تحظى بمتابعـة شخصية ودقيقة مـن الرّئيـس تبـون

الجزائـر الرّقميــة.. إجـراءات مدروسـة لتحوّل آمن ومستدام

زهراء - ب

إرساء مبــادئ الشّفافيـة في التّسيير والمسـاواة في الحصول على المعلومــة

 يحظى مشروع التّحوّل الرقمي بمتابعة شخصية ودقيقة من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ويتجلّى ذلك في تخصيص مساحة زمنية مهمّة في مجالس الوزراء المنعقدة أسبوعيا، لعرض التقارير المرحلية لمشروع الرقمنة التي تقوم بها كل القطاعات الوزارية، وتشرف عليها المحافظة السامية للرقمنة التي كلّفت منذ إنشائها من طرف الرئيس تبون، بقيادة ومتابعة وتقييم المشاريع الاستراتيجية للتحول الرقمي، وتحقيق ذلك في الآجال المحددة للخروج من “ضبابية” العهد القديم إلى الشفافية.

 عملت المحافظة السامية للرقمنة منذ إنشائها على وضع اللبنات الأساسية لتسريع وضع تحول رقمي ناجح في البلاد، وانطلقت في ثلاثة مشاريع أساسية هي الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، وضع البنية الأساسية المتمثلة في المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية “داتا سنتر”، وإعداد القانون الخاص بالرقمنة.
بالنسبة لاستراتيجية التحول الرقمي تمّ الانتهاء من إعدادها، بدأ تصميمها على مستوى وزارة الاحصائيات في جوان 2023، واستكملت على مستوى المحافظة السامية للرقمنة، ومرّت عبر عدة مراحل من بينها مرحلة تجميع المعلومات حول مدى تقدم مشاريع الرقمنة على مستوى القطاعات، تحديد مستوى الرقمنة في الجزائر، تحديد المكاسب والثغرات الموجودة، وفي نوفمبر 2023 تم عرض نظرة الجزائر الرقمية في مجلس الوزراء، وقد ثمّنها رئيس الجمهورية.النّسخة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للتّحوّل الرقمي تمّ عرضها في جانفي 2024، وفي كل مرة كان يتم إثراؤها لترسل النسخة الأخيرة إلى مصالح رئاسة الجمهورية في 28 ماي 2024، وتمّ المصادقة عليها في مجلس الوزراء المنعقد شهر أوت الماضي، ليكون للجزائر لأول مرة في تاريخها استراتيجية وطنية للتحول الرقمي، ستكون وثيقة مرجعية تنظم مسار التحول الرقمي في الجزائر.

