المجاهدة زهرة ظريف بيطاط والدكتور عامر رخيلة:

اعتبار الجزائر فرنسية أملت حركة تحررية

زهراء.ب

فضل عمار رخيلة أستاذ بجامعة الجزائر والمختص في التاريخ، أمس تصحيح المفاهيم عن تاريخ الثورة الجزائرية بعد ٥٠ سنة من استرجاع الاستقلال، حيث أكد أن اعتبار فرنسا للجزائر أرضا تابعة لها أملى على الجزائريين أن يلجأوا إلى تكوين حركة تحررية وليس حركة استقلالية كما يشاع بين الكثيرين.

وأبرز رخيلة في ندوة تاريخية حول «مرحلة مابين ١٩ مارس و٥ جويلية ١٩٦٢» نظمها منتدى «الشعب» بالتنسيق مع جمعية «مشعل الشهيد»، أوجه الاختلاف بين الثورة التحريرية الجزائرية والحركات التحررية التي عرفتها كل من المغرب وتونس، حيث قال «إذا كانت الحركات التحررية في تونس والمغرب في شكل مظاهرات وعمليات عسكرية محدودة تركت فرنسا تجلس إلى مائدة المفاوضات وترفع الحماية أو تدويل القضية فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للجزائر حيث كان يختلف ولذلك تبلورت الحركة الوطنية ووصلت إلى حد ما اكتملت الحلقات الضائعة في النضالات طيلة مالا يقل عن قرن و٣٠ سنة فكان لابد من الانتقال إلى عمل مباشر جسدته الحركة الوطنية في شعار «العنف الثوري» الذي كان واع بالمتغيرات والمعاهدات الدولية التي عرفها العالم لا سيما بعد ١٩٤٥ بظهور الأمم المتحدة، وتبنيها لمبدأ تقرير مصير الشعوب والأمم.
وأوضح رخيلة، أن بيان أول نوفمبر حتى وإن دعا الشعب الجزائري إلى الالتفاف حول جبهة التحرير كحركة شعبية تحريرية، فانه لم يهمل المعاهدات والقانون الدولي حيث قدم لفرنسا شروطا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، منها وحدة الإقليم الجزائري، استرجاع الجزائر استقلالها، وسيادة الجزائر في التعامل مع الأقلية الأوربية المتواجدة في الجزائر إلى غير ذلك.
موقف قابله أول رد فرنسي من طرف ميتران بالقول «أن المفاوضات الوحيدة هي الحرب» وقد وظفت لها فرنسا كل الإمكانيات للقضاء على الثورة الجزائرية، كما لم تتخلف عن استعمال المناورات لإجهاض الثورة عن طريق تكوين قوة ثالثة، أو المراهنة على الحل العسكري، غير أن تطور الكفاح التحرري وازدياد التفاهم والتعاطف الدولي مع القضية الجزائرية في مقابل تواصل العزلة السياسية لفرنسا اضطر هذه الأخيرة إلى التسليم بضرورة الاستجابة لدعوات الحكومة المؤقتة المدعومة بموقف دولي للجلوس إلى مائدة المفاوضات فكانت البداية بندوة مولان بتاريخ ٢٥ جوان ١٩٦٠ وهي الندوة التي آلت إلى الفشل بسبب تشبث الحكومة الفرنسية بموقفها المتعنت.
فشل ندوة مولان ـ يقول الأستاذ المحاضر ـ لم يكن نهاية المفاوضات بين الطرف الجزائري والفرنسي، بل كانت بداية لمفاوضات علنية بين الطرفين، واصفا ١٩٦١ سنة المفاوضات بامتياز حيث نظمت خلالها ٦ جولات، وإن انتهت إلى الفشل بسبب تعنت الحكومة الفرنسية وإستمرار تمسكها بطروحات ومطالب غير مؤسسة، في وقت ازداد إصرار المفاوض الجزائري على المواقف الأساسية للثورة بشأن أهداف المفاوضات المحددة في بيان أول نوفمبر والتي تعمقت أكثر في مؤتمر الصومام.
