تضليل إعلامي فرنسي.. والقوات الاستعمارية السابقة فاقمت الأوضاع الأمنية
رفض السياسة الخارجية الفرنسية تجاه إفريقيا عميق ووصل إلى نقطة اللارجوع
»نعم.. لدينا كراهية للفرنسيين إذا لم يغيروا الطريقة التي يمارسون بها السياسة معنا»
تحقيق يكشف أن 80% من المشاركين أكدوا أن فرنسا ليست شريكا أمنيا موثوقا
كشف تحقيق حول موضوع الرفض الإفريقي للوجود الفرنسي في إفريقيا، أن السياسة الفرنسية تجاه القارة السمراء أدت إلى القطيعة وأكدت أن إعادة بناء العلاقات المتوازنة ستستغرق وقتًا طويلاً، ويتطلب الانفتاح والتشاور والحوار، في فرنسا، كما في أفريقيا، مع جميع أصحاب المصلحة. وهو ما لا تريد أن تفهمه فرنسا، بحسب التحقيق. فحتى عندما أراد الرئيس الفرنسي الحالي، في 2021 خلال قمة مونبوليي، إعادة إحياء العلاقات الإفريقية- الفرنسية، قام باختيار جمعيات المجتمع المدني التي رآها تناسبه وتناسب خطته ووضعها في المقدمة في محاولة مكشوفة لـ «التنويم»
خلص تحقيق أجراه مركز البحوث الدولي في العلوم السياسية، شمل 470 مشاركا عبر ست دول أفريقية ناطقة بالفرنسية، وهي البنين والكاميرون وكوت ديفوار والغابون والنيجر وتشاد، وجمعيات المجتمع المدني في تلك الدول والتي تربطها علاقات جيدة مع فرنسا، إلى أن رفض السياسة الخارجية الفرنسية تجاه إفريقيا عميق ووصل إلى نقطة اللارجوع.
إجماع أفريقـي..
وأشار التحقيق إلى أن الدرس الرئيسي المستفاد من هذا الاستطلاع، هو أن رفض السياسة الفرنسية في أفريقيا يشكّل إجماعا. ورغم بعض الفروقات في الإجابات، إلا أن السمة الطاغية هي انعدام الثقة العميق في فرنسا. ولم يكن ذلك نتيجة لأي سوء فهم للعمل الفرنسي الملموس في أفريقيا، بل نابع من قناعة ترسخت عبر عقود من الممارسات الفرنسية المعادية لمصالح مستعمراتها السابقة.
وأكدت الدراسة المطولة لمركز البحث الدولي في العلوم السياسية، بالشراكة مع حركة Tournons La Page، حول أسباب الرفض الإفريقي للتواجد الفرنسي، أن هناك إجماعا أفريقيا على رفض الوجود الفرنسي في القارة، وأن سبب هذا الرفض يعود بشكل رئيسي وأساسي إلى السياسات الفرنسية في إفريقيا، وما ادعاءات فرنسا بتدخل قوى من خارج القارة إلا تبرير لا يغطي ما اقترفته في حق الأفارقة.
«tournons la page...»
يذكر، أن «...tournons la page»، هي حركة دولية تجمع أكثر من 250 منظمة من منظمات المجتمع المدني الإفريقية والأوروبية، التي تهدف إلى تعزيز التغيير الديمقراطي والحكم الرشيد، وهي تجمع اليوم تحالفات في 15 دولة أفريقية.
وأسفرت الدراسة، التي جاءت في شكل تحقيق موسع شمل العديد من الأفراد وجمعيات المجتمع المدني، الذين تربطهم علاقات مع فرنسا أيضا، عن امتعاضهم من الوجود الفرنسي بسياساته التي لا تراعي مصالح الدول الإفريقية في قطاعات الصحة والتعليم والثقافة والدفاع وحقوق الإنسان، وتعزيز الإدارة، الزراعة، الأمن، الاقتصاد ومكافحة الفساد.
وجاءت نتائج الاستطلاع، الذي شمل مئات المستجوبين، سلبية، ما يؤكد عدم شفافية وفعالية السياسة الفرنسية تجاه تلك الدول الإفريقية.
تضليل إعلامي.. ووصمة عار
كما أكد المستطلَعون أن فرنسا تجند وسائل الإعلام لديها لنشر أخبار ومعلومات مشوهة ضد الأفارقة، في محاولة لإبقاء الاهتمام على نفسها وأنها تتدخل كثيرا في سياستهم وحياتهم، لذلك فمن حقهم الاستياء من الوضع. واعتبروا أن الأخبار المزيفة تعكس «وصمة عار» وتمثل استراتيجية واضحة للتضليل من جانب وسائل الإعلام الفرنسية.. لذلك «من الطبيعي أن تتحدث وسائل الإعلام بهذه الطريقة، حيث يعلم الجميع أن الفرنسيين يكذبون عبر وسائل إعلامهم، وأنهم لا يقولون الحقيقة أبدًا بشأن أفعالهم على الأرض، ولهذا السبب يتحدثون عن المشاعر المعادية لفرنسا».
رفـض تاريخــي..
