تعرضت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أنشأت في ١٩ سبتمبر ١٩٥٨ بالقاهرة، إلى الكثير من الانتقادات خاصة من داخل الجزائر على غرار الولاية الثانية، التي اعترضت عليها بالنظر لإقصائها من الاستشارة. وهو ما أرجع إلى الأذهان الصراع الذي حدث في مؤتمر الصومام حول أولوية الداخل على الخارج.
وقد خص الرئيس الراحل علي كافي الذي كان قائدا للولاية الثانية التاريخية هذه القضية الكثير من الاهتمام في مذكراته من خلال حديثه عن أسباب وخلفيات الاعتراض.
وأكد الراحل في بداية شهادته التي جاءت في الصفحة ٢٧٧ من مذكراته عن معاناة الثورة من العديد من الأحداث ومن بينها تشكيل الحكومة المؤقتة موضحا «هذه هي الخلفية، وبعض النماذج لأحداث سياسية وعسكرية، وما كان يعانيه جيش التحرير الوطني عندما فؤجئ الجميع بإلاعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في ١٩ / ٠٩ /١٩٥٨».
واعتبر صاحب المذكرات الإعلان بالمفاجأة عدم استشارة قادة الولايات، قائلا «كانت مفاجأة، لأن قادة الولايات في الداخل لم يستشاروا بصفتهم أعضاء في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، بل كانت قيادة الخارج تبعث إليهم برقياتها المتكررة ومحتواها: انتظروا حدثا هاما يوم ١٩ سبتمبر».
وأضاف رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق، أنه رغم الاعتراض، اعتبرها مكسبا للشعب الجزائري ضد الاستعمار، مذكرا «ورغم المآخذ فان التشكيلة اعتبرت حدثا تاريخيا، وبعثا للدولة الجزائرية، وانتقاما ساطعا من لطخة سيدي فرج، ذلك أن الشعب المهتم بكل ما يرجع له كرامته، قد استقبل النبأ بكل حماسة وفرحة، إذ للمرة الأولى منذ ١٨٣٠، تولد حكومة بجهد الشعب الجزائري وحده وبدم أبنائه».
ويضيف الراحل كافي: «ومن المآخذ الرئيسية والقوانين الأساسية التي تحكم الثورة، أن تشكيل الحكومة لم يتم بالطريقة القانونية، إذ لم يخطر المجلس الوطني للثورة الجزائرية، فلم يجتمع ولم يقرر، وهو الهيئة العليا للثورة التي تلعب دورين أساسيين:
- دور اللجنة المركزية
- دور تشريعي
كما لم تتم استشارة قادة الولايات رغم أن الاتصالات كانت قائمة يوميا عن طريق اللاسلكي، ثم أن أغلبية أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية كانت في الداخل خاصة بعد توسيع المجلس بعد ١٩٥٧، حيث أضيف أعضاء مجلس الولايات إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية بحكم مراكزهم».
واعتبر الرئيس الراحل هذه الخطوة بعدم منح أي اعتبار للداخل، وقال بأنه قد تم وضعنا أمام الأمر الواقع ولعدم التأثير على مسار الثورة! وقد قال في الصفحة ٢٧٨ من المذكرات «قبلنا حتى لا نزيد في شرخ الثورة ونكرس فصل الداخل عن الخارج».
وأشار الراحل كافي، إلى المفاجأة الكبيرة بتعيين فرحات عباس، موضحا «... ومن المفآجات وجود فرحات عباس على رأس الحكومة وهو (المعتدل) الذي اقترحه بإلحاح عبان رمضان عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية في مؤتمر الصومام «باسم الوحدة الوطنية»، والآن ـ وبعد مجيء ديغول ـ تكون الثورة أو «قيادة الخارج» قد وجدت الرجل المناسب لمحاورة رجل فرنسا، وقد كان لهذا التعيين رد فعل سلبي وتشاؤمي بين مجاهدي الولاية الثانية، فقد برزت على السطح ـ مرة أخرى ـ العناصر المعتدلة والمؤيدة لهذا التيار متبجحة بأن تيارهم قد انتصر».
وأشار الفقيد في سياق متصل، إلى أن الولاية الثانية الثاريخية أخذت احتياطات على غرار عدم توزيع جريدة المجاهد، تفاديا لأية انعكاسات سلبية على تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة، وتجنيب الثورة المشاكل من خلال الترويج للجناح الذي يشجع المفاوضات على الذي يواصل خوض الكفاح المسلح.
وكتب الراحل حول هذا الجانب مايلي: «وحتى لا يعتبر موقف قيادة الولاية ومجاهديها تطرفا متسرعا، وبدافع حسن النية فإن تشكيلة الحكومة كان حدثا هاما وتاريخيا حرك نفسية الشعب والجيش، ويمكن اعتباره، وسيلة تكتيكية تهدف إلى خلق جهاز رسمي له صلاحيات قيادة دولة، كما يمكن اعتباره، محاولة مسؤولة لفتح الباب أمام مفاوضات أو حوار لجس نبض السلطات الفرنسية خاصة بعد مجيء ديغول».
وتطرق الراحل كافي، إلى رفض الاعتراف بلجنة العمليات العسكرية ـ أنشأت بقرار من وزارة الدفاع ـ التي عينت محمد السعيد، على رأس القوات المتمركزة على الحدود التونسية (غار دماء)، أما المتواجدة على الحدود الغربية فقد تم اختيار الرئيس الراحل هواري بومدين على رأسها.
وأكد في الصفحة ٢٨٠ «القراران المتخذان من الخارج دائما مفعمان بالتفاؤل، ولكنهما بقيا حبرا على ورق، وكان الموقف المبدئي من مجلس قيادة الولاية الثانية هو الرفض، على أساس أن هذه الهيئة متمركزة في الخارج، ورأت ذلك اهانة للثورة ولجيش التحرير الوطني بالذات، وكان رأيها أيضا هو دخول عناصر الهيئة إلى داخل التراب الوطني وهي مستعدة مثل باقي الولايات لحمايتها والاعتزاز بوجودها وسط جيش التحرير الوطني.
إذ ليس من المعقول والموضوعية والثورية أن تسير هيئة من الخارج عمليات عسكرية بالداخل، إن هيئة مقطوعة عن وحدتها تقرر تسيير العمليات العسكرية من الخارج لهو مساس خطير بوحدة جيش التحرير الوطني الذي يقارع العدو ويخوض حربا ضروس لا تعرف الرحمة....».