”مملكة الحشيش” توظف عصابات المخدرات للتغطية على أزماتها الداخلية
لم يكفّ المخزن المغربي عن توظيف شبكات الاتّجار بالمخدرات، كوسيلة خبيثة لتصدير أزماته الداخلية وتوجيهها نحو الخارج، عبر استهداف مباشر لفئة الشباب على وجه الخصوص، وهو ما قام عليه البرهان بأنّه يمثل استراتيجية ممنهجة في تصدير السّموم، تحوّلت إلى سلاح جيوسياسي غير تقليدي، يُستعمل لضرب مناعة الشعوب والنيل من بناها الاجتماعية والاقتصادية.
وفي جزائر تواجه موجات متلاحقة من التهديدات العابرة للحدود، تتقاطع اليوم ثلاثة مسارات مصيرية: قانون جديد صارم، وتدفّق غير مسبوق للمخدرات، ومحاولة منهجية لضرب الأمن المجتمعي، حيث لم تعد المخدرات في الجزائر مجرّد ظاهرة إجرامية عابرة كما في كثير من دول العالم، بل باتت أداة موجّهة تستهدف، بدقة خبيثة، بنية المجتمع وشبابه.
من هنا، جاء التعديل القانوني الأخير الذي يلزم المترشّحين للتوظيف بإجراء تحاليل طبية تثبت خلوّهم من تعاطي المخدرات، ليشكّل ليس فقط إجراءً إداريًا روتينيًا، بل حلقة ضمن إستراتيجية دفاع وطنية شاملة في وجه آفة مخدّرة تُراد بها الجزائر.
وفي السياق نفسه، يؤشّر القانون الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ رسميًا بعد نشره في الجريدة الرسمية، على تحوّل نوعي في آليات الردع، فالقرار لا يستهدف الأفراد فقط، بل يسعى إلى فلترة شاملة لمن يلتحقون بسوق العمل، لضمان أن تكون مؤسسات الدولة ومرافقها العمومية والخاصة محصّنة ضد التسلل الأخلاقي الذي قد يتهدّدها من الداخل.
السّموم المغربية..تهديد عالمي
في السياق، يكاد لا يمر أسبوع دون أن تُعلن مصالح الجيش الوطني الشعبي أو الجمارك الجزائرية عن إحباط عمليات تهريب ضخمة لكميات من القنب الهندي والمهلوسات القادمة من المغرب، الذي يُعد - بحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة - المعني بالمخدرات والجريمة كأول منتج عالمي لهذه المادة السامة، وتكشف وزارة الدفاع الجزائرية، كل أسبوع، عن حجز كميات معتبرة من المخدرات، لا تقل عن 20 إلى 30 قنطارا شهريًا، أغلبها في الناحية العسكرية الثالثة (بشار)، وهو ما يؤكّد أن التهريب ليس نشاطًا فرديًا عشوائيًا، بل عملية منظّمة وموجّهة ذات طابع عدائي.
علاوة على ذلك، فإنّ المخدّرات القادمة من المغرب تمر نحو منطقة الساحل، حيث تُستغل كعملة تمويل للجماعات الإرهابية، وشبكات الجريمة المنظّمة. ويؤكّد خبراء في الأمن الإقليمي أن تقاطع طرق التهريب بين شبكات الاتجار بالمخدرات والجماعات الإرهابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، يُحوّل هذه السموم إلى سلاح جيوسياسي خطير يهدّد استقرار الدول، وليس فقط سلوك الأفراد.
وفي سياق متّصل، تبرز تقارير الجيش الوطني الشعبي كوثائق دقيقة ترصد حجم الخطر، حيث تشير الحصيلة السنوية لعام 2023 إلى حجز أكثر من 280 قنطارًا من القنب الهندي، وكميات معتبرة من الكوكايين والمهلوسات، إلى جانب توقيف مئات المهرّبين وحجز سيارات رباعية الدفع وأسلحة خفيفة في بعض العمليات، ما يدل على الطابع العسكري لبعض شبكات التهريب.
