أحسن بوسنة

العمل بـ”الشعب” حلم يراودني

سهام بوعموشة

 

اشتغلنا في ظروف صعبة وكنا أسرة واحدة

لا يمكن للعمل الصحفي أن يكتمل دون التنسيق مع القسم التقني، وجريدة”الشعب” مر بها عمال تقنيون كانوا في المستوى واشتغلوا في أحلك الظروف، من أجل أن تبقى الجريدة ساطعة، منهم أحسن بوسنة الذي إلتحق بها سنة 1974، واشتغل لمدة 17 سنة بعدما كان الحلم يراوده بالعمل في هذه اليومية العريقة والتي كان لها صيت على الساحة الإعلامية آنذاك. وفي هذا الحوار يروي لنا تفاصيل عمله بجريدة”الشعب”.
أحسن بوسنة كان معلما في الطور الابتدائي، لكن حبه الكبير لجريدة”الشعب” التي كان يشتريها يوميا ويقرأها جعله يلتحق بزملائه الذين كانوا من أقاربه للمشاركة في مسابقة قامت بها الجريدة لكنه فوت  المشاركة فيها، ولأصراره على القيام بالإختبار اتصل بالمدير المكلف بالمطبعة وهو مصري الجنسية يدعى هلال، فوافق على إعادة إجراء الاختبار له هذا الأخير كان عبارة عن تقديم أوراق مختلفة الخطوط مكتوبة من طرف صحفيين ليمتحنه إن أحسن قراءتها، وبالفعل نجح وبسهولة في قراءتها رغم أن بعض الخطوط ركيكة، فيما كان يظن أن الامتحان عبارة عن مسائل رياضية ونحو.
بعدها حول إلى المطبعة مباشرة، أين وجد آلة للجمع بالرصاص وكله فرح بالعمل بالعنوان، وفي اليوم الموالي قدم استقالته لمديرة المدرسة، وشارك في التربص بالجريدة وذلك عام 1974، بالرغم من أن المهنة صعبة إلا أن كل شيء كان سهلا بالنسبة لعمي أحسن فتأقلم بسرعة مع ظروف العمل، وفي هذا الصدد، يقول :« ما دمت أحب العمل بجريدة”الشعب” كنت أتقن عملي جيدا ولا أشعر بمتاعبه” .
وعن ظروف عمله خلال العشرية السوداء، يقول بوسنة أن الأعمار بيد الله رغم أن المنطقة التي كان يقطن بها بحي الشراربة كانت تسمى بمثلث الموت، وكل سكان الحي يعرفونه ويقدرونه، لكنه لم يفكر في الهروب والتفريط في عائلته، وواصل عمله رغم شعوره بالخطر من حوله، وحين اشتد ذلك الخطر قرر إيداع طلب عطلة طويلة بدون أجر، لغاية تحسن الأوضاع الأمنية.
وكانت علاقة القسم التقني مع التحرير علاقة الأسرة الواحدة يعملون معا في المطبعة لغاية ساعات متأخرة من الليل، حيث يحضر الصحفيين مقالاتهم اليومية من مختلف الأقسام لتطبع، أما الأخبار الدولية فتأتي من وكالة الأنباء، ويروي أن بعض زملائه توقفوا عن العمل بشهادة طبية، بسبب سموم مادة الرصاص التي كانو يتنفسونها، متأسفاكون عمال القسم التقني القدماء الذين عانوا كثيرا لم يتم تكريمهم.
 وهنا يحكي لنا قصة تظهر مدى تعلقه بجريدة “الشعب”في 1978، قرر الذهاب إلى ليبيا بحكم توفر مناصب الشغل والمال هناك، حيث توجه إلى جريدة”الفجر” المشهورة بليبيا، وأخبر المدير الفني للجريدة برغبته بالعمل بهذه اليومية، وبالفعل تم قبوله بعد إجراء اختبار بسيط برهن فيه على قدراته حين أكمل جمع المجلة في وقت وجيز، مما جعل المدير الوطني للصحافة الليبية يطلبه في مكتبه ويعرض عليه راتب ضعف ما كان يتقاضاه في جريدة”الشعب”، شريطة سحب جواز سفره لمدة 6 أشهر مع منحه شهادة الإقامة والسكن.
 لكن عمي بوسنة راوده شعور قوي وحنين شديد إلى جريدة”الشعب” أم الجرائد، فتوجه مباشرة إلى النزل الذي كان يقيم فيه وحزم أمتعته لمغادرة التراب الليبي نحو الجزائر، للعودة إلى وظيفته بالجريدة، وهنا يقول:«لم أتخل أبدا عن يومية”الشعب” وبقيت وفيا لها لغاية انتقالي إلى جريدة السلام مجبرا لا مخيرا وبقرار من إدارة الجريدة”.
