الارتفاع المستمر والخطير لحوادث المرور يؤكد حقيقة واحدة وهي أن كل وسائل الردع التي تم انتهاجها للتقليل من الظاهرة ذهبت جميعها أدراج الرياح، والدليل أن الجزائر باتت تصنف من بين الدول الأكثر تسجيلا لحوادث المرور وأن الأرقام في تصاعد مضطرد خاصة في مواسم معينة على غرار شهر رمضان أو خلال موسم الإصطياف، والطامة الكبرى عندما يلتقي الموسمان مع بعض مثلما هو عليه الحال هذه السنة حيث وخلال الأسبوع الأول من الشهر الفضيل حصد إرهاب الطرقات أرواح ما يناهز عن ٩٨ قتيلا وأكثر من ١١٣٥ جريح، أرقام مرشحة للإرتفاع في غياب حلول عملية من شأنها تقليص التبعات الكارثية لهذا النوع الجديد من الإرهاب.
ندوة النقاش التي نظمت أمس بمقر جريدة «الشعب» و حضرها فاعلون في هذا الملف الخطير من الجمعية الجزائرية لضحايا الطرقات، صاحبة المبادرة إلى مصالح الأمن والدرك والحماية المدنية المعنيين مباشرة بالوقاية من حوادث المرور والذين يتحملون الوزر الأكبر لما يبذلونه في الميدان من جهود مضنية لمواجهة هذه الظاهرة، هذه الندوة أريد لها أن تسلط الضوء حول التطور الخطير لهذه الظاهرة ولكن أيضا ضرورة الإسراع في اتخاذ المزيد من الإجراءات العملية بعد أن تبين أن ما اتخذ من تدابير سابقة يظل مفعولها محدودا للغاية طالما أن الأرقام الكارثية تبقى خير دليل على غياب الآليات الفعالة لوضع حد لحوادث المرور.
رئيس الجمعية الجزائرية لضحايا الطرقات يحيى بلحاج مزيان وفي مداخلته الإفتتاحية للندوة ركز على مسؤولية الجميع في مواجهة إرهاب الطرقات وانتقد ضمنيا عدم فعالية التدابير الحالية للحد من الظاهرة، مبرزا كافة الأسباب التي أدت إلى تطور الحوادث على نحو غير مسبوق وأهمها الإفراط في السرعة التي تبقى المتسبب الرئيسي في ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى وما سينجم عن ذلك من ارتفاع في عدد المعوقين. فضلا عن حالة الطرقات التي باتت في بعض الأحيان تنافس السرعة الجنونية في حدوث المزيد من الحوادث المرورية، بسبب قلة الصيانة من جهة ولكن أيضا بسبب رداءة الإنجاز التي سريعا ما يفضحها سقوط الأمطار لتتحول حالة الطرقات المزرية إلى فخ آخر وعامل أساسي في تنامي الظاهرة.
من جهة أخرى فإن ما يلفت الانتباه أن طريقة التصميم والهندسة في بعض الطرقات تساهم إلى حد كبير في وقوع الحوادث، مثلما يحدث وبصفة دورية على مستوى الطريق الرابط بين مفترق الطرق بغابة ديكارت ونفق عين الله أين يتسبب المنعرج الخطيرفي انقلاب السيارات، الظاهرة تتكرر باستمرار وآخر حادثة كانت قبل أربعة أيام فقط، فضلا على أن غياب الإنارة في غالب الأحيان على مستوى نفس النفق تسبب في تعريض حياة السائقين إلى الخطر قبل أن تتفطن الجهات المعنية وبعد طول انتظار إلى إصلاح العطب ولو جزئيا، ويعد هذا النفق عينة مما يمكن إعتباره إهمالا تتحمل مسؤوليته الحكومة من خلال قطاع الأشغال العمومية.
لا شك أن الجميع يتحمل مسؤولية انتشار ظاهرة إرهاب الطرقات والحلول الردعية المقترحة من بعض الأطراف الفاعلة في مواجهتها لم تؤد إلى تحقيق الأهداف المسطرة، مما قد يفسر على أن الأمر بات خارج السيطرة خاصة وأنه، كما يبدو، كلما زادت إجراءات الردع كلما تم تسجيل المزيد من حوادث المرور والكثير من الخسائر المادية والبشرية، ما يجعل من هذه الإجراءات قليلة الفائدة والنتائج. ولكن في واقع الأمر لن تكون لذات الإجراءات الفعالية المنتظرة ما لم يتم إقحام وعلى نحو أساسي معظم مكونات المجتمع المدني في إطار تكثيف عمليات التحسيس والتوعية باستمرار وعدم التركيز فقط على مواسيم ومناسبات معينة من أجل إرساء الثقافة المرورية، التي لا تزال غائبة.