بواسـل خاضوا ثـورة فريـدة من نوعهـا في العالم ضـد أعتـى قـوة استعماريـة
تضحيات وانتصــارات في مواجهة آفـة الإرهـاب خـلال التسعينيــات
يوم لتخليد شهـداء الواجـب الوطني وتكريـم الأبطـال مـن المعطوبــين
تحيي الجزائر الذكرى الرّابعة لليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، المصادفة لـ 04 أوت من كل عام، بكثير من الإخلاص والعرفان لتضحيات أبطال “درع الأمّة”، وبكثير من العزيمة في الاضطلاع بدور حيوي في تمتين ركائز الارتقاء الاستراتيجي للبلاد.
تأتي المناسبة تكريسا لإقرار رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، الاحتفال بذكرى تحويل (تحوير) جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني، في هذا اليوم من سنة 1962.
وبموجب المرسوم الرئاسي الذي وقّعه سنة 2022، أصبح للجزائر يوم وطني خاص بالجيش الوطني الشعبي، يتم الاحتفاء به سنويا، وبرعاية رئاسية سامية، يستحضر فيه فضل الرجال وتضحيات خيرة أبناء الجزائر، في أحلك فترة أمنية واجهت فيها آفة الإرهاب المجرم الذي كاد أن يحطم أركان الدولة.
وفي هذا اليوم، يكرّم شهداء الواجب الوطني، وكذلك الأبطال من المعطوبين الذين طاردوا هؤلاء الوحوش البشرية في الجبال والثغور وفي الوديان والصحاري، حتى تمكّنوا من تطهير البلاد من دنسهم.
ويحمل إقرار رئيس الجمهورية، لهذا اليوم، بعدين أساسيين، الأول يتمثّل في تعزيز مكانة الذاكرة الوطنية، على اعتبار أن الجيش الوطني الشعبي هو السليل الشرعي لجيش التحرير الوطني، الذي خاض ثورة فريدة من نوعها في العالم ضد أعتى قوة استعمارية، من 1954 إلى 1962.أما البعد الثاني، فيرسّخ قيم الامتنان والعرفان لما بذله الجيش الوطني الشعبي، طيلة 63 سنة في الدفاع عن الاستقلال الوطني، وصون حرمة التراب الوطني والتغلب على كافة التهديدات والتحديات التي واجهته بما فيها الحروب التي خاضها عدو خارجي.
وتشهد أرض الوطن المسقية بدماء الشهداء وشهداء الواجب الوطني، أنه لم يتم التفريط في شبر واحد من التراب الوطني، ولم يحدث أن تم التهاون أو التغاضي عن أي تهديد ضد البلاد مهما كانت طبيعته ودرجة خطورته.
ويسجّل التاريخ بأحرف من ذهب كل التضحيات وجميع البطولات، بدءا من صد عدوان نظام المخزن المغربي على أرضي جزائرية في أكتوبر 1963، وحينها لم يمض على استقلال الجزائر وتشكل النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي سوى 15 شهرا.
هذا الجيش، الذي خرج من حرب طويلة وعنيفة للغاية ضد الاستعمار الفرنسي، وتغلّب عليه، واجه بما توفر لديه من عدة وعتاد وإرادة صلبة وعزيمة لا تقهر الأطماع التوسعية للجيل اللاحق من الاستعمارات الوظيفية، وشارك في حروب الشرق الأوسط نصرة للقضية الفلسطينية، وإسنادا للدول العربية ضد الكيان الصهيوني.
وفي أوّل احتفال وطني بهذه المناسبة، أشاد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، بقرار رئيس الجمهورية القاضي بتخليد ذكرى تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي. وقال “إنّ إقراركم ترسيم هذا اليوم في سجل المحطات الوطنية البارزة، قرار سيحفظه لكم التاريخ وتذكره الأجيال المتلاحقة كعربون وفاء وعرفان وتقدير للجهود المضنية والتضحيات الجليلة التي بذلها أبناء الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، خلال مختلف المعارك التي خاضتها بلادنا منذ الاستقلال، بدءا بمعركة البناء والتشييد وإزالة مخلفات الاستعمار البغيض، مرورا بصدّ ومواجهة كل محاولات المساس بحدودنا ووحدة ترابنا الوطني، وصولا إلى مجابهة الإرهاب الهمجي ودحره، واستئصاله من جذوره بكل شجاعة وبسالة منقطعة النظير”.