ويعود عمي أحسن للحديث مرة أخرى عن ظروف عمله في مطبعة ساحة أودان والضغوطات التي عاشها خاصة عندما تكون هناك أحداث وطنية تتطلب منهم العمل لساعات متأخرة من الليل وأحيانا لغاية بزوغ الفجر، منها مثلا مشروع الميثاق الوطني في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث كلف فريق القسم التقني لإعداد كتيب الميثاق وتصحيحه والعمل عليه لمدة ثلاثة أيام متتالية، علما أن عملية التركيب لم تكن بالأمر الهين آنذاك مثلما عليه الحال اليوم، حيث أضحى القسم التقني مثل الإدارة، على حد قول محدثنا، الذي أكد أن الإرادة وحب العمل والتعاون فيما بين الزملاء ما جعلهم يعيشون كأسرة واحدة في مؤسسة عريقة تدعى”الشعب”.
أما المرحلة الثانية التي ما تزال محفورة في ذاكرة بوسنة هي حين اختير للانتقال إلى جريدة السلام في 1991 بعد قرار إعادة الهيكلة، ولم تكن لنا حرية الاختيار فتدخل الحظ هنا، البعض أختير للبقاء بالجريدة، وآخرون حولوا إلى يومية السلام لكن حقوقهم تبقى محفوظة، كون جريدة السلام مثل الأضواء والمنقذ وغيرها جرائد تابعة لـ«الشعب”.
ويضيف أنه فيما بعد أصبح مقر “الشعب” بحسين داي، حيث تم اقتناء أحسن المعدات في الإعلام الآلي، وبالتالي هي أول جريدة اشترت هذه المعدات، وعمي أحسن باعتباره رئيس القسم التقني هو أول من أشرف على العملية، بعد إمضاء العقد مع شركة”إينو تايب”، حيث سافر إلى بريطانيا وبقي هناك خمسة أيام لمعاينة الآلات وتجريبها، وفي سنة 1985 شرع فريق القسم التقني على فوجين في التربص على استخدام الآلة وتحضير أعداد تجريبية .
وما يزال عمي أحسن الذي قضى 23 سنة خدمة في الميدان منها 17 سنة في جريدة”الشعب”، قبل أن يلتحق بجريدة”السلام” يسجل في ذهنه ذكريات كثيرة جميلة خلال عمله بالجريدة، أهمها أنه حين غادر ترك سمعة طيبة لدى زملائه، ولم يؤذ أي عامل حين كان مسؤولا لدرجة أن بعض زملائه يتساءلون قائلين له:« أنت تعمل بشغف وجد وكأن المؤسسة ملك لك يا ريت كل الأشخاص مثلك”. ويشير هنا إلى أنه غادر ميدان العمل التقني تحت اسم جريدة”السلام”، ثم جاء قرار غلق المؤسسة لأسباب اقتصادية لتبقى “الشعب”فخر الدولة الجزائرية لا يجب المساس بها وهذا أمر جيد.
ويعرب هنا عمي أحسن عن سعادته لما وصلت إليه الجريدة التي تخرّج منها إطارات ووزراء، لكنه تأسف أن العاملين بالقسم التقني بالرغم من المجهودات التي قدموها بقوا في خانة المنسيين، آملا في أن تكون هناك إلتفاتة طيبة من المسؤولين ويحظوا بتكريم ولو رمزي قائلا:«أتمنى زيارة البقاع المقدسة وتأدية فريضة الحج”.
وفي الأخير قال بوسنة أن الاحتفال بذكرى تأسيس جريدة “الشعب” كانوا ينظمونه كلما حلت المناسبة، وهو سعيد لأن اسمها مرتبط بذكرى تاريخية عظيمة وهي مظاهرات 11 ديسمبر 1960، حين يشاهد أشرطة حول المظاهرات يفكر أنه واحد ممن ساهموا في النهوض بالجريدة والمحافظة على اسمها بالعمل الجاد في المطبعة التي اسماها”المنجم”، بحكم ظروف العمل الصعبة، أما أجداده فضحوا بالدم.
يتأسف حسرة عندما لا يجد “الشعب” في الأكشاك
ويضيف أنه يفتخر بإرتباط اسمه بهذه الذكرى، آملا في أن يواصل شباب اليوم رفع المشعل ومواصلة العمل، ببذل مزيد من الجهد ويعتبرون الجريدة منزلهم، للرقي بها، مبديا أسفه حين يتوجه نحو الأكشاك ولا يجد صحيفة “الشعب” على الرفوف، مما يجعله يشعر بالحسرة لأن عمل الصحفي لا يصل للقارئ.
داعيا إلى التفكير في سياسة ناجعة لزيادة عدد السحب وفرض الجريدة على الساحة الإعلامية، مثلما كانت عليه في سنوات السبعينات مدرسة لها صدى إعلامي، مبديا استعداده لتقديم خبرته في حالة احتاجت الجريدة لخدماته.  

 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19754

العدد 19754

الثلاثاء 22 أفريل 2025
العدد 19753

العدد 19753

الإثنين 21 أفريل 2025
العدد 19752

العدد 19752

السبت 19 أفريل 2025
العدد 19751

العدد 19751

الجمعة 18 أفريل 2025