تعنت لم يستمر طويلا، حيث اضطرت الحكومة الفرنسية إلى تسريع المفاوضات بعد ضغط عقلائها وتحقيق الثورة الكثير من الانتصارات في الداخل والخارج، لتخلص المفاوضات في ١٨ مارس ١٩٦٢ إلى توقيع اتفاقية ايفيان التي أقرت الإعتراف بالسيادة الوطنية للجزائر ووحدة ترابها.
٣٠٠ ألف طفل يتيم، ٣٠٠ ألف لاجئ ووضع اقتصادي كارثي
عرج المحاضر في ندوته على الظروف التي ميزت يوميات الجزائر بعد دخول اتفاقية إيفيان حيز التنفيذ ابتداء من ١٩ مارس ١٩٦٢ إلى غاية استفتاء ١ جويلية ١٩٦٢، وهي الظروف التي قال أنها كانت كارثية مستندا في طرحه على مجموعة من الأرقام عكست مخلفات الحرب الدامية التي استمرت لأكثر من ٧ سنوات ونصف، فعلى الصعيد الإنساني والإجتماعي، ظهرت الصورة أكثر مأساوية حيث خلفت الحرب ٣٠٠ ألف طفل يتيم من بينهم ٣٠ ألف يتيم من الأبوية وليس هناك من يكفلهم، ٣ ملايين من الجزائريين هدمت وأحرقت قراهم وجمعوا في المحتشدات، ٧٠٠ ألف مهاجرين فروا من القرى نحو المدن أو نحو أوروبا، ٣٠٠ ألف لاجئ في كل من المغرب وتونس، ما يعني أن نحو ٤ ملايين و٨٠٠ ألف جزائري أي ٥٠ بالمائة من الجزائريين كانوا في انتظار حلول وإجراءات عاجلة سيما وأن عددا معتبرا منهم كانوا مصابين بنقائص بدنية خطيرة، وأمراض فتاكة.
أما في الميدان الاقتصادي فقد وجدت الجزائر نفسها أمام وضعية معقدة، حيث تميز الوضع المالي بعجز تام نتج عن نزيف رؤوس الأموال إذ صاحب الخروج الجماعي للأوربيين من الجزائر إنخفاض في الودائع لدى البنوك والحسابات البريدية بـ١١٠ مليون فرنك قديم، ناهيك عن تسجيل عجز في القطاعات الحيوية على غرار الفلاحة بـ٦٠ مليار فرنك قديم، الصناعة بـ٥٠ مليار فرنك قديم والتجارة بـ٣٠ مليار فرنك قديم، وهو ما يؤكد أن الوضع الاقتصادي الموروث غداة ١٩ مارس في المجال الإقتصادي كان وضعا كارثيا، زاد من تعقيداته عدم قدرة الإدارة الموروثة على استيعاب المشاكل المطروحة.
الوضع السياسي والأمني، لم يشذ على القاعدة، فأمام صدمة فقدان الجزائر لم يكن أمام منظمة الجيش السري إلا مضاعفة نشاطها الإرهابي بعد إبرام اتفاقية ايفيان في محاولة منها للحيلولة دون استتباب الأمن وإقرار السلام، مستهدفة بذلك دفع الطرفين لنسف إتفاقيات السلام، غير أن استفزازات منظمة الجيش السري لم تنطل على جبهة التحرير الوطني التي أدركت ما تستهدفه الأعمال الإجرامية ضد المدنيين الجزائريين، فوجهت أوامر بعدم الوقوع في فخ الاستفزازات.

مصلحة الوطن تجمع التناقضات وتذيب الاختلافات
يقول رخيلة، أنه في كل تلك الظروف كانت الجزائر تتقدم نحو إجراء الاستفتاء وهي مثقلة ببوادر إنفجار تناقضات مكونات جبهة التحرير الوطني والتي كان يتجاذبها اتجاهين رئيسيين هما اتجاه الحكومة المؤقتة، واتجاه القيادة العامة للجيش، ورغم ذلك الانقسام الذي ميز صفوف الحكومة المؤقتة إلا أنه تم الاتفاق على عقد المجلس الوطني للثورة وهي الدعوة التي أيدها كل من رابح بيطاط، وخيضر عضوا الحكومة المؤقتة وساندها آيت أحمد، ليتحقق الإجماع ويشرع في إعداد مشروع برنامج وقد كان ذلك في مدينة الحمامات التونسية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024