مع تقلبات الأسواق العالميـة وتهديدات التغـيرات المناخية

هـذه مقاربـة تنويـع سلّـة غــذاء الجزائريــين..

زهراء ب.

الإنتـاج الوطني يغطي الاحتيـاجات الغذائية بنسبة 75 بالمائـة

اعتمدت الجزائر مقاربة تشاركية متعددة القطاعات لتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، وسط تقلبات تشهدها الأسواق العالمية منذ جائحة كورونا، ويتوقع أن تزداد حدة التقلبات في السنوات القادمة، بسبب تغير المناخ والصراعات الجيوسياسية التي أثرت على البلدان المصدرة والمستوردة من حيث توفير المدخلات الضرورية للإنتاج الزراعي والمواد الغذائية الأساسية خاصة الحبوب.

تعاقب هذه الأزمات، دفع الجزائر، منذ تولي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى وضع رؤية محكمة لتحسين قدرة البلاد على الصمود، وإيجاد حلول مبتكرة لتأمين غذاء الجزائريين، ترتكز على العلوم والتكنولوجيا، وكذا تثمين المعارف، لذلك اعتمدت الجزائر - بتوجيهات من الرئيس تبون - مقاربة تشاركية متعددة القطاعات لتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030.
تشمل استراتيجية الجزائر لتعزيز الأمن الغذائي تجسيد المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية الحبوب والبقول والبذور الزيتية ومحاصيل السكر والحليب، بهدف زيادة الإنتاج والإنتاجية، وتلبية الاحتياجات الوطنية، إضافة إلى تقليص الواردات ورفع نسبة مساهمة القطاع الفلاحي في الصادرات خارج المحروقات، وتعزيز قدرات تخزين الحبوب.
وحدّد رئيس الجمهورية، بالنسبة لشعبة الحبوب، لبلوغ هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب عام 2025، ومن الشعير والذرة الحبية عام 2026، وذلك من خلال توسيع المساحات المخصصة لزراعة الذرة الحبية وعباد الشمس والبقوليات انطلاقا من الموسم الفلاحي الحالي.
وتنفيذا لالتزامات الرئيس، تم توقيع عقود التزام ممضاة من طرف الفاعلين المحليين مع الإدارة المركزية للقطاع، تم بموجبها تخصيص مساحة إجمالية مقدرة بـ3.069 مليون هكتار منها 1.643 مليون هكتار لزراعة القمح الصلب و1.17 مليون هكتار لزراعة الشعير وباقي المساحة ستخصص لإنتاج القمح اللين، كما تم توفير 4.2 مليون قنطار من البذور المعتمدة وزعت لأول مرة بحسب خصوصيات كل ولاية وطبيعة أراضيها الفلاحية، وأكثر من 3.5 مليون قنطار من الأسمدة.
وتسعى وزارة الفلاحة، في الموسم الجديد إلى إنتاج 1.645 مليون طن من القمح الصلب، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وتحقيقا لالتزامه بتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة، وعدم اللجوء لاستيرادها ابتداء من 2025.
ولتجسيد هذه الأهداف ميدانيا، نظمت أربع ورشات عمل لدراسة مواضيع أساسية تتعلق بإنجاح حملة الحرث والبذر لموسم 2024-2025، خصصت الأولى للتمويل والتأمين، والثانية لتجنيد البذور والأسمدة، والثالثة للدعم التقني، والرابعة للسقي، شارك فيها كل الفاعلين المعنيين والخبراء، وسمحت مخرجات هذه الورشات بوضع ورقة طريق عملياتية تهدف إلى تجنيد كل الوسائل المادية والبشرية ورفع كل العراقيل لإنجاح الموسم الفلاحي الجديد.

