إستراتيجيـة شاملة لضمان الوفرة واستقرار التموين في رمضـان
ركّز مجلس الوزراء المنعقد، مساء أول أمس، بشكل خاص على ضمان توفر المنتجات الأساسية خلال شهر رمضان. كما أكد على الاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لتوفير المواد الغذائية الأساسية، مثل الزيت، السكر، السميد والفرينة، التي يزداد عليها الطلب في الشهر الفضيل.
قال الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، إن رئيس الجمهورية يولي عناية خاصة بملف الوفرة والتموين والقدرة الشرائية للمواطن، وهذا من خلال تأكيده في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد أول أمس، على أهمية اليقظة الاقتصادية، لضمان وفرة السلع في رمضان والتي تتطلب استعدادات كبيرة وتنسيقا مستمرا بين الجهات المعنية؛ المنتجين والموزعين، لضمان تزويد المواطنين بمختلف المواد.
وأشار إلى وجود برنامج متكامل ومنظومة دقيقة للحذر الاقتصادي، تهدف إلى مراقبة وتقييم وفرة السلع والمنتجات في الأسواق بجميع أنواعها، سواء كانت محلية “الجوارية والبلدية” أو في الفضاءات التجارية الكبرى، وهو ما يضمن متابعة مستمرة للعرض والطلب، ويعزز القدرة على التدخل السريع لتلبية احتياجات السوق، وضمان استقرار الأسعار وتوفير السلع في الوقت المناسب.
وعرج سليماني على جهود الدولة في توفير المواد الأساسية، من خلال زيادة الإنتاج المحلي لبعض المواد الأساسية، معلنا أن إنتاج الزيت والسكر في الجزائر يبلغ ثلاثة أضعاف حجم الاستهلاك المحلي، مما يضمن تغطية احتياجات الأسواق، خاصة مع ارتفاع الطلب خلال شهر رمضان.
وأضاف الخبير، رئيس الجمهورية يظهر في كل مرة اهتماما بالغا بضرورة العناية الكبيرة بالمواطن وتلبية احتياجاته، مع الحرص على الحفاظ على قدرته الشرائية، وهو ما يعكسه التأكيد المستمر على أهمية توفير المواد الأولية للمنتجين المحليين، لضمان استمرارية الإنتاج وتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الغذائية الأساسية، على غرار الزيت، السكر، السميد، الفرينة والقهوة، مؤكدا أن العملية تهدف إلى تحقيق استقرار الأسواق وتوفير السلع بأسعار مناسبة تلبي احتياجات المواطنين.
وتناول في سياق تحقيق الاكتفاء الذاتي، أهمية الأمن الغذائي كإحدى المسائل الحيوية، مشيرا إلى أن الإنتاج الفلاحي في الجزائر يلبي نحو 75٪ من احتياجات البلاد الغذائية، في حين قيمة الإنتاج الفلاحي السنوي بلغت 37 مليار دولار، وهو ما يمثل 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما تم تسجيل تقدم في تلبية الاحتياجات من القمح والبقوليات بما يعادل 80٪ من احتياجاتنا من القمح الصلب، إلى جانب كميات كبيرة من إنتاج البقوليات.
وتابع قائلا، “اعتمدت الدولة على العديد من الآليات لتحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان تلبية احتياجات المواطنين من الغذاء، وذلك من خلال تعزيز البنية التحتية لقطاع الزراعة والتخزين. ومن أبرز هذه الجهود، إنشاء صوامع ضخمة للتخزين، مثل مخزن تيارت الذي تم افتتاحه مؤخرا، إضافة إلى تطوير صوامع تخزين الحبوب لتعزيز قدرة البلاد على التخزين. كما تم تشجيع الاستثمار في الزراعات الاستراتيجية، بما في ذلك المشاريع الزراعية في المناطق الصحراوية، بهدف زيادة الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي”.
وأوضح الخبير، هذه المبادرات تؤكد حرص الجزائر على تعزيز الإنتاج المحلي وضمان استقرار التموين، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد. كما أشار إلى تصنيف منظمة الأغذية والزراعة “فاو” الجزائر في مرتبة أولى إفريقيا من حيث الأمن الغذائي، مما يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لدعم الإنتاج المحلي من خلال القطاع الفلاحي والصناعة الغذائية. وأضاف، أن الجزائر تعمل أيضا على استيراد الكميات الإضافية المطلوبة لتلبية الطلب المحلي.
