مشاريــع طموحة لتعزيـز الأمـن والاستقـرار بالقـارة
ينعقد معرض التجارة البينية الإفريقية “إياتياف”، في ظروف إقليمية ودولية تستلزم تعزيز التكامل الاقتصادي، وترقية المبادلات التجارية بين دول القارة. وتشكّل تندوف مثالاً حياً على الرّؤية الاقتصادية الجديدة التي تبنّتها الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والتي تمّ بموجبها تحويل الولاية من نقطة حدودية معزولة بأقصى الجنوب الغربي، إلى قطب اقتصادي حيوي يشعّ على دول الساحل وغرب إفريقيا.
منذ توليه مقاليد الحكم في عهدته الرّئاسية الأولى، أولى الرئيس تبون أهمية خاصة للتكامل الاقتصادي جنوب-جنوب، خاصة مع الدول الإفريقية، من خلال الاستثمار في مشاريع ملموسة على الأرض، وكانت الولايات الجنوبية مسرحاً لها، يتقدمها المعبر الحدودي البرّي الشهيد مصطفى بن بولعيد بتندوف، الذي تمّ افتتاحه رسمياً من طرف رئيس الجمهورية ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يوم 22 فيفري 2024.
يمثل هذا المعبر المهم، الذي بلغت تكلفة إنجازه قرابة 3,5 مليار دينار جزائري، منشأة استراتيجية وطنية بمواصفات عالمية، من خلال احتوائه على مرافق إدارية وخدماتية ولوجيستية سهّلت حركة الأفراد والبضائع بين الجزائر وموريتانيا، ما يعكس مدى اهتمام السلطات العليا بتعميق المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية انطلاقاً من بوابة تندوف.
تحوّل المعبر البرّي الشهيد مصطفى بن بولعيد، بعد افتتاحه إلى شريان اقتصادي فعّال بين الجزائر وموريتانيا وحتى السنغال، حيث سجّل خلال أقل من سنة من افتتاحه تصدير أزيد من 231 ألف طنّ من السلع الجزائرية باتجاه موريتانيا، بقيمة مالية بلغت 1,5 مليار دينار جزائري، بالإضافة إلى انتعاش حركة المسافرين براً نحو الجزائر عبر هذا المعبر بـ16 ألف مسافر، و14 ألف مسافر باتجاه موريتانيا، وتعد هذه الأرقام والمؤشّرات تجسيداً فعلياً لإرادة الدولة الرامية إلى اقتحام الأسواق المجاورة وتثبيت الحضور الاقتصادي للجزائر في عمقها الإفريقي.
إلى جانب معبر الشهيد مصطفى بن بولعيد، أعطى الرّئيس تبون خلال زيارته التاريخية الثانية إلى ولاية تندوف، قبل عام ونصف، إشارة انطلاق أشغال إنجاز طريق استراتيجي يربط مدينة تندوف بالزويرات الموريتانية على مسافة 773 كلم. هذا المشروع المهم يعد أكبر المشاريع الجزائرية خارج الوطن منذ الاستقلال، حيث يخترق الصّحراء الكبرى باتجاه عمق الأراضي الموريتانية، موفّراً بذلك معبراً لوجيستياً لنقل السّلع بين الجزائر وموريتانيا، من خلال تصدير واستيراد المنتجات في ظروف أكثر تنافسية وأمناً. ويحظى هذا المشروع بمتابعة دقيقة من رئيس الجمهورية وسلطات ولاية تندوف، تأكيداً على أهميته الاستراتيجية في بعث وتقوية التجارة البينية بين البلدين الشقيقين.
لتعزيز مكانة تندوف في المشهد الاقتصادي الإقليمي، أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باستحداث منطقة للتبادل الحرّ بالولاية، أشرف شخصياً على وضع حجر الأساس لإنجازها على مساحة 200 هكتار قابلة للتوسعة لتصل إلى 500 هكتار. ويهدف هذا المشروع إلى خلق منصة تجارية دائمة بين الجزائر وموريتانيا تكون قاعدة متقدمة لولوج أسواق غرب إفريقيا، حيث ستشكّل هذه المنطقة الواقعة بجوار المعبر الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد، أحد الأعمدة الأساسية للاستراتيجية الاقتصادية المنتهجة مع الدول الإفريقية، ومقوماً إضافياً من مقومات نهضة الولاية الحدودية.
يشكّل إنشاء معبر حدودي، طريق عابر للصّحراء، ومنطقة للتبادل الحرّ على تراب ولاية تندوف، ثلاثية مترابطة تمهّد لتحولات اقتصادية محلية يتردّد صداها وطنياً، تُخرج الولاية من عُنق الزجاجة وتجعلها في صلب السياسات التنموية الوطنية. فالرؤية الاقتصادية التي جاء بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والبرنامج التكميلي الذي أقرّه لفائدة الولاية، هما نتاج رؤية سياسية واضحة المعالم تسعى إلى تحويل المنطقة إلى فضاء تنموي بامتياز، سيعزّز من ربط الجزائر بعمقها الإفريقي اقتصادياً عبر مشاريع واقعية. كما أنّ هذه المشاريع وغيرها ستسهم في تعزيز الأمن والإستقرار بالمنطقة، من خلال كبح جماح المهرّبين ومحاصرة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
لقد أثبتت المشاريع المنجزة بولاية تندوف خلال السنوات القليلة الماضية، على غرار الخط المنجمي الغربي وغارا جبيلات، أنّ الجزائر ماضية في تجسيد مضامين الإقلاع الاقتصادي، الذي نظر له ووضع أسسه الرّئيس تبون، دون إغفال مسألة الشراكات التي تؤسّس للتعاون التجاري والتكامل الاقتصادي جنوب – جنوب. ومع انعقاد مؤتمر التجارة البينية بالجزائر اليوم، تبرز ولاية تندوف بمشاريعها الاقتصادية ذات البعد الإقليمي، كمثال واقعي على بعد نظر السلطات العليا، واستثمارها في الموقع الجغرافي للوصول إلى الأهداف الاقتصادية لشعوب القارة، فهي بذلك تقدّم نموذجاً يُحتذى به في التكامل الاقتصادي الإفريقي الذي تطمح إليه حكومات وشعوب القارة