أطـراف فرنسيـة حاقدة تعمـل على شيطنة الجمهوريـة الصحراويـــة
الجزائر كافحت لأجل بناء وحدة إفريقية..والدول الإفريقيــة قطعت يــد فرنسا
أطلق اليمين الفرنسي المتطرّف حملة تشويه ضد الجزائر، متهماً إياها بالتورّط في تصعيد التوتّر بين البلدين غداة رفض السلطات الجزائرية بكل سيادة استقبال مواطن جزائري طُرد تعسفياً من الأراضي الفرنسية، وهو ما أثار موجة من الانتقادات والمخاوف بشأن حقوق الرعايا الاجانب بفرنسا.
اليمين الفرنسي المتطرّف المعروف بمواقفه العدائية وخطابه المبني على الكراهية، رأى في طرد مواطن جزائري عاش في فرنسا 36 عاماً، فرصة لاستهداف الجزائر، ومحاولة لاستعادة ذاكرة تاريخية مؤلمة. هذا التوجّه الأرعن، يعكس نية مبيّتة في تصعيد التوترات بدل الاستثمار في الأمور المشتركة من أجل التهدئة أو البحث عن حلول توافقية قائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل.
وأضاف المتحدث “هذا الأمر تكرّر في خطابات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي أكّد أن الجزائر سيّدة في قراراتها غير المرهونة بأي من الجهات أو الدول، بل هي نابعة من صميم الدولة الجزائرية”.
خلفيات سعار اليمين المتطرّف
تطرّق المحلّل السياسي الدكتور رائد ناجي في معرض حديثه لـ “الشعب” عن جملة الأسباب التي أثارت حفيظة اليمين الفرنسي المتطرّف، مسلطاً الضوء على دوافع ما أسماه “سُعار” الأحزاب ووسائل الإعلام الفرنسية ضد بلادنا، معتبراً أن مراجعة الجزائر للاتفاقيات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي تضمّنت امتيازات جمركية كبيرة لدول الاتحاد على حساب الجزائر، من بين أهم الأسباب التي أخلطت أوراق كثيرة وأثارت الحفيظة الفرنسية.
وتابع المتحدث قائلاً إن الاقتصاد الفرنسي في تدهور كبير جداً نتيجة مكانة فرنسا في افريقيا وتخلص الكثير من الدول الإفريقية من “التعويذة الفرنسية” التي كانت تجتاحها، مشيراً الى وجود ثورة شبابية افريقية ترفض الوجود الفرنسي، كل هذه التطورات ـ يضيف قائلاً- جعلت فرنسا تتداعى اقتصادياً لتحتل مراتب متقدمة في قائمة الدول الأكثر مديونية في العالم.
مواقف ثابتة من ملفي الذاكرة والسيادة
واستطرد قائلاً إن فرنسا كانت ترى في الجزائر الملاذ والخلاص لاقتصادها المتداعي، وهو ما لم يُتَح لها بسبب انتهاج الجزائر لسياسة التعامل بالندية مع الجانب الفرنسي، ما جعل اليمين المتطرّف الى جانب أحزاب أخرى تتطاول على الجزائر بإثارتها لقضايا حساسة من قَبيل المهاجرين الجزائريين وغيرها.
وأشاد المحلل السياسي الدكتور ناجي بافتتاحية مجلة الجيش في عددها الأخير، والتي تحدّثت بشكل واضح وبلغة رصينة ورزينة وقوية عن هذه القضية، هذا الأمر جعل اللوبي المتطرّف في فرنسا يصعدّ من أحقاده ونعراته تجاه الجزائر. وذكر أن الجزائر التزمت بالعقلانية في ردّها على الاستفزازات الفرنسية، محافظةً على ثوابتها وعلى سيادة الدولة وحرية قراراتها التي لم تتراخ على الإطلاق.
وكشف المتحدّث على أن اليمين الفرنسي المتطرف قد حاول الاستفادة بشكل سيئ من حادثة طرد مواطن فرنسي من أصول جزائرية بعد توقيفه وإصدار قرار بترحيله إلى الجزائر، وهو ما قوبل بالرفض من طرف السلطات الجزائرية.
وعلّل محدّثنا أسباب هذا الرفض بإخلال الطرف الفرنسي ببنود الاتفاقية الموقعة بتاريخ 24 ماي 1974، وتجاهل السلطات الفرنسية لسيادة الجزائر عندما لم تر ضرورة في إبلاغ الجزائر بقرار توقيفه ولا احتجازه ولا ترحيله، كما أن الطرف الفرنسي –يضيف محدّثنا- لم يتجاوب مع الطلب الجزائري القاضي بضمان الحماية القنصلية لفائدة مواطن جزائري، وهو ما خالفته السلطات الفرنسية.
كما أن القرارات المتخذة في حق الرعية الجزائرية تضمّنت تجاوزات وخروقات للحقوق المكتسبة من قبل المواطن الجزائري على الأراضي الفرنسية، مشيداً بالرد الجزائري الذي كان قانونياً وسلساً، وهو ما أحبط كل حملات التحريض ضد الجزائر والزج بها في مستنقع التحامل الفرنسي.
تحدّث ناجي بإسهاب عن الحملة التحريضية الفرنسية ضد الجزائر، “وأسبابها كثيرة جداً، مختلطة ومتشابكة في آنٍ واحد، منها أسباب سياسية وأمنية واقتصادية تصب كلها في بوتقة واحدة”.