وصرح أن هذا التوجه يعكس اعتماد الدولة على استراتيجية شاملة، تهدف إلى ضمان وفرة الغذاء واستقرار التموين بالمواد الغذائية، مما يعزز مكانتها الحقيقية كدولة رائدة في مجال تحقيق الأمن الغذائي على المستوى الإفريقي وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في هذا القطاع الحيوي.
وفيما يتعلق بتحيين وتكييف أنظمة الرقابة، أشار سليماني إلى أهمية تفعيل أدوات اليقظة الاقتصادية وآليات التحذير المبكر لضمان وفرة المواد الأساسية قبل شهر رمضان، الذي يشهد عادة زيادة في الطلب على السلع. موضحا، أن الحكومة اتخذت إجراءات استباقية لتفادي أي نقص أو تذبذب يؤثر على استقرار السوق، وذلك من خلال دعم القدرة الشرائية للمواطنين عبر توفير الدعم المباشر لأسعار المواد الغذائية الأساسية.
إلى ذلك، تشمل الإجراءات تسقيف أسعار بعض المواد لضمان استقرارها وجعلها في متناول الجميع. إلى جانب المراقبة المستمرة للأسواق لضمان توفر السلع الأساسية، مع تطبيق الأسعار المقنّـنة ومتابعة تنفيذها لضمان استفادة المواطنين من السلع المدعمة، والتي تشمل 11 مادة أساسية، بعد إضافة البن.
بالنسبة لمكافحة المضاربة، أكد الخبير أن التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية بمواصلة مكافحة المضاربة، من شأنها المحافظة على الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطن، وكذا وضع حد للممارسات غير المشروعة في العمل التجاري. وأوضح أن القانون الأخير لمكافحة المضاربة وقمع الاحتكار، يهدف إلى حماية القدرة الشرائية للمواطنين ومنع أي محاولات للمساس بقوت الجزائريين.
وأشار سليماني إلى أهمية توسيع شبكة الأسواق الجوارية، من خلال منح تراخيص لإنشاء أسواق جديدة في كافة بلديات الوطن. وأكد على ضرورة تكثيف الجهود لتجهيز هذه الأسواق قبل حلول شهر رمضان المبارك، لضمان توفير المنتجات الأساسية وتلبية احتياجات المواطنين خلال الشهر الفضيل، خاصة التي يزداد الطلب عليها. وأكد أن ذلك يسهم بشكل كبير في تخفيف العبء عن المواطنين ويمنع حدوث أي نقص في السلع الغذائية الضرورية.
وعرج الخبير على أهمية الإحصاء الاقتصادي الذي تم اعتماده مؤخرا في ولاية بجاية كنموذج تجريبي لتقييم الإمكانات الاقتصادية، بهدف تحديد عدد الشركات العاملة في مجالات الصناعات الغذائية، الصناعات التحويلية، والقطاعات الداعمة للقطاع الفلاحي، حيث يسعى هذا المشروع إلى ضمان استقرار السوق وتلبية احتياجات المواطنين من مختلف المنتجات.
وشدد المتحدث على أهمية تعزيز التنسيق والتعاون بين الوزارات المعنية، مثل وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وزارة الفلاحة، التجارة، الصناعة والمالية، من أجل وضع خطة وطنية شاملة للأسواق والصناعات الغذائية والصناعات التحويلية، بهدف تحديد الاحتياجات الوطنية. وأكد أيضا، على ضرورة إنشاء قنوات توزيع ذكية مباشرة بين المنتج والمستهلك، بهدف القضاء على الوسطاء وضمان توزيع عادل.
وأكد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني في الختام، أن هذه الآليات تعد خطوة استراتيجية هامة نحو تحقيق الأمن الغذائي، كما تسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني. وأوضح أن الجزائر، بعد الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ستكون قادرة على التوجه الى التصدير، مما يعزز مكانتها الاقتصادية دوليا.