إطلاق برامج حيوية في إطـار شراكات استراتيجية
عـدم التأثر بتقلبات السوق الدولية أو إملاءات منظمات الغذاء
تلبيـة حاجــات السوق الوطنيـة..ثــم التصديــر بعد تحقيـق فائـض في الإنتــاج
تجاوزت الجزائر الجديدة التفكير بمنطق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي إلى تكريس السيادة الغذائية، ويتضح ذلك من خلال المشاريع الكبرى التي أطلقتها بالشراكة دول أخرى لإنتاج أنواع معينة من الاحتياجات الغذائية لتلبية حاجات السوق الوطنية، ومنها إلى التصدير بعد تحقيق فائض في الإنتاج.
تشير الاستراتيجية الجديدة إلى خروج الجزائر من فكرة تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، ولو عن طريق الاستيراد، إلى تحقيقهما عن طريق الإنتاج المحلي برسم سياسات وتحديد أنواع المنتجات والسلع والاحتياجات الوطنية من الغذاء، وبهذا يمكنها أن تتحكم مستقبلا في النمط الغذائي المحلي وتحديده دون الحاجة إلى الاستيراد وبالتالي عدم التأثر بتقلبات السوق الدولية، أو إملاءات منظمات الغذاء.
تتجه الجزائر من خلال إطلاق مشاريع فلاحية عملاقة إلى تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، في مرحلة أولى، وذلك من خلال توفير المواد الاستهلاكية الأساسية في كل أوقات السنة، وإن تطلب ذلك استيراد الكميات التي لا يستطيع الانتاج المحلي تأمينها، وهي تحرص على استقرار الإمدادات اللازمة من تلك المواد الأساسية ووفرتها واستقرار أسعارها في السوق الوطنية، ويتضح ذلك من خلال تعليمات رئيس الجمهورية في محاربة المضاربة والاحتكار وفرض قوانين ردعية لمن يتلاعب بقوت المواطن الذي يساوي الأمن القومي، وتخصيص وزارة لتنظيم التجارة الداخلية، التي تسهر على تنفيذ تلك الأوامر والتعليمات.
كما وضعت استراتيجية متكاملة من أجل تحقيق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي، من خلال تطوير القطاع الزراعي، حيث تشجع على الاستثمار في القطاع الفلاحي لصغار وكبار المستثمرين المحليين أو بالشراكة الأجنبية، وتوفير الموارد المائية عبر بناء السدود ومحطات تحلية مياه البحر، التي تستخدم للشرب والري معا، وتحسين إدارتها، وتشجيع الفلاحة الصحراوية لتنويع مصادر الغذاء، الى جانب مكافحة الفساد من خلال القوانين الردعية التي أشرنا إليها أعلاه.
رؤيـة استشرافيــة
وإن كان هدف السلطات العليا للبلاد هو تحقيقي الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي في الأمد القصير، فإن الهدف بعيد المدى هو تحقيق السيادة الغذائية، التي سوف تمكنها من وضع سياساتها الغذائية بما يتناسب الظروف المناخية والبيئية وخبراتها الزراعية والفلاحية، وفي إنتاج المحاصيل التي تتوافق مع العادات الغذائية للبلاد، بالاعتماد على وسائلها وعتادها دون الحاجة الى تمويل خارجي قد يكون مشروطا فيرهن قراراتها، ولعلّ ذلك يتضح من خلال تشجيع انتاج العتاد الفلاحي محليا واعادة بعث الصناعة الوطنية في المجال.
كل تلك العوامل تؤدي بالنتيجة إلى توفير غذاء كاف وذي نوعية مطابقا لاحتياجات الشعب، وفيرا ومتوفرا طول الوقت وبأسعار مناسبة للقدرة الشرائية. مع تحديد الكميات اللازمة للسوق الوطنية، وهذا ما يتم العمل عليه من خلال حملات الإحصاء لموائمة العرض والطلب وتوفير مخزون استراتيجي خاصة في أنواع القمح الصلب واللين، الذي يعتبر المادة الأساسية في غذاء الجزائريين.
مشاريــع عملاقــة
وبهدف تحقيق أهداف الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، ونقل الخبرات والتكنولوجيا المؤدية للسيادة الغذائية، أطلقت الجزائر في المجال الفلاحي مشاريع عملاقة في إطار شراكات استراتيجية مع شركاء عرب وأوروبيين، ونذكّر هنا بمشروع “بلدنا” لإنتاج الحليب المجفف في الجزائر، الذي وقعت عقوده الاولى في إطار المرحلة الاولى من الإنجاز قبل يومين، بقيمة 500 مليون دولار. وتعنى هذه المرحلة من المشروع باستصلاح الأراضي، وإنشاء مزرعتين ومصنع واحد، و700 وحدة ري محوري، على أن يبدأ الإنتاج قبل نهاية الأشغال من خلال تكوين قطيع الأبقار بداية من 2026.
وينجز المشروع بولاية إدرار بقيمة اجمالية تقدر بـ 3.5 مليار دولار على مساحة 117 ألف هكتار، ويتكون من ثلاثة أقطاب، تشمل مزرعة للأعلاف، مزرعة لتربية الأبقار، ومصنع لإنتاج الحليب المجفف، ويهدف إلى تلبية 50 بالمائة من احتياجات الجزائر من الحليب المجفف وتوفير 5000 فرصة عمل.
وبالمثل وقعت الجزائر اتفاقية إطار مع مجموعة بونيفيكي فيراريزي الإيطالية مشروعا استثماريا قدره 455 مليون دولار، لإنتاج القمح الصلب والبقوليات الجافة والبذور، يتم تنفيذه على مدار ثلاثة أعوام من تاريخ توقيعه. ويتضمن المشروع بناء قطب صناعي لتحويل المنتجات الزراعية، به مطحنة ومنشأة للتخزين وأخرى لإنتاج العجائن الغذائية ومرافق أخرى.
وسينتج المشروع 170 ألف طن من القمح الصلب و11 ألف طن من الحمص و6 آلاف طن من العدس، ويشمل استصلاح مساحة 36 ألف هكتار في ولاية تيميمون جنوب البلاد، ويتوقع أن يوفر أكثر من 6700 فرصة عمل. ناهيك عن مشاريع وطنية لإنتاح المواد الاولية للزيت والسكر.
دعـــم الإنتـــــاج الوطنــــي
يضاف إلى هذه المشاريع الاستثمارية بالشراكة الاجنبية، مشاريع محلية مرافقة منها توفير الماء الشروب ومياه السقي من خلال بناء عديد السدود، ومشاريع لربط بعضها ببعض، وانجاز خمس محطات تحلية مياه البحر التي دخلت حيز الخدمة، في انتظار إنجاز سبعة أخرى في المستقبل القريب، وهو مجال تمكنت الجزائر من التحكم في مراحل إنجازه كلها بأياد ومعدات جزائرية بنسبة شبه كاملة، وتقديم الدعم للمؤسسات الوطنية المتخصصة في صناعة العتاد الفلاحي، مثل المؤسسة الوطنية لصناعة العتاد الفلاحي (CMA) وفروعها، لتطوير وتحديث إنتاجها من الحصادات والجرارات وغيرها من المعدات، حتى تتمكن في الأخير من التحكم الكامل في مراحل الإنتاج الفلاحي دون حاجة كبيرة إلى الاستيراد وبذلك تكون قد حققت سيادتها الغذائية.