فاعــل استراتيجي في زمـن حـروب الجيــل الرّابــع
جاهزيـــة قتاليـة عاليـة.. رؤيــة واضحـة واستقلاليــة سياديــة
وسط التحولات المتسارعة والتحديات الإقليمية، يبرز الجيش الوطني الشعبي كدعامة أساسية للدولة الجزائرية، يجمع بين جاهزية قتالية عالية، رؤية واضحة، واستقلالية سيادية. ومنذ الاستقلال، شكّل بناؤه مسارًا استراتيجيًا يستند إلى روح نوفمبر، ما جعله قوة وطنية شاملة تحمي السيادة وترافق الشعب في الأزمات.
يؤكّد الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور أحمد ميزاب لـ “الشعب”، على أنّ “مسار تطوّر المؤسسة العسكرية الجزائرية لم يكن مجرّد تراكم في العدد أو العتاد، بل كان مساراً عميقاً لبناء نموذج جيش وطني، سيادي، عقائدي، اتّخذ طابعاً متدرّجاً ومدروساً يمزج بين الوفاء للذاكرة التحريرية والاستجابة لتحدّيات الدولة الحديثة”.
ويؤكّد ميزاب على العقيدة الصلبة للجيش الوطني الشعبي، الذي اختار الدفاع عن السيادة بدل تصدير القوة، والتموضع بحيادية خارج المحاور والتحالفات دعماً لقضايا التحرّر، مجدّداً التأكيد على أن هذا التموضع لم يكن تكتيكياً فرضته ظروف معينة، بل خياراً راسخاً حافظ على استقلالية القرار الوطني، ونأى بالجزائر عن الكثير من الصراعات الاقليمية والعالمية التي لا تخدم أمنها القومي رغم قربها من حدودنا الوطنية.
جيش يتموقع بعقيدة نوفمبرية..ويردُّ بلا صخب
وأضاف قائلاً “هذا التموقع الواعي للجيش الوطني الشعبي، جنّب الجزائر الانخراط في مغامرات عسكرية خارجية رغم كثافة النزاعات في محيطها، كما أنّه عزّز من مصداقية المؤسسة العسكرية، ورسّخ صورة الجزائر كقوّة توازن واستقرار في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب”، من هذا الوضع السليم - يواصل القول - “تشكّل مفهوم جيش - أمّة، ليس كشعار تعبوي، بل كصيغة عملية لعقيدة متجذّرة تؤمن بأنّ المهام القتالية ليست أداةً لفرض الهيمنة، بل وظيفة سيادية لحماية الكيان الوطني دون المساس بحق الآخرين في تقرير مصيرهم”.
المتحدّث وهو يستعرض أهم التحدّيات الإقليمية التي يواجهها الجيش الوطني الشعبي، أشار إلى أن التحوّلات التي عرفتها طبيعة الصراعات خلال العقدين الأخيرين، وظهور أنماط جديدة من التحدّيات فرضت على الجيوش الوطنية التعامل بمنطق رد الفعل، بخلاف الجيش الجزائري الذي اعتمد على مقاربة استباقية تدمج بين الفهم العميق لطبيعة التحدّي وتطوير أدوات المواجهة.
واستطرد قائلاً إنّ حروب الجيل الرابع وبما تحمله من سمات غير نظامية، ليست التهديد الوحيد المطروح على الساحة الوطنية والاقليمية، بل تندرج ضمن طيفٍ واسعٍ من التحدّيات الحديثة التي تشمل الحرب الإعلامية، النفسية، الاقتصادية والحرب السبيرانية، ومحاولات استهداف البنى التحتية الرقمية وشبكات القيادة والتحكّم، ومحاولات اختراق منظومات الاتصال. وفي هذا الإطار، باشر الجيش الوطني الشعبي منذ فترة تأهيل نخبة متخصّصة، تطوير منظومات المراقبة والرد، وإنشاء وحدات قتالية مدرّبة على بيئات المواجهة المعقّدة بما فيها الجبال والصحراء والفضاء الرقمي. هذه الاستجابة المتعدّدة المستويات مكّنت المؤسسة العسكرية الجزائرية من الحفاظ على الجاهزية التقليدية، مع امتلاك المرونة العملياتية التي تفرضها التحدّيات المستحدثة، حيث نجح الجيش الوطني الشعبي في إبراز حضوره بقوة فيما أسماها بالحرب الاقتصادي الرمادية، والتي لا تُخاض بالسلاح، بل عبر شبكات التهريب وغسيل الأموال واستهداف السوق الوطنية.
