فيما يغذي العنف والتطرف الفكري أسباب التفكك والانهيار

السلام هو الكفيل بإنقاذ “اليمن السعيد”

أسامة إفراح

عديدة هي النقاط التي تطرق إليها ضيوفنا، والتي كان من بينها حقيقة الدور الذي تلعبه مختلف الدول ذات النفوذ في الأزمة اليمنية، وضرورة الوقوف على “جدوى” التصعيد الأمني وتبعاته الإنسانية في المصفّ الأول. واعتبر السيد رمضان بودلاعة بأنه لا فائدة ترجى من تضرر البنية التحتية في اليمن. أما المقدم كرّوش الخبير في الشؤون العسكرية، فرأى في عملية صنع السلام بديلا أكثر واقعية، وأجمع المداخلون على صلابة الطرح الجزائري المبني على الحوار.
تطرق رمضان بودلاعة إلى إحدى الذرائع الأساسية للحرب الدائرة حاليا في اليمن، وهي اتهام إيران بأن لها مصالح في المنطقة وأنها تسعى لبسط نفوذها والتمدّد في هذه الدولة العربية.
واعتبر المتحدث بأن الدفاع عن مصلحة اليمن ووحدته هو دفاع عن الجزائر كذلك. كما اعتبر بأنه لطالما ألصقت بإيران تهمة تصدير الثورة الإسلامية والمدّ الشيعي، ولكنه لا دليل ملموسا على ذلك: “لم يثبت في التاريخ المعاصر، منذ الثورة الإسلامية إلى اليوم، بأن هذه الدولة قد اعتدت على دولة أخرى، ولم نسمع يوما خطابا إيرانيا رافضا مدّ اليد تجاه الدول العربية. وحتى الحرب بين إيران والعراق كانت ظروفها معروفة وبتمويل من جهات معروفة”، يقول بودلاعة، حتى أنه تمّ السعي، في فترة من الفترات، إلى تحويل مركز الجامعة العربية إلى العراق تغذية لنار تلك الحرب، مضيفا بأن “إيران اليوم ليست هي إيران أيام الشاه”.
أما من الناحية الجيوستراتيجية، فقد رأى بودلاعة بأن التصرف العادي لأي دولة لها مصالح هو ملء الفراغ، وهو ما تقوم به إيران حاليا، مؤكدا على أن تحطيم البنى التحتية وتفكيك مؤسسات الدولة هو ما يخلق الفراغ ويؤدي بدول أخرى إلى البحث عن ملئه. كما أكد بودلاعة على أن الدول من حقها أن تتنافس وتسعى وراء مصالحها، ولكن ليس بهذه الطريقة التي أتت على الأخضر واليابس، وحتى من الجانب الإنساني فإن تدمير مدرج المطار مثلا أدى إلى تعذّر هبوط الطائرات الناقلة للمساعدات الإنسانية، وهو أمر حيوي لليمنيين بغضّ النظر عن مصدرها... وفضّل بودلاعة لو أن الأموال التي صرفت على العملية العسكرية، قد تمّ توجيهها للشعب اليمني، ولكانت مشاكل هذا الأخير قد حلّت.
«إيران دولة وليست جمعية خيرية، وإذا وجدت فراغا فإنها ستغطيه”، هو على الأقل ما اتفق عليه رمضان بودلاعة والمقدم المتقاعد أحمد كروش، هذا الأخير اعتبر بأن الأزمة اليمن هي اليوم أزمة إنسانية، ولا يمكن تعليق تبعاتها على الجهة الإيرانية. وقال الخبير العسكري، إن هذا الأمر هو ذاته ما حدث ويحدث في العراق أو سوريا أو لبنان، أو اليمن اليوم... يقول كروش، الذي شبّه هذا الوضع برسم كاريكاتوري، لرجل يحمل سيفا يرى شخصا يخطف ولده، وبدل أن يقطع يد المختطف فإنه يبتر يد ولده.
أما الدكتور علي حسن الخولاني، فاعتبر بأن “توصيف الحرب على اليمن تحت غطاء محاربة المد الصفوي هو أمر غير منطقي”. وتساءل ذات المتحدث، الذي بدت عليه آثار الحسرة على ما آلت إليه بلاده اليمن، تساءل عن جدوى الحلّ المسلح لغاية الآن: “لقد مرّ حوالي 3 أشهر ونصف منذ بدء التصعيد الأمني، فهل حققت هذه الأخيرة أهدافها؟”... كما اعتبر الخولاني بأن للإعلام دورا فاعلا ورئيسا في انتشار بعض المعلومات المغلوطة حول هذه الأزمة، حيث رأى بأن “الشعوب العربية” أصبحت مخدّرة بما تبثه بعض القنوات والفضائيات العربية التي ذكرها بالاسم.
