أزمة اقتصاديـة وانسداد سياسي.. الأخطر منــذ عقود طويلــة
ربطت عديد الأوساط السياسية في فرنسا وخارجها، رسالة الرئيس ماكرون لوزيره الأول فرنسوا بايرو، والتي أوعز له فيها باتخاذ نهج تصعيد ضد الجزائر، بتأزم الوضع الداخلي لهذه الدولة، بفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة واشتداد الاستقطاب بين مختلف التيارات، ما ينذر بدخول اجتماعي معقد.
«..نحن على حافة الهاوية»، بهذه العبارة ردّ الوزير الأول الفرنسي على خصومه الرافضين للخطة التي اقترحها لصياغة موازنة السنة المقبلة، بما يسمح بتحصيل 44 مليار يورو، حتى لا تقع البلاد تحت رحمة الدائنين.
ورغم استعداداته للخريف الأسود، إلا أن اليسار واليمن المتطرف وكذا النقابات، متمسكون بإسقاط خطة بايرو القائمة على إلغاء عيدين وطنيين ورفع الضرائب على المساعدات الاجتماعية.
وإسقاط الخطة يعني إسقاط الحكومة، مرة أخرى، ودخول البلاد في متاهات إضافية، تضع رقبة النظام الفرنسي تحت رحمة الوكالات المالية الوطنية والدائنين، وبالتالي إعلان الإفلاس الحاد.
ومن المتوقع أن يعرض بايرو خطته أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، شهر أكتوبر المقبل، وقبل هذا التاريخ ستكون البلاد مع إضراب واسع، دعت إليه عديد النقابات العمالية يوم 10 سبتمبر الداخل، رفضا لهذه الخطة ولكل السياسات المنتهجة. وفي ظل تمسك كل طرف برأيه، فإن فرنسا مقبلة على حالة «الوضع المعطل»، يبدأ بالإضراب العام والشامل ويصل إلى تعطيل الحكومة وإسقاطها ومنه دخول حالة الجمود الاقتصادي بسبب غياب الحلول الناجمة عن حدة التراشقات السياسية بين مختلف التيارات.
اقتراب فرنسا من حافة الهاوية، يتأكد يوميا، بفعل تدهور المستوى المعيشي وفوضى أداء الخدمة العمومية والتفاعل مع الطوارئ، وهو ما تجلى في الحرائق الأخيرة في إقليم «أودي»، حيث وجدت صعوبات بالغة في السيطرة عليها ما تسبب في خسائر جد معتبرة.
هذه الحرائق صنفت الأسوأ منذ قرابة نصف قرن، وكذلك الأزمة الاقتصادية الحالية المقرونة بالانسداد السياسي، تعد الأخطر على الإطلاق منذ سنة 1962، وفقا لتصريحا الوزير الأول الفرنسي فرنسوا بايرو.
وأمام هذا الوضع المتفاقم، لم يجد الرئيس ماكرون من مخرج، سوى توجيه رسالة إلى حكومته يرسم فيها التدابير التصعيدية ضد الجزائر، منضمًّا -هو الآخر- إلى هواة توظيف الورقة الجزائرية في الشأن الداخلي الفرنسي، وهذه المرة من أجل تحويل الأنظار عن الانهيار الوشيك.
وبدل أن يدفع هو وكتلته السياسية المحسوبة على «الوسط»، لم ينجح ماكرون في تذليل الخلافات الحادة منذ إعلانه عن انتخابات تشريعية مبكرة العام الماضي، وهي التي نجم عنها وضع سياسي بالنسبة له كرئيس وللحكومة التي اضطر لتعيينها من مختلف الأطياف، وباتت مهددة بالسقوط في أية لحظة.
وحتى على الصعيد الخارجي، تسبب السياسة الخارجية الحالية لنظام فرنسا، في فقدان عديد الشركاء، خاصة في إفريقيا، فالذهنية الاستعمارية المقيتة لم تعد قابلة للتحمل من طرف كل دولة تحترم سيادتها.
وانتهى المطاف بالنظام الفرنسي، عاجزا عن تعويض العجز الداخلي من الاستثمارات أو النفوذ الخارجي، وحتى عندما اختار وضع كامل بيضه في سلة المخزن المغربي، طمعا في السيطرة الاقتصادية على إقليم الصحراء الغربية، لم يحقق أية مكاسب اقتصادية، عدا انتهاك القانون الدولي.