تصفيـة الاستعمـار.. المبــدأ الـذي يهزّ فرنسا الاستعماريـة فـي يقظتهـا ونومهــا
يرى العديد من المحللين أن فرنسا تعيش حالة من التيه السياسي، متخبطة في مواقفها بشأن قضايا دولية مهمة، مثل النزاع في الصحراء الغربية. هذا الملف تحديدًا يظهر تناقضاتها الصارخة؛ إذ تدّعي باريس دعمها لتصفية الاستعمار تحت مظلة الأمم المتحدة، لكنها في الوقت ذاته تعمل على تعزيز مقترح الحكم الذاتي المزعوم، وهو ما تعتبره الجزائر تجاوزًا واضحًا للشرعية الدولية ومحاولة لاستدامة الأزمات بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
يوضح أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في الدراسات الأمنية الدكتور محمد بوخاري، في تصريح لـ «الشعب»، أن السياسات الفرنسية تجاه الصحراء الغربية تكشف عن نوايا استعمارية غير مباشرة، تهدف إلى إطالة أمد الصراع بما يخدم مصالحها الخاصة في المنطقة. ويشير بوخاري، إلى أن الجزائر، على عكس باريس، كانت ثابتة في موقفها القائم على الشرعية الدولية واحترام سيادة الشعوب.
ويضيف بوخاري، أن فرنسا لم تتخلَّ يومًا عن استخدام أدواتها السياسية والدبلوماسية لتعزيز النفوذ الاستعماري بطريقة غير مباشرة. فمن جهة، تدّعي أنها تتبنى خطابًا داعمًا للمسار الأممي واحترام الشرعية الدولية في الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى تعمل على هندسة مقترحات مثل الحكم الذاتي خارج الشرعية الدولية، الذي يعزز نفوذ النظام المخزني المغربي المحتل لإقليم الصحراء الغربية.
في نفس السياق، أوضح بوخاري أن الجزائر تُدرك أبعاد هذا التناقض والتلاعبات، وهو ما يجعل موقفها أكثر وضوحًا واستقرارًا. فالجزائر ليست ضد فرنسا كدولة أو مواقفها السيادية، ولكنها ترفض التدخلات الأجنبية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما أن الجزائر تعي جيدًا أن السياسات الفرنسية فقدت الكثير من تأثيرها ونفوذها وهو ما يدفع باريس إلى محاولة إيجاد منافذ جديدة لفرض أجنداتها، وهو أمر ترفضه الجزائر تمامًا.
علاقات قائمة على الاحترام المتبادل
علاوة على ذلك، يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري، في تصريح لـ «الشعب»، أن الجزائر اليوم هي دولة مختلفة تمامًا عن الماضي، فهي تُصر على بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، دون أي هيمنة أو فرض شروط مسبقة.
ويشير الدكتور منصوري، إلى أن تحسين العلاقات يتطلب معالجة ملفات حساسة وشائكة، من أبرزها قضايا الذاكرة المرتبطة بالحقبة الاستعمارية، بما في ذلك الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر خلال فترة الاحتلال والتعويض عنها. علاوة على ذلك، تبقى قضية التجارب النووية في الصحراء الجزائرية واحدة من النقاط الرئيسية التي تطالب الجزائر بحلها، مع تحميل باريس مسؤوليتها الكاملة عن الأضرار البيئية والإنسانية التي تسببت فيها، كما على باريس أن تتوقف عن زعزعة الاستقرار في المنطقة.
الجالية.. بين الحقوق والضغوط السياسية
ومن الملفات التي تعكس تعقيدات العلاقة بين البلدين، قضية الجالية الجزائرية في فرنسا، والتي أصبحت ورقة ضغط سياسي في يد بعض التيارات الفرنسية، لاسيما اليمين المتطرف. ويضيف الدكتور منصوري، أن هناك محاولات فرنسية لاستغلال الجالية الجزائرية عبر إجراءات تمييزية وغير قانونية، وهو ما قوبل برد جزائري حازم وواضح.
في هذا السياق، شددت الجزائر على ضرورة احترام الاتفاقيات الثنائية التي تنظم أوضاع الجالية، مع الابتعاد عن تسييس القضايا المتعلقة بها. كما أن الجزائر، بحسب منصوري، ترى أن هذه المحاولات لا تهدف فقط إلى التأثير على العلاقات الثنائية، بل تأتي في سياق محاولة باريس تخفيف الضغط عن أزماتها السياسية والاقتصادية الداخلية المتفاقمة.