لم يتخلص المغرب الشقيق بعد من عقدة الصحراء الغربية المحتلة، ولا يزال يفضل سياسة الهروب إلى الأمام في محاولة يائسة جديدة لترويج مغالطات مفضوحة بالسعي لإقحام الجزائر في مشكلة تتعلق بتصفية الاستعمار وفقا للقانون الدولي وهي على عاتق الأمم المتحدة التي تسعى من خلال مبعوث أمينها العام لإزالة العراقيل المصطنعة من الدولة المحتلة ومساعدتها في التخلص من الوهم الاستعماري الذي ورثه الملك محمد السادس، ومن ثمة تشجيعه على العدول عن مشروع التوسع الغريب عن شعوب المنطقة المتطلعة للرفاهية والتنمية.
وفي الوقت الذي لم تتوقف فيه الجزائر عن مد يد التعاون الواسع وتعزيز مسار التقارب الاقتصادي والاجتماعي انطلاقا من المصير المشترك ضمن خيار بناء اتحاد المغرب العربي كما حلمت به الأجيال السابقة وتتطلع إليه الأجيال الحالية، في ظل الصراعات الاقتصادية الدولية وحتمية بناء أسس الأمن الغذائي الإقليمي.
يبدو أن ملك البلد الشقيق المغرب يفضل وقف عجلة التاريخ بالترويج لادعاءات لا تصدق وتسميم الأجواء بإطلاق تصريحات فيها استفزاز مجاني مجانبا الصواب.
لقد حسمت الأمم المتحدة الطابع القانوني لمشكلة الصحراء الغربية مؤكدة أنها مسألة تتعلق بالمغرب المحتل وجبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وأدرجتها في مسار تصفية الاستعمار من خلال الاستفتاء المباشر. ووافق المغرب بعد تعنت استنزف الوقت والجهد على الدخول في اتصالات ومفاوضات قبل أن يحاول التملص من مسؤوليته من خلال الترويج لتصورات غير جدية ترتكز على اللعب على المفاهيم ومحاولة خلط الأوراق للعودة إلى نقطة البداية، ضاربا بذلك الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط.
وكما هي سياسته المفضوحة، حاول الملك محمد السادس مرة أخرى، إقحام الجزائر بغير وجه حق في المشكلة التي تكبله، وهو يعلم أن الجزائر لم تدخر جهدا في الدفع بطرفي النزاع إلى الحوار المباشر والمساعدة على تذليل الصعاب من أجل إفساح المجال أمام القانون الدولي ليعالج المشكلة من أساسها، وبالتالي تمكين الشعب الصحراوي من فرصة يقرر فيها مصيره واحترام الخيار الذي يسطره.
وللأسف كان المقابل كله عرقلة وتعطيل، بل تهجم من خلال جملة من الأعمال التي لا تليق بالجار وتخالف القيم والمبادئ الإنسانية خاصة وأن للبلدين تاريخ طويل من الكفاح المشترك ضد الاستعمار ويجمع الشعبين رصيد ثمين من الأخوة والتعاون والتضامن. وفي سياق تلك الأعمال المثيرة للتساؤل والغامضة، تواجه الجزائر من حدودها مع المملكة المغربية وطيلة سنوات ظاهرة تهريب المخدرات وبكميات هائلة لا يمكن أن يقوم بها فرد أو مجموعة محدودة، وإنما وراءها عمل منظم يخفي نوايا خطيرة، خاصة في غياب أي عمل من الجانب الآخر للحدود لمنع انتشار تهريب السموم القاتلة التي تقاومها الجزائر بالصرامة المطلوبة.
كما التزم المغرب الصمت وبشكل مثير للتساؤل عن التحريض الإعلامي السيئ السمعة والمنافي للموضوعية، لما انزلقت بعض الأوساط عنده في حملة ممنهجة ضد الجزائر إلى درجة امتعضها الشعب الجزائري، الذي استنكر تلك الممارسة باعتبارها حالة أوهام مرضية، ترمي لتعكير الأجواء ومحاولة تحريف الواقع. كما بقي الجار الذي يعاني من متاعب داخلية على مختلف الجبهات متقاعسا شأن مبادرات الانفتاح الجزائرية فلم يتجاوب بالشكل الجيد مع التصورات والأفكار الاقتصادية والاجتماعية التي يمكنها أن تساهم في إخراج المغرب من أوضاعه الصعبة على أساس تجسيد مشاريع تعاون ثنائية بعيدا عن ربط ذلك بمشكلة الصحراء الغربية.
وفي إطار مسار التعاون حددت الجزائر ضوابط التعاطي مع مسألة فتح الحدود المغلقة منذ سنة ١٩٩٤ جراء اتهام المغرب لها على خلفية تفجيرات مراكش والتي تبين براءة الجزائر منها كبراءة الذئب من دم يوسف، ولا يمثل فتح الحدود رد فعل أو استجابة لطلب مهما كان موضوعيا وإنما يخضع لترتيبات يتحمل المغرب الشقيق جانبا منها وأبرزها تحمل مسؤوليته كاملة في مكافحة التهريب خاصة المخدرات ومنع تسلل الجريمة. ولعل أفضل عربون لذلك تجسيد حسن النوايا وعدم وضع الجزائر في الواجهة بشأن قضايا مغربية بحتة وللتغطية على متاعب داخلية ليس لها ضلع فيها. وللأسف بدل أن ينخرط في الديناميكية التي يصيغها القانون الدولي يبدو أن الملك محمد السادس يفضل إضاعة مزيدا من الوقت ومزيدا من الفرص باختلاق خصومات لا تستند لمبررات في وقت لا مجال فيه سوى للذهاب مباشرة إلى الحل الذي تكرسه الشرعية الدولية ومن ثمة الانطلاق جماعيا في بناء صرح المغرب العربي الكبير بما يضع الشعوب كافة على خط التنمية والتعاون.