ميناء مارسيليا...جبهة جديدة لتهريـب المهلوسـات
في جانب آخر من هذه المعركة، كشفت المصالح الأمنية الجزائرية مؤخرًا عن مسارات بديلة لتهريب المخدرات، أبرزها ميناء مارسيليا الفرنسي الذي تحوّل - في أكثر من مناسبة - إلى مصدر لحاويات تضم كميات ضخمة من المؤثرات العقلية والمهلوسات من نوع “بريغابالين” و«ترامادول”، وهي موجّهة لاستهداف السوق الجزائرية. هذه المواد، وإن كانت قانونية في أوروبا، تُحوّل عند تهريبها إلى الجزائر إلى أدوات تخريب نفسي وسلوكي، تستهدف تحديدًا الشباب والمراهقين.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ما يثير القلق هو أن هذه العمليات تتم أحيانًا بتواطؤ شبكات إجرامية دولية، وهو ما يفرض تعزيز الرقابة، ليس فقط على الحدود البرية، بل أيضًا على الشحن البحري والتبادل التجاري مع أوروبا، لاسيما فرنسا التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في تداول المهلوسات.
وفي سياق متصل، شدّد متابعون للشأن الأمني والاجتماعي في الجزائر على أنّ هذه الكميات ليست مجرد حالات تهريب معزولة، بل تندرج ضمن “مخطّط خبيث” لضرب منظومة القيم لدى الشباب، وتدمير البنية النفسية والسلوكية لجيل المستقبل، ما يجعل من القانون الجديد ضرورة وطنية تتجاوز بعدها القانوني إلى بعد أمني واستراتيجي.
قرار الرّدع الاجتماعي داخل المؤسّسات
القرار الجديد الذي حمل في طيّاته المادة 5 مكرر 9، يهدف بشكل واضح إلى “غربلة” المترشّحين إلى الوظائف، وضمان أن من يلتحقون بالإدارات والشركات هم أفراد يتمتعون بمستوى من الانضباط والاستقامة السلوكية، فالوظيفة العمومية - بحسب فحوى القرار - لم تعد فقط أداة للعيش، بل مسؤولية أخلاقية تتطلّب نزاهة شخصية قبل الكفاءة المهنية.
كذلك، تستعد الجهات المعنية لإصدار تنظيم خاص يحدد شروط تطبيق هذا القانون، بما يشمل تحديد المخابر المعتمدة، مدة صلاحية نتائج التحاليل، والضّمانات التي تمنع التلاعب أو المساس بحقوق المترشحين، ما يُبرز حرص الدولة على إنفاذ هذا الإجراء بروح من العدل والصرامة.
تجربة جزائرية ضمن مسار عالمي
بالإضافة إلى السّياق المحلي، فإنّ الجزائر تسير في هذا الإطار على خطى عدد من الدول التي سبقتها في فرض تحاليل المخدرات كشرط للتوظيف، لا سيما في القطاعات الحسّاسة، وقد أظهرت التجارب الدولية أنّ هذه الإجراءات أسهمت في تقليص نسب الحوادث المرتبطة بالمخدرات داخل أماكن العمل، ورفعت من مستوى الانضباط العام.
وفي معركة متعدّدة الجبهات ضد آفة المخدرات، يبدو أنّ الجزائر اختارت المواجهة بمنطق الدولة لا بردود الأفعال. والقانون الجديد ليس إلاّ فصلًا من فصول استراتيجية وطنية شاملة، تتدرج من اليقظة الأمنية الصارمة على الحدود، إلى تحصين المؤسّسات من الداخل، مرورًا بتطويق الآثار الاجتماعية والتربوية، في ظل تهديدات تتكاثر وتتشابك، تثبت الجزائر من جديد أنّ أمنها المجتمعي خط أحمر، لا يُمكن تجاوزه أو العبث به، مهما تنوّعت وسائل الاختراق أو تغيّرت ملامح الخطر.