”داتا سنتر”..”القلب النابض” ولبنة التحول الرقمي

 يعد مشروع مركز البيانات الوطني للخدمات الرقمية “داتا سانتر” أحد لبنات التحول الرقمي في الجزائر، بل خطوة مهمة نحو تحقيق التحول الرقمي، من خلال تحسين تقديم الخدمات وتعزيز الأمن السيبراني، إذ يساهم هذا المشروع في بناء مستقبل رقمي مستدام ويدعم الاقتصاد الوطني، وعلى هذا الأساس يحرص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على استكمال المشروع في آجاله لأنه يعد أحد المقومات الأساسية للتطور التكنولوجي وتحسين أداء وكفاءة الخدمات الحكومية وتعزيز الأمن السيبراني.ويتوافق المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية “داتا سانتر” مع محاور الاستراتيجية الوطنية للتّحوّل الرقمي، وقد قامت المحافظة السامية للرقمنة بعدة خطوات مدروسة للانطلاق في إنجازه، وتعزيز بذلك البنية التحتية الرقمية في الجزائر، إذ يعد “مشروع ضخم” خصّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون باهتمام بالغ، وقد أعطى تعليمات في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 14 نوفمبر 2023، للانطلاق في إنجاز المركز بالشراكة مع شركة “هواوي” الصينية نظرا لخبرتها وتجربتها في الكثير من البلدان، وقد تمّ الامضاء مباشرة بعد تعليمات رئيس الجمهورية على صفقة إنجاز المشروع في شهر أفريل المنصرم مع العملاق التكنولوجي “هواوي”.
يوصف هذا المشروع الاستراتيجي الضخم جدّا، بـ “القلب النابض” للتحول الرقمي في الجزائر، إذ لم ينحصر في البنية التحتية فقط، بل تعدّاه إلى وضع النظام المعلوماتي الوطني الذي يتكون من قاعدة بيانات وطنية، تضم الخدمات العمومية، الأشخاص والأشخاص المعنويين، وكذا المنصة الوطنية للتشغيل البيني التي تعد “حجر الأساس” من أجل تبادل المعلومات بين القطاعات، وتحقيق التوافق البيني بين الأنظمة المعلوماتية القطاعية مثلما قالت الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة مريم بن ميلود في تصريحات إعلامية سابقة.وشدّدت في هذا السياق على ضرورة وضع هذه البنية لأن الكثير من القطاعات سجّلت تقدما في مجال الرقمنة، لكن على مستواها فقط ولم يكن فيه ربط بيني، لذلك ينبغي تحقيق ربط بين البيانات المختلفة للقطاعات من أجل مشاركة المعلومات لنصل إلى التوافقية بين القطاعات، وهذا ما سيعطي قيمة للمعطيات والبيانات، فبقاء البيانات على مستوى القطاع مثلما ذكرت يستجيب لاحتياجات القطاع فقط، ولكن لما تكون توافقية بين القطاعات وتبادل للمعلومات سنعطي قيمة للبيانات، ويسهل اتخاذ القرارات لأن المعلومة لما تكون متاحة للمسؤولين يسهل عليهم اتخاذ القرارات المهمة، وترشيد السياسات بفضل دقة المعلومة وتبادلها.
وأشارت بن ميلود إلى أنّ العمل بهذه المنظومة سيسهّل اتخاذ القرارات وتسيير السياسيات العمومية، بشرط تبادل المعلومات بطريقة منظمة ومؤطّرة، لذلك يتم العمل في هذا المشروع الضخم على حوكمة البيانات لأول مرة في الجزائر، بتحديد طريقة تبادل المعلومات، الجهة المنظمة للمعلومة، والتي تشرف على تحيينها، وهذا ما تعمل عليه المحافظة السامية في ورشة كبيرة، وهو ما سينعكس على المواطن من خلال البوابة التفاعلية في المركز البيانات الوطني للخدمات الرقمية، التي ستتيح للمواطن ولوج موحّد لكل الخدمات، وقد برمج رقمنة 40 خدمة عمومية ضمن هذا المشروع، ينطلق العمل بـ 14 خدمة في البداية، والباقي في 12 شهرا، وهذا ينقص على المواطن أعباء التنقل، التكاليف، الازدحام، بمعنى ستكون انعكاسات إيجابية للمواطن والمؤسسة على حد سواء.مركز البيانات الجزائري للخدمات الرقمية الذي يجري إنجازه عبر مركزين الأول بالجزائر العاصمة، والثاني بولاية البليدة، سيحتضن أساسا المنصة الوطنية للتشغيل، قاعدة البيانات الوطنية، البوّابة الوطنية التفاعلية للخدمات الرقمية التي تحتضن 40 خدمة رقمية، مع ضمان حوكمة البيانات للوصول إلى حكومة رقمية، ولتحقيق هذه الحلول الاستراتيجية تمّ تنظيم أزيد من 175 ورشة بنهج تشاركي مع كل القطاعات والفاعلين.