في كوت ديفوار، أكد مشاركون في الاستطلاع بالقول: «نعم، لدينا كراهية للفرنسيين. إذا لم يغيّروا الطريقة التي يمارسون بها السياسة معنا، فلن نحملهم في قلوبنا أبدًا».
بينما أظهرت ورشات العمل التي نصبت في الدول الست المعنية بالتحقيق، العمق التاريخي لرفض السياسة الفرنسية في أفريقيا. وترسخ هذا الرفض لسياسة فرنسا في التاريخ وفي الحقائق الدقيقة، وأن هذا الرفض لا يمس الشعب الفرنسي بأي حال.
وعبر المشاركون في الورشات عن غضبهم واستنكارهم ورفضهم اليوم لتلك السياسات التي وضعت قبل الاستقلال والتي من خلالها أخذوا قادة تلك الدول في ذلك الوقت، ليوقعوا عقودا مختلفة ضد المستعمرات، معتبرين أن «انتقاد فرنسا هو جزء من منطق جماعي وسياسي ونظامي ورفض لنظام مفروض، لا تكفي الخطابات السياسية لمحو تاريخه وآثاره في الحاضر».
رفض عميق وكامن للفرنسيين
وفي الكاميرون أظهرت الشهادات، أن رفض سياسة فرنسا الإفريقية يرتكز قبل كل شيء على حقائق معاصرة للغاية. وكشف التحقيق، أن حتى الدول الأقل عداءً للسياسة الفرنسية في القارة، على غرار الغابون، تتأثر أيضًا بالرفض العميق والكامن، حيث تؤكد شهادات منها أنه: «يجب القول إن المشاعر المعادية لفرنسا قوية جدًا في الغابون، لكنها كامنة، وهذا يعني أنه لم يكن هناك سوى القليل، ولم يكن هناك الكثير من التعبير، لكنه كان كامنًا، لأنه في العقلية الغابونية، يقول الناس لأنفسهم إن فرنسا هي التي ترتكب الاحتيال.
وفي النيجر، يرفض المستجوبون الوجود الفرنسي، لأنه، بحسب تجربتهم مع الوجود الفرنسي، لم يساهم تدخلها العسكري في حل أي نزاع، بل على العكس من ذلك فاقم الأمور أكثر، متسائلين عن سبب هذا الوجود إن كان لحمايتهم، أم لجهلهم ينهارون، وكيف لقوة دولية مثل فرنسا أن تتواجد في بلدهم ولم تستطع القضاء على مجموعات «مجرمين» سيطروا على الأرض لمدة عشر سنوات. وذهب بعضهم إلى تفسير ذلك بوجود أجندة خفية بين فرنسا والإرهابيين هناك، بل إنها تدعمهم من أجل نشر الفوضى، في حين تستأثر هي بالثروات، وهذا الدعم هو ما يفسر امتلاك تلك الجماعات الإرهابية للأسلحة المتطورة، التي تتجاوز قدراتهم.
في هذا السياق، أسفر التحقيق عن أن 80٪ من المشاركين أكدوا أن فرنسا ليست شريكا أمنيا موثوقا.
«الإليزيه لديه مشكلة مع الأفارقة»
وأجمع الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في الاستطلاع، على رفض عبارة «المشاعر المعادية لفرنسا» التي تروج لها وسائل الإعلام الفرنسية. وأكدوا أنه من الضروري التمييز الواضح بين انتقاد الدولة أو صنّاع القرار الفرنسيين والعلاقة مع المواطنين الفرنسيين، وقالوا: «نحن لسنا ضد فرنسا والدليل هو أن هناك الكثير من الفرنسيين في كوت ديفوار ونحن أيضا في بلدهم، لذا نحن فقط ندين تدخلهم الزائد في سياستنا، لأننا وطنيون.. ما لا يريدون أن يحدث لهم في بلادهم، يجب ألا يأتوا ويفعلونه بنا.. هذا كل شيء.. لا يوجد حتى شعور مناهض لفرنسا، بل هو شعور مناهض لفرنسا- إفريقيا، الذي قامت بتطويره منذ سنوات عديدة؛ إنه شعور ضد سياسة فرنسا غير الصحية في أفريقيا، بحسب مشاركين من تشاد.
وعبر آخرون عن أن الشعور هو في جوهره، انتقاد للنظام السياسي الفرنسي، المنفصل عن المواطنين. والمشكلة هنا هي السياسة الفرنسية وهي عبارة عن حفنة من الأشخاص قاموا ببلورة عدد معين من المصالح التي يحافظون عليها ويدافعون عنها، وهم الذين يؤذوننا، وبالتالي فإن «الإليزيه هو الذي لديه مشكلة مع الأفارقة».
وأبعد من ذلك تطرق الأشخاص في التحقيق، إلى مشاعر العداء التي يظهرها موظفو النظام في فرنسا، والتي تظهر في الاعتداءات المتكررة على الأفارقة من ذوي البشرة السمراء هناك في فرنسا، سيما مع تحقيق اليمين بعض الصعود، والمعروف بمعاداة الأجانب، بينما لم يحدث قط في دول أفريقية الاعتداء على أشخاص فرنسيين والذين يتواجدون بكثرة هناك.