وقال ناجي إن فرنسا باتت تحس بأن الجزائر أظهرت وبيّنت سيادتها المستقلة وبأنها صاحبة قرارات حرة ترجمتها الى أفعال على أرض الواقع، وهذا الامر ـ بحسبه- قد أزعج فرنسا لأنها كانت تعتقد بأن لها اليد الطولى في الجزائر، لكن التاريخ والواقع، بيّنا أن الجزائر مستقلة وأن لا يد لفرنسا فيها، وهذا الأمر أربك القرار الفرنسي.
انحصار التأثير الفرنسي في إفريقيا
ويرى ناجي أن السبب الثاني فيما أسماه “سُعار اليمين الفرنسي المتطرف تجاه الجزائر”، هو النجاحات الاقتصادية الجزائرية، واستقلالها السيادي والأمني وقوتها العسكرية المتنامية التي أربكت فرنسا الرافضة على مرِّ التاريخ وجود قوة إقليمية متنامية في الضفة الجنوبية للمتوسط.
ولَفتَ إلى أن تمسّك الجزائر بملف الذاكرة وعدم خضوعها للمساومات الفرنسية في هذا الشأن، يعدُّ مبررا آخر لتحامل اليمين الفرنسي المتطرف على الجزائر، إذ أن فرنسا أرادت أن تذهب لمساومة الجزائر للتنازل عن الذاكرة باستخدام ورقة التأشيرات وغيرها من أساليب الترغيب، وهو ما رفضته الجزائر على لسان الرئيس تبون الذي أكّد على أن الجزائر لن تتخلى عن هذا الملف.
وأضاف المتحدث قائلاً إن تنوع شركاء الجزائر في المجال الاقتصادي أزاح فرنسا من مقدمة الفاعلين الاقتصاديين في الجزائر، وأبعدها عن المشهد الاقتصادي الوطني لصالح دول عربية وأوروبية وأخرى تكنّ الاحترام للجزائر والجزائريين، هذا الأمر أشعر فرنسا بأنها باتت بعيدة كل البعد عن الجزائر وأن هذه الأخيرة نأت بنفسها عن سياسات الإليزيه، وهي مسألة أخرى أثارت حفيظة اليمين الفرنسي المتطرّف.
ولم يغفل الإشارة إلى أن “الجزائر ناضلت داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، وكافحت لأجل بناء وحدة إفريقية وإحداث تنمية اقتصادية بعيداً عن التدخلات الأجنبية، وقد نجحت في ذلك بدليل أن الكثير من الدول الإفريقية قد “قطعت يد فرنسا” -بحسب وصفه-، كما تتوجه دول غرب إفريقيا التي تتعامل بالفرنك الإفريقي الذي يُطبع في فرنسا، إلى تعليق التعامل بهذه العملة آفاق 2027”، كل هذا المؤشرات –بحسب المتحدّث- سيكون لها أثر سيء جداً على الاقتصاد الفرنسي بشكل أو بآخر.
وذهب ناجي إلى اعتبار كبح محاولات فرنسا العابثة في دول الساحل، سببا لتطاولها على الجزائر، مؤكداً بأن تنامي وجود الجزائر في القارة الإفريقية ونجاح مقاربتها الأمنية، بالموازاة مع فقدانها الكثير من مناطق النفوذ في القارة التي لطالما اعتبرتها إرثا تاريخياً له، قد أزعج فرنسا.
وفي معرض حديثه لـ “الشعب”، أكّد المحلل السياسي، الدكتور رائد ناجي، أن من بين أسباب تكشّف الأحقاد الفرنسية الدفينة ضد الجزائر، هو نجاحها في تحقيق الكثير من المقاربات إزاء القضايا الإفريقية والعربية والدولية، بما فيها وقوف الجزائر مع لبنان، ونصرتها لفلسطين في مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية، الى جانب النجاحات التي حقّقتها الجزائر كقوة دبلوماسية فاعلة إقليميا ودولياً، أشعر فرنسا ببعدها عن الساحة الدولية، وفقدانها لقوة التأثير العالمي بسبب الجزائر، الى جانب اعتبارات أخرى كثيرة جداً منها تقارب الجزائر مع دول أوروبية أخرى، ما أدى الى كسر شوكة فرنسا وقزّم من سطوتها المتعالية، وهو ما يبرّر الأحقاد الفرنسية ضد الجزائر التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك على قوّتها وسيادتها الاقتصادية والسياسية، وعودتها بقوّة لعمقها الافريقي.
فضلاً عن ذلك، اعتبر ناجي أن التغيّر المفاجئ في الموقف الفرنسي تجاه القضية الصحراوية، خاصة بعد نجاحها على مستوى المحاكم الاوروبية بقرار نهائي، والذي قضى بأن الاتفاق مع المغرب لا يشمل الصحراء الغربية المحتلة.
وكشف المتحدّث عن وجود ما أسماه “محاولات شيطنة” الجمهورية الصحراوية من طرف الإعلام الفرنسي، بل ذهبوا الى استغلال ورقة المدعو صنصال في هذا الاتجاه من خلال الزج به للحديث عن الحدود، “كل هذا الأمر جعل فرنسا تتلقى الصفعة تلو الأخرى”.
واختتم المحلل السياسي الدكتور رائد ناجي بالقول إن وضع مقارنة شاملة بين السياسة الخارجية لكل من الجزائر وفرنسا، ستكشف لنا عن وجود فارق كبير بين سياستي البلدين، وأن الدبلوماسية الجزائرية متفوقة جداً على نظيرتها الفرنسية، مستشهدا في ذلك بآراء كتاب ونخب من فرنسا ناقمين على سياسة ماكرون في إفريقيا إلى درجة أن ذهب البعض الى وصف الجمهورية الفرنسية بالنظام الديكتاتوري.