التّحـوّل الرّقمـي فـي القطاعـات

 في هذا السياق، عرف مشروع الرقمنة في كل القطاعات “حركية كبيرة وإيجابية” بعد إنشاء المحافظة السامية للرقمنة، بفضل التوجيهات الرشيدة للرئيس الجمهورية، الذي أعطى أكثر حرية للمحافظة، وهذا ما سمح لها بتقييم مدى تقدم مشاريع القطاعات وتقييمها.
وزارة المالية، أملاك الدولة، الضرائب، الجمارك، الحالة المدنية، البنوك، كلها عملت جاهدة لاستكمال مشروع الرقمنة، وتعزيز التحول الرقمي للإدارة العمومية، من خلال إلغاء الطابع المادي للإجراءات الإدارية ورقمنة مختلف الخدمات ضمانا للمزيد من الشفافية والسرعة في معالجة الملفات وتحسين نوعية الخدمة العمومية، وسيمكن تعميم استعمال الرقم التعريفي الوطني الوحيد (NIN) من تسهيل كل الإجراءات الإدارية والمعاملات التي تقوم بها الهيئات العمومية، كما سيساعد في وضع الهوية الرقمية، إذ سيتم الدخول إلى البوابة الرقمية الوطنية باستخدام رقم التعريف الوطني، وسيكون من بين المعطيات الأساسية التي تحقق بها الرقمنة في الجزائر. وتواصل مختلف مؤسسات وهياكل الدولة تطوير ووضع حيز الخدمة العديد من التطبيقات والمنصات نذكر على سبيل المثال لا الحصر إطلاق البوابة الحكومية للمرافق العمومية التي تضم في الوقت الحاضر 352 خدمة الكترونية.وفي قطاع العدالة تمّ وضع قيد الخدمة الشباك الالكتروني الوطني على مستوى الجهات القضائية العادية والإدارية إضافة الى 25 تطبيقا الكترونيا اخر.
وفي قطاع الداخلية تمّ وضع حيز الخدمة 5 منصات رقمية تربط 58 مركز تنسيق عملياتي بالمركز الوطني للتنسيق تعنى بتسيير الكوارث المتعلقة بالتغيرات الجوية والمناخية وحرائق الغابات، وكذا وضع منصة رقمية تشمل نظام معلوماتي وطني للاحتياطات الاستراتيجية. وفي قطاع المالية تمّ نشر النظام المعلوماتي “جبايتك” على مستوى 38 مركز للضرائب و17 مركزا جواريا للضرائب، وكذا مواصلة تطوير بوابة “مساهمتك” ونشرها تدريجيا لتغطي حاليا 225 موقع موزع على 28 مديرية ولائية للضرائب، كما تمّ تطوير برامج معلوماتية لجميع انشطة مسح الأراضي والحفظ العقاري وأملاك الدولة، وذلك عبر إعداد تطبيقين لمتابعة عمليات مسح الأراضي وتحيينها، وهما قيد التجريب على مستوى المصالح النموذجية في انتظار تعميمهما، كما مكّنت إدارة الجمارك المسافرين من الحصول على سند العبور الجمركي عبر الخط، ما ساهم في تسريع الاجراءات الجمركية عند الحدود البرية، كما مكنت المتعاملين الاقتصاديين من الحصول على استشارات حول إجراءات جمركة بضائعهم.وحقّق قطاعا التربية والتعليم العالي أيضا إنجازات معتبرة في مجال الرقمنة عبر تطوير ووضع حيز الخدمة عدة تطبيقات منها النظام الرقمي الوطني لتوظيف الأساتذة عن طريق التعاقد، وكذا رقمنة عملية حركة التنقلات السنوية للأساتذة، كما تم وضع بوابة افتراضية تضمّ الوثائق وجميع المنصّات الموجهة للحاصلين على البكالوريا الجدد للقيام بكل عمليات التسجيل عبر الانترنت، وكذا اعتماد بطاقة الطالب الواحدة والمتعددة الخدمات، زيادة على البطاقة الإلكترونية، والذي يسمح بالحصول على مختلف الأداءات البيداغوجية والخدمات الجامعية.أمّا في قطاع التكوين المهني فقد تمّ تطوير عدة منصات رقمية وتطبيقات على الهاتف النقال على غرار “مهاراتي” و«ابتكاراتي” و«مهنتي”، وفي قطاع النقل، تمّ إعداد تطبيقات ومنصّات من شأنها تسهيل عملية الحصول على المعلومات المتعلقة بالنقل وكذا حجز سندات السفر، وفي قطاع العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي تطوير بوّابة تضم 102 خدمة الكترونية وكذا منصات مخصصة لتسيير منحة البطالة، وأخرى مخصصة لانتساب الجالية الوطنية المقيمة في الخارج الى النظام الوطني للتقاعد.
وفي قطاع السكن تمّ وضع تطبيقات مخصّصة لمعالجة طلبات اعتماد المهندسين، والأعوان العقاريين، والمرقين، والدفع الإلكتروني للإيجار، وكذا تمّت وضع منصة رقمية مخصصة لطلب إعانة السكن الريفي.
وضمن مساعي السلطات العليا للبلاد الرامية إلى تحسين الخدمة العمومية، وإعطاء انسيابية أكثر في معالجة البضائع على مستوى الموانئ الجزائرية، تمّ التوقيع مؤخرا على اتفاقية تعاون خاصة بتفعيل تبادل المعطيات بين نظام المجتمع المينائي الجزائري (APCS) التابع لمجمع الخدمات المينائية (SERPORT)، والنظام المعلوماتي الجديد للجمارك الجزائري (ALCES). هذه الاتفاقية ستسمح لكل المتدخلين في الأنشطة المينائية إتمام الإجراءات المتعلقة بالتجارة الخارجية في أجل وتكلفة قياسيين، من خلال رقمنة كل الوثائق المتعلقة بهذه العمليات، وتمكين الهيئات (التجارية، الفلاحية والجمركية) من المراقبة والتقييم الدقيقين لعمليات المطابقة، وبالتالي تقليص مدة معالجة البضائع.وأنهت وزارة النقل بدورها وضع تصور شامل للتحول الرقمي بهدف إنشاء بنية رقمية ومعلوماتية قوية ومتكاملة وموثوقة، لدعم القطاع في تحقيق مهامه الإستراتيجية والقانونية، مع وضع جميع الأطراف المعنية في مدار إستراتيجيته.

