استهداف الجالية الجزائرية.. تصعيد يتجاوز القانون والأخلاق
في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعصف بفرنسا، يبدو أن الإدارة الفرنسية تسعى جاهدة لتصدير مشكلاتها الداخلية نحو الخارج، متخذة من الجالية الجزائرية هذه المرة هدفًا لضغوطها المتزايدة. هذه الأزمة التي تتجاوز آثارها الجانب المالي لتطال الثقة الشعبية في النظام السياسي، دفعت تيارات اليمين المتطرف إلى صدارة المشهد من جديد، متسلحة بخطابات الكراهية والرغبة في الانتقام التاريخي من الجزائر، ليأتي بيان الخارجية الجزائرية والذي أزاح الستار عن حملة تضليلية تقودها هذه التيارات، مستغلة القضايا الإنسانية لتمرير أجنداتها السياسية المكشوفة.
لا يمكن قراءة وفهم الحملة الفرنسية الممنهجة هذه الأيام ضد الجالية الجزائرية، بمعزل عن الواقع الداخلي المتأزم. فالعديد من التقارير الدولية تؤكد أن فرنسا اليوم، تقف على شفا أزمة مالية خانقة؛ مع ديونها التي تجاوزت 3000 مليار دولار، وإفلاس الشركات وصل إلى أرقام غير مسبوقة خلال العام الماضي.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة BPCE Observatoire، شهدت فرنسا في عام 2024 تسجيل 66.422 حالة إفلاس للشركات، وهو أعلى مستوى منذ عام 2009. هذه الأزمة الداخلية تترافق مع فقدان باريس لنفوذها في مستعمراتها السابقة، ما يعكس انحسارًا ملحوظًا في القدرة على التكيّف مع التحولات الدولية.
في هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور معيزي محمد في تصريح لـ «الشعب»، أن فشل الإدارة الفرنسية في معالجة هذه التحديات، دفعها إلى تبني خطابات متطرفة تستهدف الهجرة والجاليات الأجنبية، وعلى رأسها الجزائرية، كوسيلة لتصدير أزماتها وإخفاء عجزها.
هذا السلوك السياسي، كما يصفه معيزي، لا يعدو كونه محاولة لإعادة إنتاج خطاب هيمنة تجاوزه الزمن، في محاولة لتوحيد صفوف الداخل الفرنسي حول عدو وهمي.
وفي سياق الموضوع، كشف بيان وزارة الخارجية تفاصيل مؤلمة عن حادثة طرد مواطن جزائري بطريقة تعسفية غير مقبولة، قضى أكثر من ثلاثة عقود في فرنسا، في خرق صارخ للقوانين والمعايير الإنسانية والتي يكفلها الدستور الفرنسي نفسه. المواطن الجزائري، الذي يحمل إقامة دائمة منذ 15 عامًا، ومندمج اجتماعيًا ومهنيا، كان ضحية قرار تعسفي لم يراعِ أبسط حقوق الإنسان.
وما يثير الانتباه أكثر في هذه القضية، ليس فقط التجاوزات القانونية الواضحة، ولكن أيضًا توقيت الحملة. فمن خلال هذا الطرح، تحاول الحكومة الفرنسية توجيه رسائل ضمنية تعكس أيديولوجية يمينية متطرفة تحنّ إلى ماضٍ استعماري، في ظل انحسار هيمنتها على المشهد الأفريقي والدولي.
موقف متزن ومبدئي
وعلى الرغم من الاستفزازات المتكررة من الجانب الفرنسي، بدءاً بخطاب الرئيس ماكرون، وصولا إلى التصريحات غير المسؤولة لوزير الداخلية، أبدت الجزائر تمسكًا بثوابتها الدبلوماسية المعروفة عنها. والبيان الصادر عن الخارجية أظهر حرصًا على الحفاظ على العلاقات الثنائية، مع تأكيد رفضها القاطع للخضوع لمنطق التصعيد أو المزايدة السياسية.
كما بينت الخارجية الخروقات القانونية الكبيرة وغير المسؤولة التي وقع فيها الطرف الفرنسي وعدم احترام الاتفاقيات القنصلية الموقعة بين البلدين، وهي الأساس القانوني الذي يضبط الجالية في الدولتين، وهو ما يعكسه الموقف الجزائري المتوازن والذي يستند إلى احترام القوانين الدولية، وحماية حقوق المواطنين والدفاع عن سيادتها.
ويرى العديد من المتابعين، بأن الحملة الفرنسية ضد الجالية الجزائرية ليست سوى انعكاسا لأزمة أكبر تضرب فرنسا في عمق نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذه الحملات، التي تتغذى على خطاب الكراهية والانتقام والإسلاموفوبيا، لا تجعلها تخاطر بعلاقاتها مع الدول القريبة فقط جنوب المتوسط، بل أيضًا بمصداقيتها كدولة تدّعي احترام حقوق الإنسان، بينما تُظهر سياساتها عكس ذلك.