الدبلوماســي الأمريكـي يكشف حقائـق قانونيـة وسياسيـة

نهب الثروات الصحراويـة..شرعية غائبــة وعدالــة مؤجّلة

علي مجالدي

منذ عقود والصحراء الغربية تمثل واحدة من أكثر القضايا الاستعمارية تعقيداً في القارة الافريقية، إذ تختلط فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية، وتبقى موضع تجاذب مستمر بين القانون الدولي والوقائع المفروضة على الأرض.

يكتسب الحوار الأخير للأمريكي جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، أهمية بالغة ليس فقط لأنه يعيد وضع الملف تحت الضوء الدولي، بل لأنه يكشف بوضوح عن جملة من الحقائق القانونية والسياسية المتعلقة بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم وفي ثرواتهم، وهي حقائق غالباً ما يجري تجاوزها في زحمة الصراعات الإقليمية والمصالح الضيقة والتسويق الإعلامي المزيف للمخزن المغربي.
وفي مستهل حواره مع صحيفة «El Independiente» الإسبانية، أوضح بولتون أن كل عمليات الاستغلال الاقتصادي للثروات في الصحراء الغربية – من الفوسفات إلى الثروة السمكية – تفتقد للشرعية ما دام الوضع القانوني للإقليم لم يُحسم بعد. ويشير هنا بشكل مباشر إلى أن المغرب أو بالأحرى المخزن لا يملك الحق في منح أي امتيازات أو استغلال مناجم مثل «فوس بوكرا»، معتبراً أن أي نشاط اقتصادي مغربي في الإقليم يعد باطلاً من ناحية القانون الدولي. وفي نفس السياق، يُعَدُّ هذا التصريح المهم بمثابة تأكيد جديد على مبدأ أساسي في القانون الدولي، يتمثل في عدم جواز استغلال الثروات الطبيعية في الأراضي غير المحكومة ذاتياً إلا بموافقة أهل الإقليم وتحت إشراف الأمم المتحدة.
كذلك، وفي سياق متصل، لا يمكن فصل هذا البعد الاقتصادي عن استراتيجية المغرب الساعية إلى تغيير البنية الديموغرافية للصحراء الغربية عبر سياسات التوطين ونقل السكان وتهجير السكان الأصليين. ومثل هذه السياسات تُعيد إلى الأذهان نماذج استعمارية وصهيونية قائمة، حيث يُستثمر في الموارد ويُعاد رسم الخريطة السكانية بما يخدم سلطة الاحتلال ويقوض حق السكان الأصليين في تقرير مصيرهم. وفي هذا الشأن، يتحدث بولتون بصراحة عن محاولات الرباط الدؤوبة لتغيير الحقائق على الأرض من خلال إدخال مستوطنين مغاربة للإقليم، ما يجعل من عملية الاستفتاء – كما أقرها مجلس الأمن سنة 1991 – إجراءً معقداً بل وعسيراً في ظل هذا الواقع المتغير.
بالإضافة إلى ذلك، يفرض الاستغلال المكثف لثروات الصحراء الغربية من طرف شركات مغربية أو متعددة الجنسيات، تساؤلات عميقة حول المسؤولية الدولية في هذا الإطار. ففي الوقت الذي ينص فيه القانون الدولي على أن الثروات الطبيعية هي حق حصري للشعوب الخاضعة للاحتلال، نجد أن المغرب يستفيد، وبتواطؤ أحياناً من شركات أجنبية، من الفوسفات والصيد البحري والمعادن دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب الصحراوي. وفي نفس الإطار، صدرت أحكام أوروبية عدة، أكدت بوضوح أن اتفاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا تنطبق قانوناً على أراضي الصحراء الغربية، ما يدعم الأطروحة القائلة بأن كل نشاط اقتصادي هناك هو نهب للثروات وليس شراكة شرعية.
وفي سياق متصل، يمكن الإشارة إلى أن غياب الإرادة الدولية في فرض الحل العادل، وخصوصاً فيما يتعلق بتنظيم الاستفتاء أو حماية الموارد الصحراوية، يمنح المغرب هامشا للاستمرار في سياساته الاستيطانية والاستعمارية. ومع ذلك، تبقى تصريحات شخصيات دولية مثل بولتون، ممن يمتلكون خبرة ومعرفة بتفاصيل الملف، بمثابة جرس إنذار يجب أن ينتبه له الرأي العام الدولي قبل النخب السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ربط ما يحدث في الصحراء الغربية بالنماذج الاستيطانية في فلسطين ليس مجرد مبالغة خطابية أو ربط عاطفي، بل هو تشبيه قائم على واقع سياسي واجتماعي. فاستغلال الموارد، وتغيير الواقع السكاني، وتجاهل الحقوق الأصلية للشعب، كلها سمات مشتركة بين الحالتين، وتكشف عن استراتيجية أعمق تقوم على فرض أمر واقع بقوة الاقتصاد والديموغرافيا وليس بقوة الحق أو القانون.
وفي المحصلة، لا يمكن إلا الإشارة إلى أن استمرار نهب ثروات الصحراء الغربية يمثل إعاقة حقيقية لأي مسار سياسي جاد، ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب. فبدون احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب الصحراوي، وبدون وقف سياسات الاستغلال والاستيطان، سيظل هذا الملف مفتوحاً، وسيبقى صوت العدالة الدولية حبيس التصريحات، مهما كان صداها قوياً في أروقة الأمم المتحدة أو على صفحات الصحف العالمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025