الخبـير الباحــث في مجال الأمن الغذائـي رشيـد عنان لـ «الشعـب»:

إياتيـاف..بوّابـة الاكتفـاء الذّاتـي والتنميـة القارية

زهراء بن دحمان

 أكّد الخبير الباحث في تقييم السياسات العمومية في مجال الأمن الغذائي والاقتصاد البحري، الدكتور رشيد عنان، أن التظاهرة الاقتصادية التي تحتضنها الجزائر هذه الأيام، والمتمثلة في معرض التجارة البينية الإفريقية، تمثّل آلية محورية لتعزيز التبادل التجاري بين بلدان القارة، وفرصة عملية لتقييم شامل لحجم الطلبات والعروض المتاحة داخليا. وقال إنّ «هذا الحدث يتيح للدول الإفريقية الوقوف على قدراتها الحقيقية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، كما يفتح المجال أمام رفع مستوى المبادلات بما يسهم في تسريع النمو وتحقيق التنمية المشتركة».

 أضاف الخبير عنان في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الجزائر، من خلال تنظيمها لهذه التظاهرة، تستفيد من الاطلاع المباشر على جرد شامل للإمكانات القارية، فضلا عن عرض منتجاتها وخدماتها، في خطوة عملية لدعم صادراتها خارج قطاع المحروقات.
وأوضح عنان أنّ إفريقيا، رغم كونها القارة الأغنى بالثروات الطبيعية والبشرية، وأوّل مصدر عالمي للمواد الخام، إلا أنها ما تزال تعاني من مفارقة خطيرة، حيث تصدّر المواد الأولية وتعيد استيرادها في شكل منتجات محولة ذات قيمة مضافة عالية، وهو ما يزيد من فاتورة الواردات ويعمق التبعية للأسواق الخارجية، داعيا إلى تطوير الصناعات التحويلية داخل القارة لتقليص هذه الفجوة.
وأشار عنان إلى أنّ الأمن الغذائي يبقى التحدي الأكبر أمام إفريقيا، في ظل توقّعات بارتفاع عدد السكان إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050، مع استمرار معاناة أكثر من 280 مليون إفريقي من الجوع المزمن، في وقت تعتمد القارة بشكل واسع على استيراد الحبوب والأرز ومنتجات الألبان، متأثرة بتداعيات التغيرات المناخية والاضطرابات الأمنية.
ومع ذلك، أكّد الخبير عنان أن إفريقيا تمتلك أكبر نسبة من الأراضي الزراعية غير المستغلة عالميا، إضافة إلى ثروات مائية وبحرية هائلة وطاقات بشرية شابة، ما يجعلها قادرة على تحقيق تحول حقيقي في حال استغلال هذه الإمكانات.
واعتبر عنان أنّ عدة دول إفريقية تمثّل قاطرات للإنتاج الزراعي، على غرار الجزائر، جنوب إفريقيا، مصر والسودان، فضلا عن مصر وموريتانيا والسنغال في الثّروة السمكية، وتونس في الصناعات الغذائية. أما الجزائر - يؤكّد عنان - فقد خطت خطوات ملموسة في السنوات الأخيرة، سواء في مجال الصناعات الغذائية أو عبر موقعها الاستراتيجي في الصناعات الكيماوية، خاصة الأسمدة والمدخلات الزراعية، ما يؤهّلها لتكون حلقة رئيسية في سلاسل القيمة للأمن الغذائي القاري.
كما تمتلك الجزائر خبرة نوعية في مجالات الزراعات الصحراوية، استصلاح الأراضي، تحلية مياه البحر، بناء السدود وتسيير الموارد المائية في ظروف الجفاف، إضافة إلى ريادتها في الأنظمة المدمجة التي تدمج الزراعة بالاستزراع السمكي وتربية الحيوانات، ضمن مقاربة اقتصادية وبيئية متكاملة.
وأكّد عنان أنّ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf) تعد أداة أساسية لدعم التكامل الزراعي والتجاري، خصوصا إذا ارتبطت بتطوير الممرّات الزراعية، الاستثمار في أنظمة الري الحديثة والتكنولوجيا الزراعية، وإنشاء مخازن استراتيجية، كما يمثّل الاقتصاد الأزرق من خلال الاستزراع السمكي والصيد البحري المستدام، رافعة إضافية لتعزيز السيادة الغذائية، وتقليص التبعية للأسواق الخارجية مثلما قال.
وشدّد الخبير عنان على ضرورة تبني مجموعة من الخطوات العملية، لتجسيد خارطة طريق نحو السيادة الغذائية، أبرزها إعداد جرد شامل وشفاف للثروات والمقدرات الإفريقية، تشجيع التجارة البينية في التصدير والاستيراد، تفعيل اتفاقيات التبادل الحر على أرض الواقع، وضع خطة متوسطة المدى بآفاق 2050 لتقليص تصدير المواد الخام، دفع البنك الإفريقي للتنمية لدعم الاستثمارات في الصناعات التحويلية، تشجيع التبادل التجاري بالعملات المحلية لتعزيز استقلالية القرار الاقتصادي.
وأكّد الخبير عنان أنّه بالرغم من جسامة التحديات، فإنّ إفريقيا تملك كل المقوّمات لتحقيق اكتفائها الذاتي الغذائي والاقتصادي، إذا أحسنت استغلال مواردها وعمّقت التعاون بين دولها، وهو ما يفتح المجال لبناء منظومة أكثر صمودا واستدامة تخدم شعوب القارة، مضيفا أنّ القارة السمراء يمكن أن تعيد رسم مستقبلها الغذائي إذا اختارت التعاون والتكامل بدل التبعية، والجزائر تثبت اليوم أنّها قادرة على لعب دور محوري في هذا التحول التاريخي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025
العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025