يقظة واحترافية على تخوم الخطر
ونوّه الدكتور ميزاب إلى أنّ المؤسسة العسكرية الجزائرية قد تعاملت مع هذا النوع من التهديدات من خلال عمليات نوعية على الحدود، مكّنت من اعتراض شحنات ضخمة من المخدرات والسلاح والذخيرة، مشيداً بيقظة وفطنة أفراد الجيش الوطني الشعبي المرابطين على الحدود، الذين أثبتوا ميدانيا امتلاكهم القدرة على التعامل مع هذه التهديدات المعقّدة والمركّبة، مجدّداً التأكيد على أنّ “الجيش الوطني الشعبي نجح في الجمع بين الجاهزية القتالية والمرونة العملياتية، كما برز كقوّة قادرة على حماية المجال الوطني في زمن أصبحت فيه الحرب تدور في العقول والشبكات، قبل أن تُخاض في الميدان”.وكشف الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، أنّ مسألة تأمين الحدود لم تعد هي الأخرى مهمة دفاعية تقليدية، بل أصبحت تحدياً استراتيجياً متعدّد الأبعاد نظراً لطول هذه الحدود وتشعّبها، وامتدادها مع دول أخرى لا تزال ترزح تحت وطأة الهشاشة الأمنية والصراعات المزمنة.
”جيش - أمّة”..رابطة مقدّسة
ولفت المتحدّث إلى أنّ هذه المنظومة المتطوّرة أسفرت عن نتائج إيجابية، وأفضت إلى تسجيل عمليات نوعية تمثّلت في القضاء على جماعات إرهابية نائمة، واعتراض شحنات أسلحة متطوّرة ومخدرات صلبة، إلى جانب كشف وتفكيك محاولات تسلّل منسّقة عبر الحدود الغربية، هذه النجاحات - يضيف قائلاً - لم تكن لتتحقّق لولا الجاهزية المستمرة والتموقع الاستباقي، والقدرة على تكييف العقيدة العملياتية مع طبيعة التهديد.المتحدّث وهو يستعرض أهم التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الجيش الوطني الشعبي، ومقدرته على التحكم في زمام الأمور الوطنية والإقليمية، أشار إلى أنّ رابطة “جيش - أمة” تمثّل أحد أهم أعمدة الخصوصية الجزائرية في بناء الدولة الوطنية، مؤكّداً بأنّ هذه الرابطة المقدّسة بين الشعب وجيشه، ليست شعاراً يتردّد صداه في الخطابات وعلى المنابر، بل هي رابطة حقيقة متجّذرة في تكوين المؤسسة العسكرية، وفي طبيعة علاقتها بالمجتمع والدولة.
واختتم الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب بالتأكيد على أنّ الجيش الوطني الشعبي حافظ على مركزه كفاعل استراتيجي يُعيد تعريف مفهوم القوة الوطنية ويُحسن قراءة البيئة، يُتقن التموقع ويرفض الانجرار، دون أن يتخلّى عن دوره في الحماية والمبادرة، مجدّداً التأكيد على أن الجيش الجزائري ليس مجرّد أداة تنفيذ، بل هو رصيد استراتيجي للدولة، يُترجم ثوابتها ويُدير أمنها بوعي سيادي واستقلالية في القرار، قوة تبني الوعي، تتحرّك بمرجعية، وتنتصر دون أن تخوض صراعاً.