العلاقات بين الجزائر ومالي ضاربة في عمق التاريخ

المصالحة والديمقراطية ونبذ الإرهاب والتنمية.. مفاتيح المستقبل

سعيد بن عياد

دخل الوضع في مالي في سباق مع الزمن تحسبا لموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية المعلنة في ٢٨ جويلية القادم، والتي يراهن على نجاحها لإنهاء أزمة متعددة الأوجه والذهاب إلى مرحلة الاستقرار التام بما يعيد الاعتبار للمؤسسات النابعة من إرادة الشعب المالاوي بكامل أطرافه ويكرس قناعة رفض العنف كوسيلة للتعبير السياسي ونبذ ومكافحة الجماعات الإرهابية التي تسللت إلى منطقة الساحل في السنوات الأخيرة، وتسلحت بعتاد حربي كبير في أعقاب إسقاط الدولة في ليبيا والتغيير العنيف في تونس الأمر الذي وضع مخازن السلاح الحربي في يد العصابات التي برزت كما هو الحال في مالي كخطر محدق بالأمن والتنمية في منطقة الساحل وأبعد.
وقد إنجر عن ذلك حدوث الانقلاب الشهير والمباغت في ٢٢ مارس ٢٠١٢ الذي مهد الطريق لتدويل الأزمة إلى أن حدث التدخل العسكري الفرنسي في١١ جانفي ٢٠١٣ الذي بقدر ما غير المعادلة على الأرض بقدر ما أنتج تطورات خطيرة تهدد النسيج الداخلي لمالي، كون المعالجة الحربية للززمة يحمل مخاطر تنسف في النهاية الجهود الدولية لإنقاذ مالي من الانهيار التام وهو احتمال سوف ينعكس على بلدان الجوار جراء ما يترتب عنه من كوارث إنسانية للاجئين وتمدد للنشاط الإرهابي المدعم من وراء الستار من قوى كبرى تضع نصب أعينها الموارد الطبيعية للمنطقة ولا تقبل في استراتيجياتها التوسعية القائمة على الهيمنة وتصفية حسابات تاريخية تطور مفهوم الدولة الوطنية للبلدان التي عانت ويلات استعمار طويل وبشع.
في ظل هذا الوضع القائم على ما فيه من تناقضات وتداخل للمصالح المحلية والإقليمية والعالمية، لم يجد الماليون بديلا عن الذهاب إلى طاولة الحوار التي بقدر ما تتوسع لكافة الشركاء بقدر ما تساعد على إنتاج حل وسط يلبي تطلعات كل جهة في إطار مبادئ الوحدة الترابية والشعبية وإرساء الديمقراطية وتنمية الحريات ونبذ الإرهاب، وهي من المبادئ والقواعد التي تتطلب من جهة التمتع بإرادة حسنة بما فيه القدرة على التنازل، ولو التكتيكي لصياغة ورقة طريق تبدأ من تنظيم انتخابات شفافة ولكن أيضا تعطي الفرصة لتمثيل مقبول وواسع يضمن لكل واحد مقعدا في دولة مالي الجديدة.
وبلا شك فإن بناء الجمهورية الرابعة لمالي بواسطة الانتخابات الواسعة سيضع الأزمة متعددة الأوجه في حكم الماضي، لينخرط الماليون من جديد في مسار التوجه إلى المستقبل وبناء الإنسان في إطار المصالحة والوئام انطلاقا من التاريخ والجغرافيا والتطلعات التي يتقاسمونها. ولهذا يكون مفيدا انخراط المجتمع المدني بمفهومه الواسع يتقدمه من لديهم نفوذ الهوية، الدين والمعاناة الاجتماعية لإرساء جسور التواصل من أرض الجزائر حيث يحرص الجميع على إزالة المعوقات وإنهاء الغموض بين الفرقاء الذين لم تصل الأزمة بينهم إلى حد ما تروج له بعض الدوائر الإعلامية والدبلوماسية الأجنبية خاصة في مناطق ذات نفوذ وهيمنة، وهو ما كشف عنه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى لمالي محمد ديكو في منتدى «الشعب» أمس، حيث راهن على خيار المصالحة المسؤولة والاستفادة من التجربة الجزائرية في تجاوز أزمة عشرية التسعينات.
وتتميز العلاقات بين الجزائر ومالي الضاربة جذورها في التاريخ  بالقوة والتضامن منذ سنوات التحرر من الهيمنة الاستعمارية الفرنسية، وحينها لم يتأخر هذا البلد الشقيق المثقل بتراكمات أزمة التخلف الناجمة عن الاستعمار وصعوبة الجغرافيا وسوء الإدارة كما أكده أبناء مالي خاصة في الشمال الذي ينتظر أن يعاد إدماجه في ديناميكية التنمية التي تمثل الخيار الأفضل والممكن ليحل محل أجواء الحرب التي تستنزف الموارد وتحطم الإنسان وتخلف فاتورة باهضة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية بالأخص.
ويقف مالي في هذا الظرف بكل تعقيداته خاصة بعد أن تدخلت أطراف دولية لسبب أو لآخر على عتبة مرحلة حاسمة يتوقف على مدى القدرة في التعاطي معها بمسؤولية لتحديد معالم المستقبل، ولذلك إما يتحقق الإقلاع إلى رحاب التنمية في ظل الاستقرار وترسيخ الشرعية المؤسساتية في ظل الوحدة والعدالة والتضامن وحقوق الإنسان، أو يحدث الانهيار بكل ما يحمله من مآسي وتدمير للقليل المتبقي من الأمل المشروع الذي يبقى بمثابة شعرة معاوية حتى لا تنقطع بهم السبل في عولمة تجرف أمامها شعوبا ودولا إذا افتقدت للمناعة وسقطت في ألاعيب الكبار.
غير أن الحل ممكن إذا ما حسم المعنيون خياراهم بعيدا عن الأنانية والتصلب في المواقف أو الخضوع لقوى خارجية، ومن ثمة جاءت مهمة دول الميدان المجاورة لتمسك بخيوط الأزمة أو بعضه من أجل تلجيم الانزلاق وإعادة ترتيب الأوراق بما يساعد مالي على استدراك الموقف ومرافقته في إعادة البناء الوطني بدءا من انتخاب المؤسسات السياسية على أساس الديمقراطية والتمثيل الواسع والتشاركية إلى الورشات التنموية الصغيرة والجوارية بالاستثمار والتضامن.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024