إستراتيجية واعـدة لتحصيل مداخيل خارج المحروقـات

الجزائــر الجديــدة.. نهضـــةٌ سياحيــة بمنظور اقتصادي

محمد فرقاني

جامــع الجزائــر.. منارة تستقطب الراغبين في استكشــاف البلــد

في مخطط الجزائر الساعي لتنويع مداخيلها خارج قطاع المحروقات، يبرز قطاع السياحة كواحد من أهم التحديات التي تعمل الحكومة على اجتيازه وبلوغ الأهداف المسطّرة عبر جذب 10 ملايين سائح بحلول عام 2030، وهو رقم يراه المتابعون في المتناول، نظرا لما تزخر به البلاد من تنوع طبيعي وتاريخي وثقافي يساعد على جعل هذا القطاع أساساً لدعم اقتصاد أكبر بلد إفريقي.

قربها من أوروبا واحتضانها لآثار ضاربة في عمق التاريخ والحضارات التي مرت عليها، أهّلها لتكون وجهة سياحية بامتياز، ناهيك عن امتلاكها لمدن ذات إطلالة خلابة على البحر المتوسط، تحرسها جبال الأطلس الشاهقة والتي تتميز بمقومات سياحة جبلية فريدة من نوعها، دافئة شتاء بمياهها الحموية، ومنعشة صيفا بظلال أشجار الأرز النادرة بأعالي جرجرة.
لم يعد أكبر بلد إفريقي يحتفظ بكنوزه السياحية لنفسه خلال الفترة الأخيرة، فبعد سياسة جديدة واستراتيجية أتى بها الرئيس عبد المجيد تبون، شهد قطاع السياحة صحوة وثورة على مستوى الخدمات والإجراءات التي تسهل زيارة البلد الذي يزخر بمقومات ومؤهلات سياحية فريدة من نوعها.

إجـراءات تسهّـل زيـارة الجزائـر

قدمت الجزائر في الآونة الأخيرة حلولا واقعية تسهّل على الراغبين في زيارة عروس المتوسط استخراج التأشيرة في ظرف قياسي، بعد أن أطلقت خدمة جديدة في نظام التأشيرة تدعى “تأشيرة عند الوصول”، وهو ما سمح باستخراج التأشيرة في ظرف وجيز جدا واستقطب سيّاحا من عشاق المغامرات الذين لا يطلبون أقصى قدر من وسائل الراحة للقيام بجولة في الصحارى الجنوبية الوعرة التي تشكل 80% من إجمالي مساحة البلاد.
كما ساهم هذا النظام الجديد في استصدار التأشير بتقديم 10 آلاف تأشيرة لزيارة الصحراء إلى غاية فيفري من العام الجاري، كما بلغ إجمالي عدد السائحين إلى الجزائر 3.3 مليون خلال 12 شهرا الأخيرة.
وقال وزير السياحة مختار ديدوش، في تصريحات سابقة في ماي الماضي، “إن الحكومة قامت بخطوات جادة لتشجيع السياحة في الجزائر، منها إصدار 10 آلاف تأشيرة لزيارة الصحراء الجزائرية في فيفري، إضافة إلى تسهيلات للمغتربين، حيث بلغ إجمالي عدد السائحين الجزائريين المغتربين 3.3 ملايين خلال تلك الأشهر الإثني عشر”.

ساحل ممتد على 1400 كلم تقابله جبال خضراء

تمتاز الجزائر بمناطق جذب سياحي متنوعة، ولكل فصل وجهة سياحية نشطة، فبالجزائر ساحل طوله 1400 كيلومتر، ومواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو مثل الآثار الرومانية في تيبازة وتيمقاد وجميلة، وآثار قديمة ضاربة في عمق الحضارات التي عرفها التاريخ تمتد على مساحة شاسعة في تمنغست، يضاف إليها أزقة القصبة المترامية الأطراف على السفح الجبلي لمنطقة القصبة في قلب العاصمة.
لا يقتصر أكبر بلد بالقارة الإفريقية في موارده السياحية على شريط ساحلي فقط، بل للسياحة الجبلية نصيب هي الأخرى، إذ تشهد منطقة تيكجدة الخلابة في فصل الصيف توافدا كبيرا للباحثين عن الراحة والسكينة والجو المعتدل، فزيارتك لأعالي تيكجدة تحثك على اكتشاف عدة أماكن أخرى بجبال جرجرة الساحرة، إذ كلما صعدت إلى أعالي جبال جرجرة، كانت درجة الحرارة تنخفض أكثر، حتى تقترب من فج تيزي نكويلال الذي يقع على ارتفاع 1560 متر، وهناك ستأسرك الطبيعة الخلابة لهذا المكان ولطف هوائه البارد الذي ينسيك معاناة العمل ومشاق الحياة.

صرح ديني يأسر الناظرين..

