فتحت الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة منذ عامين، الباب على مصرعيه أمام مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة، بعد أن اقتصر التمثيل في السنوات الماضية على العنصر الذكوري ليس من باب الانتقاص من دور المرأة التي تركت بصماتها سواء في معركة البناء والتشييد أو إبان الثورة التحريرية، بل الأمر راجع إلى غياب آليات قانونية تمكنها من المشاركة في دوائر صنع القرار.
وأبدى الرئيس بوتفليقة، في خطابه الموجه للأمة يوم ١٥ أفريل رغبة قوية لمراجعة الأسس القانونية لممارسة الديمقراطية والتعبير عن الإرادة الشعبية وتحسينها وتعزيزها بما يستجيب لأمال الشعب في تمثيل نوعي ضمن المجالس المنتخبة، وقد جسد تلك الرغبة أياما بعد ذلك بإصدار القانون العضوي رقم ١٢ ٠٣ - المؤرخ في ١٢ جانفي سنة ٢٠١٢ والذي يقضي بتوسيع تمثيل المرأة الجزائرية في المجالس المنتخبة، وهي الآلية التي مكنت المرأة الجزائرية من الوصول إلى مواقع صنع القرار خاصة بالبرلمان الذي ظل شبه خال من النساء طيلة الخمسين سنة الماضية.
وشدد هذا القانون على ضرورة ألا يقل عدد النساء في كل قائمة ترشيحات، حرة أو مقدمة من حزب أو عدة أحزاب سياسية، عن ٢٠ بالمائة في انتخابات المجلس الشعبي الوطني عندما يكون عدد المقاعد يساوي أربعة مقاعد، و٣٠ بالمائة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق خمسة مقاعد، و٣٥ بالمائة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق أربعة عشر مقعدا، و٤٠ بالمائة عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق اثنين وثلاثين مقعدا، و٥٠ بالمائة بالنسبة لمقاعد الجالية الوطنية في الخارج.
وحددت نسبة تمثيل المرأة في المجالس الشعبية الولائية، بـ ٣٠ بالمائة عندما يكون عدد المقاعد ٤٧،٤٣،٣٩،٣٥، مقعدا، وبـ ٣٥ بالمائة عندما يكون عدد المقاعد ٥١ إلى ٥٥ مقعدا، في حين حددت في المجالس الشعبية البلدية بـ٣٠ بالمائة وفي محاولة من السلطات لتحفيز الأحزاب السياسية على منح المزيد من الفرص للنساء، حيث وعدت الدولة بمساعدة مالية خاصة للأحزاب السياسية بحسب عدد مرشحاته المنتخبات في المجالس الشعبية البلدية والولائية وفي البرلمان حسب المادة ٧ من نفس القانون.
وتجسيدا لإصلاحات الرئيس بوتفليقة التي شكك الكثير في تطبيقها على أرض الواقع، تمكنت العديد من النساء من حصد مقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية لسنة ٢٠١٢ بلغ ١٤٥ أي بنسبة ٣١,٦ بالمائة من أعضاء المجلس، مقابل ٣١ امرأة في المجلس الشعبي الوطني في عهدته الممتدة بين ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٢ أي بنسبة ٧ بالمائة من إجمالي المقاعد، وهو ما يعني أن نتائج هذه الانتخابات حققت قفزة نوعية غير مسبوقة في التمثيل البرلماني النسوي، وهي الوضعية التي جعلت من الجزائر رائدة في مجال حقوق المرأة، حيث أصبحت تتصدر الدول العربية في مجال التمثيل النسوي في المجلس التشريعي وتتقدم على عدة دول غربية منها سويسرا، كندا، فرنسا، وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أشادت العديد من المنظمات الدولية، على غرار هيئة الأمم المتحدة بالحصة الكبيرة التي حصلت عليها المرأة الجزائرية في المجلس التشريعي، فيما وصف الاتحاد البرلماني الدولي المجتمع في تقريره لسنة ٢٠١٢، التمثيل النسوي في البرلماني الجزائري بـ«الإنجاز الملحوظ»، مبرزا أن الجزائر هي أولى الدول العربية التي عبرت نسبة ٣٠ بالمائة من مشاركة المرأة في البرلمان.
ولم تكن المرأة الجزائرية تصل إلى هذا المستوى من التمثيل، لولا توفر الإرادة السياسية التي رأت أنه من غير الممكن تعزيز دولة القانون أو تحقيق أي تطور على صعيد إرساء قواعد الممارسة الديمقراطية في مجتمعاتنا بعيدا عن مشاركة نصف المجتمع، الذي تمثله المرأة من خلال مشاركتها بالرأي في مراكز صنع القرار.
قانون حالات التنافي مع العهدة البرلمانية ينهي الجمع بين الوظائف
من جهة أخرى، وفي إطار الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية بهدف استكمال النصوص القانونية المتعلقة بالسلطة التشريعية المنصوص عليها في الدستور والتشريع الجزائري الساري المفعول، تم إصدار القانون العضوي رقم ١٢ ـ ٠٢ المؤرخ في ١٢ جانفي ٢٠١٢، والمحدد لحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وهو القانون الذي وضع حدا للجمع بين العضوية في البرلمان وعهدة انتخابية أخرى، أو بينهما وبين المهام أو الوظائف أو الأنشطة مثل الوظيفة في الحكومة، عضوية المجلس الدستوري، وظيفة أو منصب في الهيئات الإدارية العمومية، وظيفة أو منصب في تجمع تجاري أو مالي أو صناعي، ممارسة النشاط التجاري، مهنة القضاة، مهنة حرة، وظيفة أو منصب لدى دولة أجنبية، أو منظمة دولية حكومية أو غير حكومية، رئاسة الأندية الرياضية الاحترافية والاتحادات المهنية، ويستثنى الأشخاص الذين يمارسون نشاطات مؤقتة، لأغراض علمية أو ثقافية أو إنسانية أو شرفية، أو مهمة مؤقتة لصالح الدولة لا تتجاوز سنة.
وألزم نص القانون البرلماني بإخطار مكتب المجلس بكل المهام الأخرى التي يقوم بها في ظرف ٣٠ يوما وإلا يعتبر مستقيلا، كما على المكتب إبلاغ المنتخب بحالة التنافي إن وجدت ويعطيه مهلة ٣٠ يوما للتوقف عن الأنشطة أو الاستقالة من البرلمان.
وجاء هذا القانون بهدف استكمال النصوص القانونية المتعلقة بالسلطة التشريعية المنصوص عليها في الدستور، بالإضافة إلى تعزيز دور البرلمان وتجسيد مبدأ الفصل بين السلطات ورفع جميع أشكال التبعية عن أعضائه لضمان استقلاليتهم وتفرغهم الكلي لممارسة مهامهم البرلمانية التي كلفهم بها الشعب باعتبارهم ممثلين عنه.