ومن هذه التوصيفات الخاطئة، يقول الخولاني، هو تضخيم عدد الحوثيين، فيما أنهم على أرض الواقع لا يمثلون أكثر من 2٪ من الشعب اليمني، وأن أنصارهم إنما التفوا حول المطالب التي جاء بها الحوثيون. كما أكد على أن الضربات التي تعرض لها الجيش اليمني لا تخدم في أي حال من الأحوال مصلحة الشعب اليمني، وإمكانية الوصول إلى حل للأزمة، وبالأخص إعادة البناء في مرحلة ما بعد الأزمة.
صنع السلام وإعادة الإعمار
وبالحديث عن مرحلة ما بعد النزاع، توجهنا بالسؤال إلى المقدم المتقاعد أحمد كروش، عن مسار ما أطلق عليه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بطرس بطرس غالي، ما يعرف بـ “بناء السلام”، خاصة وأن تجاوز آثار النزاع من شأنها أن تضمن عودة السقوط في مسبباته. وفي هذا الصدد، قال الخبير العسكري، الذي سبق له وأن شارك في قوات حفظ السلام بإثيوبيا وإريتريا، بأن هناك ما يعرف بـ “فرض السلام Peace Keeping وهو يختلف عن “حفظ السلام Peace Keeping” و«صنع السلام Peace Making”، وهي المرحلة الأخيرة من مراحل عملية السلام، حيث تكون البداية عن طريق فرض السلام تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فيما يندرج حفظ السلام في إطار الفصل السادس من الميثاق، أي باتفاق الطرفين، ثم نجد في الأخير إعادة الإعمار، نزع الأسلحة وإدماج المسلحين؛ بمعنى إعادة إدماج المسلح، المشارك في العمليات الحربية، في المجتمع، من خلال تكوينه في مجال أو حرفة معينة، ويشابه هذا المفهوم إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين أو ما يعرف بإعادة التأهيل، لأن “المرتزقة أو الميليشيات أخطر بكثير من المساجين والمسبوقين قضائيا، وإذا لم تتمّ إعادة الإدماج فتبقى مظاهر النزاع ومسبباته قائمة، لذلك نتمنى أن يتوقف القتال في اليمن حتى لا نحتاج إلى حفظ السلام Peace Keeping، لأنه بمجرد أن توقف الجهة التي تشن الضربات العسكرية نشاطها، فإن المشكل سينتهي... الملاحظ على الأرض، هو عدم وجود طرفين يشنّان الهجمات على بعضهما البعض، وإنما تأتي الضربات العسكرية من جهة واحدة... يجب لهذه الضربات أن تتوقف على الأقل لأسباب أخلاقية”، يقول كروش.
التطرف الديني وقود للعنف
توجّهنا بالسؤال إلى جمال بن عبد السلام، حول دور الجانب الفكري في تغذية التطرف الديني والعنف في المنطقة العربية، وهو ما فتئت الجزائر تحاربه وتحذر منه. وفي هذا الصدد ذكر بن عبد السلام إلى “القابلية للاستعمار” التي أشار إليها مالك بن نبي، كما اعتبر بأن العقل العربي يعيش أزمة، وهي حال السلوك العربي وترتيب الأولويات. والتخلف الذي غرسه الاستعمار سابقا قد كان من بين نتائجه هذا التخلف الفكري، يقول بن عبد السلام، مؤكدا أن الفكر الإسلامي في المغرب العربي هو ما يمكن أن يشكل نقطة التوازن بين المسلمين، والجزائر اليوم تمثل العروبة الحقيقية.. هذه النقطة شكلت إجماعا لدى مختلف المداخلين، الذي أكد كل واحد منهم على أهمية المقاربة الجزائرية، التي لها أن تلعب دورا مهما في حلّ مختلف الأزمات، من خلال طرح مبني على الحوار بين مختلف الفرقاء.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19529

العدد 19529

الأحد 28 جويلية 2024
العدد 19528

العدد 19528

السبت 27 جويلية 2024
العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024