تطـوّر وجاهزيــة
المناسبة، أيضا، لها خصوصيتها التي تفرض التمعن، فيما أصبح عليه الجيش الوطني الشعبي بعد أزيد من 6 عقود، إذ يصنف من قبل معاهد دولية متخصّصة، ضمن أقوى جيوش فضاءات انتمائها الجغرافي.وبقدر تحكّمه في ناصية القوّة الغاشمة، من خلال التكوين المستمر والحديث للعنصر البشري والإصرار على امتلاك أحدث الأسلحة إلى جانب التأهيل المتواصل والتحضير المكثف لعناصر قوام المعركة، يحوز الجيش الوطني الشعبي على خصوصية تاريخية وأخلاقية، تجعل قيمة “الفخر” مرافقا معنويا دائما له.
لأنّ الجيش الوطني الشعبي لم يتأسّس بموجب مرسوم أو قرار سياسي، مثلما هو حال عديد الجيوش في العالم، بل هو امتداد لجيش التحرير الوطني ومتغلغل في العمق الشعبي بشكل يجعل من المساس برابطة “جيش-أمة” ضربا من الخيال، وقد باءت كل المناورات والمخطّطات التي تمت حياكتها في مخابر حاقدة، بالفشل الذريع.
هذه القيم التاريخية والأخلاقية، شكّلت حافزا دائما للجيش الوطني الشعبي، وأعطته كل الدوافع الاستراتيجية، ليقود ويشارك في كل المعارك التي ساهمت في تحصين البلاد دفاعيا، ورفع قدراتها تنمويا واقتصاديا.إذ تعتبر الصّناعة العسكرية من النماذج الجديرة بالاتباع، لما تحقّقه من تطور على كافة الأصعدة، وقد عبّر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، في أكثر من مناسبة عن افتخاره بما تحقّقه هذه الصناعة، معتبرا أنّه سوف يكون نفس شعور “الأجداد والآباء من الشّهداء والمجاهدين الذين حاربوا الاستعمار بالبندقية، واليوم يتولى أبناؤهم صناعة أحدث الأسلحة”.مساهمة الجيش الوطني الشعبي في تحقيق الأهداف الوطني الكبرى للجزائر، تتم بالتوازي مع الجاهزية الفائقة التي هو عليها في جميع الظروف، ومن قبل جميع وحداته القتالية، خاصة مع تزايد التهديدات في الجوار الإقليمي.
وإلى جانب حسن قراءة التطورات في المناطق القريبة من حدود البلاد، برهن الجيش الوطني الشعبي على استعداد تام لمواجهة كافة أشكال الأخطار بما فيها تلك التي تتم عبر تكنولوجيات حديثة.
وفي الفاتح من أفريل الماضي، أكّد تبنّيه لعقيدة قتالية دفاعية قائمة على التشدد في الدفاع عن السيادة الوطنية، بإسقاطه طائرة بدون طيار، اخترقت المجال الجوي الوطني، من أقصى الجنوب، بعدما أخذت مسارا هجوميا.
وكانت هذه المرة الثانية التي يوجّه فيها رسائل كبرى من هذا النوع، بعد تصديه المتقن سنة 2013 للاعتداء الإرهابي على منشأة الغاز بتيقنتورين، بعين أميناس.
ولاشك أنّ تكتيك الردع الاستباقي، القائم على عدم التهاون في الحدود بشكل عام، يكون قد وصل لكل من يهمه الأمر، علما أن الجيش الوطني الشعبي وعقيدته القتالية، يمثّل خير سند للدبلوماسية الوطنية ومبادئها القائمة على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.إذ تعمل الجزائر، ضمن كافة الأطر الإقليمية القائمة على التنسيق والتعاون الأمني والعسكري مع دول الجوار، للتصدي للآفات الخطيرة في المنطقة وعلى رأسها الإرهاب والجريمة المنظمة، ولم تكن يوما دولة متدخّلة أو معتدية، بل قدّمت الكثير من التضحيات من أجل الاستقرار والتكامل مع جوارها.