ترقية الاستثمار المحلي والأجنبي

اتجهت الجزائر منذ تولى الرئيس تبون سدة الحكم، إلى تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية المنتجة لرفع قدرات الإنتاج والإنتاجية للشعب الفلاحية الأكثر استهلاكا، وقد وضعت في هذا الصدد سياسة طموحة لترقية الاستثمار الفلاحي المحلي والأجنبي، عن طريق استصلاح مئات الآلاف من الهكتارات بولايات الجنوب، بهدف إنشاء أقطاب متكاملة متخصصة في إنتاج المنتجات الاستراتيجية ذات الاستهلاك الواسع (الحبوب والبذور الزيتية ومحاصيل السكر والبقوليات الغذائية والحليب والبذور)، مع ضمان الاستخدام الرشيد لموردي التربة والمياه.
وكرس قانون الاستثمار الصادر عام 2022، مبدأ رابح-رابح، مع تحديد القواعد التي تحكم الاستثمارات وحقوق والتزامات المستثمرين.
وإضافة إلى المشاريع المجسدة من طرف متعاملين وطنيين خواص وعموميين، تم في أثناء العام الجاري، إبرام اتفاقية شراكة مع الشركة القطرية “بلدنا” لإنشاء قطب متكامل لإنتاج مسحوق الحليب تتجاوز قيمته 3.5 مليار دولار، يمكن من توفير 50 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من مسحوق الحليب محلي الإنتاج، وأخرى مع الشريك الإيطالي “BF SPA” لإنشاء قطب لإنتاج الحبوب (القمح الصلب) والبقوليات، وهو ما يسمح بالاستفادة من التجربة والتكنولوجيا الأجنبية من أجل تحسين المردود في مجال الزراعات الإستراتيجية.
وتبدي عدة دول أخرى منها الصين، السعودية والهند، اهتماما بالاستثمار في القطاع الفلاحي بالجزائر، ستتوّج قريبا بتوقيع اتفاقيات شراكة تخدم المصالح المشتركة.
وتشمل استراتيجية تنمية القطاع الفلاحي بالجزائر أيضا برنامجا لتشجيع الزراعة العائلية التي تتميز بالتنوّع البيولوجي وخبرة الفلاحين والمربين والنساء الريفيات، لا سيما من خلال التثمين عن طريق علامات الجودة مثل علامة البيانات الجغرافية (IG) وعلامة المنشأ (AO) وعلامة الجودة الزراعية.. كل هذه البرامج التنموية تندرج في إطار التكيف مع تغير المناخ ومكافحة التصحّر والانجراف.

دعـم الفـلاحــين

نجاح قطاع الفلاحة في تغطية الاحتياجات الغذائية للجزائريين بنسبة 75 بالمائة، لم يكن وليد صدفة، بل كان ثمرة مجهودات بذلتها السلطات العليا للبلاد لدعم الفلاحين، عن طريق عدة آليات وبرامج، منها القروض الميسرة، العقار، الموارد المائية ومنح دعم الإنتاج والتخزين المحاصيل والتحويل.
ولقد أقر رئيس الجمهورية عدة تحفيزات للفلاحين خاصة منتجي الحبوب والبقول الجافة لتشجيع الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد بسواعد محلية، حيث تمت إعادة النظر في سعر شراء البقول الجافة من الفلاحين ورفعه إلى 20 ألف دينار للقنطار بدل 15 ألف دينار للقنطار، كما تم - في وقت سابق - رفع سعر شراء القمح والشعير إلى 6000 دينار جزائري للقنطار بالنسبة للقمح الصلب، و5000 دينار للقنطار من القمح اللين، و3400 دينار للقنطار من الشعير.
الجزائر الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية وذات أقاليم مناخية مختلفة وأنماط وأنظمة إنتاجية متعددة، فتحت الباب على مصراعيه للاستثمارات الكبرى في البنى التحتية من طرقات، وسكك حديدية، وصوامع التخزين، ومنشآت التبريد، وإنتاج الأسمدة، لتحسين أداء النظم الزراعية وضمان استدامتها، وتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات العالمية.
وفي هذا الصدد، تم إطلاق برنامج واسع لرفع طاقات تخزين الحبوب إلى 9 مليون طن، بهدف تكوين مخزون استراتيجي أمني، وضبط طويل المدى، من أجل تغطية الاحتياجات الوطنية من القمح الصلب واللّين، يشمل بناء 350 مركزا  جواريا للتخزين، و30 صومعة استراتيجية جديدة، و16 صومعة معدنية، موزعة عبر 52 ولاية.
السياسة الجزائرية الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي الذي يشكل واحدا من المحاور الرئيسية في برنامج رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مكنت، في السنوات الأربع الأخيرة، من تحقيق “الاستقرار الغذائي” وفق مختصين، كما صنفت تقارير أممية الجزائر ضمن البلدان المتقدمة التي تقل فيها نسبة الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية عن 2.5 بالمائة من العدد الإجمالي للسكان، وتساهم الجزائر كعضو في المنظومة الدولية بقدر هام في محاربة كافة أشكال الفقر وسوء التغذية من خلال السياسات الفلاحية والريفية التي تنتهجها، حرصا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19567

العدد 19567

الأربعاء 16 أكتوير 2024
العدد 19596

العدد 19596

الثلاثاء 15 أكتوير 2024
العدد 19595

العدد 19595

الإثنين 14 أكتوير 2024
العدد 19594

العدد 19594

الأحد 13 أكتوير 2024