتلكه من بنى تحتية على غرار أنابيب الغاز ومهارات المورد البشري، وكانت قد أجرت منذ ما يقارب سنة دراسة جدوى بالتعاون مع أكبر الشركات المستثمرة في العالم للاستثمار في الهيدروجين الأخضر.
برامج كبرى واستثمارات ضخمة، واهتمام عالمي بالجزائر لتكون بوابة أوروبا للطاقة الجديدة غير التقليدية، وهذا التعويل على الجزائر ينبع من دون شك من مقومات وخبرة وتجربة لأكبر ممون بالطاقة التقليدية لزبائنها الأوروبيين وزبائن آخرين من عدة قارات، ووصف تحرك الجزائر بالفعال والسريع لتنويع مزيجها الطاقوي، وسط اهتمام أوروبي قوي، من إيطاليا واسبانيا وألمانيا على وجه الخصوص، من أجل تأمين طاقة نظيفة من مصادر موثوقة ومن بلد طاقوي كبير، أثبت لزبائنه طيلة عقود طويلة بأنه من أفضل الممونين بالطاقة على الإطلاق.
الزبائن الأوروبيون، وزبائن الأسواق العالمية، يدركون جيدا أن الجزائر تختزن إمكانات ضخمة من الأشعة الشمسية، المادة الخام الضرورية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية، ولقد تمت ترجمة أولى الخطوات عقب إبرام اتفاقيات شراكة مع شركات أوروبية، على غرار «سيبسا» الإسبانية شهر أكتوبر الماضي، من أجل إعداد دراسات جدوى مشتركة، بهدف تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى إسبانيا وأوروبا بشكل عام.
مشروع عملاق ومتكامل
ويمثل هذا التحول العميق في مسار التنويع الطاقوي، تجديدا للثقة في أكبر بلد طاقوي بالمنطقة، وفي ضوء ذلك، أصبح بيد الجزائر جميع الأوراق الرابحة لتكون في آفاق عام 2040 أحد أكبر الممونين بالهدروجين الأخضر للقارة الأوروبية، فقد انطلقت في التأسيس للمشروع المستقبلي قبل الجميع، برؤية تنموية وروح تنافسية، بداية من تهيئة أرضية بناء مشاريع الطاقة الخضراء، وجذب كبار المستثمرين في العالم، ولعل أحسن مثال على ذلك انطلاق الدراسات منذ عدة أشهر بعد إبرام اتفاقيات مع شركات كبرى في هذا المجال، وفي هذا الوقت بالذات، من الطبيعي أن لا ترى الدول الأوروبية بديلا عن الجزائر باعتبارها فاعلا موثوقا في سوق الطاقة، وعملاقا إقليميا مرموقا في صناعة الطاقة، لا يضاهيها منتج في التزاماتها وثرواتها، تحدوها إرادة قوية في الحفاظ على موقعا ومكانتها المتقدمة في الأسواق العالمية ذات التنافسية العالية.
وفي قراءة متأنية لمختلف المعطيات، فإن المتتبعين يتوقعون أن يكون مشروع ممر الهيدروجين الأخضر، مشروع القرن الطاقوي العملاق والمتكامل في منطقة البحر المتوسط، تستعمل فيه آخر التقنيات التكنولوجية الحديثة.
وبناء على المقومات الضخمة التي تتمتع بها الجزائر، فإنها ستكون أكبر بلد منتج ومصدر للهيدروجين الأخضر ومشتقاته من دون منافس، كما أن موقع الجزائر الهام يسمح لها بالوصول المباشر إلى السوق الأوروبية، باعتبار أنها السوق الأكثر طلبا لهذه الطاقة النظيفة في العالم.
وتشير جميع تقديرات الخبراء والمختصين في المجال الطاقوي، إلى أن الجزائر قريبة من تحقيق هذا المشروع، لتكون أقرب نقطة ربط مع إيطاليا، وبعد ذلك ينطلق التصدير لباقي الدول الأوروبية. علما أن شركتي «سنام الإيطالية» و»تاغ النمساوية» تشاركان في خط الربط بين إيطاليا والجزائر.
خطط هامة لتطوير الإنتاج
واتضح كذلك أن أولى نقاط الممر في أوروبا بعد انطلاق الإمدادات من مراكز إنتاج الهيدروجين بالجزائر ستكون صقلية وإيطاليا، ثم النمسا وسلوفاكيا، والتشيك وكذلك ألمانيا..هذه الدولة الأوروبية المؤثرة في الاقتصادي العالمي، تقود الاقتصاد الأوروبي وحاجتها كبيرة للطاقة النظيفة، من أجل بعث الحياة في مصانعها، ورفع مستوى صادراتها وضمان حركية أسواقها، ولقد لوحظ كثير من الارتياح في أوساط مستهلكي الطاقة الأوروبيين، ممن يحلمون بالتحول إلى طاقة نظيفة والتقليص من الأثر الكربوني، حين علموا أن المورد الأكبر سيكون الجزائر بعد أن أحرز مشروع ممر الهيدروجين تقدما لافتا، ما جعل النقاش المتفائل حوله يتسع مؤخرا عبر منصات عالمية مختصة في الطاقة..هذا التطور من شأنه أن يمهد لتعزيز خطط نقل الوقود مستقبلا بفضل بنية تحتية إضافية، يعول عليها كثيرا في تعزيز الطلب العالمي المتنامي نحو مسارات الطاقة النظيفة.
الأكيد..أن دولا أوروبية عديدة سترتبط بالجزائر بما أنها هي المنتج الأكبر للطاقة النظيفة، بعد أن تقدمت في مسار هذا التحول بخطوات جادة، ما يرشحها لأن تنجح في بناء محور استراتيجي رائد للهيدروجين الأخضر بفضل مواردها وموقعها الجغرافي الجيواستراتيجي، وكمرحلة أولى تسعى إلى تحقيق هدف توفير 10 بالمائة من الطلب الأوروبي للهيدروجين الأخضر عبر تبني جملة من الخطط الإستراتيجية القائمة - في الأساس - على تطوير إنتاج الهيدروجين وتصديره، إلى جانب إنشاء مشاريع شراكة مع شركات أوروبية من أجل تطوير خطوط الأنابيب وشبكات النقل.
وبما أن البنية التحتية والدراسات جاهزة، سيقود محور الجزائر النظيف المنطقة إلى ثورة طاقوية تاريخية، وهذا من شأنه أن يوفر جزءا معتبرا من استثمارات البنية التحتية، كما يوفر كثيرا من الوقت بخصوص مدة الإنجاز، كما تستفيد من الدعم التقني الذي توفره دول مثل ألمانيا في ضوء برامج هامة مثل «مشروع طاقتي» من أجل إبراز المهارات ونقل المعرفة بما يسمح بانطلاق عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر. وتصب هذه المستجدات في اقتراب الجزائر من إنجاز ممر الهدروجين العملاق.