افتتح الرئيس عبد المجيد تبون “جامع الجزائر” الجديد في فيفري الماضي، ثالث أكبر مجمع ديني في العالم، منارة تشع وتستقطب الراغبين في استكشاف البلد المضياف، وهو معلم يمكن رؤيته من أي مكان في العاصمة كما أن أضواءه ترى من خارج العاصمة ليلا، ناهيك عن منارته التي تعانق السماء بـ265 مترا ومأذنة هي الأعلى في العالم، بداخلها وضع منظار يتمكن من خلاله زوار الموقع من الاستمتاع بجمال خليج العاصمة.
دعائم بعمق 60 مترا، تحمل 43 طابقا، منها 15 طابقا خصصت لاحتضان متحف تاريخ الجزائر، و10 طوابق كمركز للبحوث، يستقطب الراغبين في طلب العلم من كل مكان، يضاف إليها “دار للقرآن” تستوعب 1500 مقعد للطلبة الجزائريين والأجانب بمختلف درجاتهم العلمية في مجال العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية، كما تضم المدرسة قاعات لإلقاء الدروس وقاعة متعددة الوسائط، وقاعة للمحاضرات، وكذلك إقامة داخلية..
كما يضم الجامع مركزا ثقافيا يحتوي على بهو للعرض ومكتبة تستوعب مليون كتاب، بالإضافة إلى ساحة مخصصة لنزول المروحيات ومآرب للسيارات تتسع لـ4000 سيارة.

سيفار.. مدينة عجيبة ومتحف تاريخي على الهـواء الطلـق

في تلك المساحة الصحراوية، تحيط بك تشكيلات صخرية غريبة نحتتها العوامل الطبيعية، تحس وأنت تجول في حناياها وكأنك في متحف مفتوح سقفه السماء وأرضيته تربة رملية تحاكي تاريخا لا يمكن حفظه إلا من خلال صور ولوحات منحوتة على الحجر، كان في يوم ما واحة خضراء مفعمة بجميع أشكال الحياة منذ آلاف السنين.
مدينة سيفار الواقعة في صحراء الجزائر ضمن منطقة “طاسيلي ناجر”، التي تعني بلغة أهل المنطقة “هضبة الثور”، وهي سلسلة جبلية وسط الصحراء في الجنوب الشرقي للجزائر، تحتوي على واحد من أهم النقوش على جدران الكهوف التي تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ.
ما يميز هذه النقوش عن غيرها في سائر المناطق حول العالم، أنها ظلت مستمرة وتجددت، فقد وجد الأثاريون أن آلاف الرسومات والنقوش الصخرية في منطقة طاسيلي امتدت على مدار آلاف السنين وحتى القرون الأولى من الميلاد. كما كرَّس السكان الأقدم للمنطقة معظم نقوشهم لتجسيد الجانب الديني والسحري لتلك المجتمعات، مما جعل النقوش مادة رئيسية لدارسي ديانات ما قبل التاريخ، خاصة فترة “الرؤوس المستديرة”، كما أطلق عليها علماء الآثار والباحثون.

السياحة الحموية.. علاج واستكشاف

لم يعد الطلب على الحمامات من كبار السن فقط، بل بات اليوم مقصدا من مختلف شرائح المجتمع، بمن فيهم الشباب وكذا الأزواج. فالطلب تزايد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، فأصبح يتم تنظيم رحلات خاصة إلى تلك الحمامات المعدنية ضمن برنامج مضبوط، تسهر وكالات السفر عليها.
ولا يخفي الكثير من أصحاب الوكالات السياحية أن السياحة الحموية واحدة من أكثر عروض السفر المطلوبة من السائح الجزائري، وحتى الأجنبي؛ للاستمتاع بأجواء ترفيهية وعلاجية في نفس الوقت؛ حيث ترادف تلك الحمّامات السياحة الشتوية بامتياز، لتصبح بديل الشواطئ والمسابح، التي تلقى إقبالا خلال فصل الصيف، وهو ما يعزز ثروة الجزائر السياحية صيفا وشتاء وعلى مدار السنة.

هياكـل فندقيـة فـي المستــوى

تضم الجزائر حظيرة فندقية بلغت 1650 وحدة بـ152 ألف سرير، كما بلغ عدد وكالات السياحة والأسفار أكثر من 5 آلاف وكالة، بالإضافة إلى إحصاء أكثر من 200 دليل في السياحة وطني ومحلي، وتعمل الجزائر حاليا على إنجاز 800 مشروع سياحي، يمكنه توفير 90 ألف سرير و45 ألف منصب شغل.
وسجّلت إلى غاية الثلاثين جوان الماضي، 851 مشروعا استثماريا، من بينها 249 مشروعا يخص السياحة بمختلف فروعها ولاسيما المشاريع الفندقية والتي بلغت 103 مشروع و54 مركز ترفيه ومركبات سياحية وقرى خاصة بالعطل وأخرى متعلقة بالتنزه في البحر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19529

العدد 19529

الأحد 28 جويلية 2024
العدد 19528

العدد 19528

السبت 27 جويلية 2024
العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024