القانون لرفـــع المعوقـات وسـد الثّغرات

 قانون إطار للرقمنة وكذا المخطط التوجيهي لها، يعد من بين اللبنات الأساسية كذلك للتحول الرقمي في الجزائر، وشرعت المحافظة السامية للرقمنة في إعداد قانون شامل ينظّم ويضبط مجال الرقمنة، وفق نهج تشاركي، مع 22 قطاعا، بدأ العمل عليه منذ جوان 2023 حين كانت وزارة الاحصائيات والرقمنة، تمّ على ضوء ذلك تحديد المعوقات والفراغات القانونية، ونظرا لأنّ التطور التكنولوجي كان سريعا جدا، جعل كثير من المجالات غير مغطاة لذلك في قانون الرقمنة سيتم العمل على أن تكون لها تغطية، مع العلم أن الجزائر تحصي أكثر من 161 نص قانوني يتعلق بالرقمنة تمّ أخذه بعين الاعتبار، إلى جانب إعداد مقارنة مع ما يحدث على المستوى الدولي في بلدان أوربية وأسيوية، وإفريقية في مجال الرقمنة. القانون وفق تصريحات سابقة للوزيرة المحافظة السامية للرقمنة مريم بن ميلود، سيسلم قبل نهاية السنة الجارية، وكأقصى تقدير جانفي 2025، وهو يحتاج إلى إثراء، وقد نظّمت عدّة ورشات انبثق عنها 209 مخرج، تعمل المحافظة السامية للرقمنة على تحليله وتصنيفه من أجل إثراء نص القانون وصياغة مواده نهائيا.

مشــروع الجزائـر الرّقميــة

لا يمكن الحديث عن تحوّل رقمي دون أمن معلوماتي وسيبراني، لذلك من أسس الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، إعداد استراتيجية الأمن السيبراني، وفي هذا السياق تعمل المحافظة السامية للرقمنة مع وزارة الدفاع الوطني، والوكالة الوطنية للأمن السيبراني خاصة، على وضع استراتيجية للأمن السيبراني، يتم ادراج فيها نظم ومرجعيات يتم تنفيذها ميدانيا، تضمن تأمين المعطيات والبيانات الوطنية، وتواجه مختلف التهديدات المتزايدة في الفضاء الرقمي.وحرصا منها على تطوير استراتيجية فعالة لضمان الأمن السيبراني، أشركت المحافظة السامية للرقمنة عدة قطاعات في إنشاء المركز الوطني للخدمات الرقمية الذي سيوطّن المعلومات بالجزائر، ويعمل على توافقية المعطيات، وشكّلت لجنة قطاعية مكونة من ممثلي وزارة الدفاع الوطني، الوكالة الوطنية لأمن أنظمة المعلومات، وزارة المالية الجمارك، الداخلية إلى جانب خبراء ومختصين شاركوا في انجاز المركز الجزائري للخدمات الرقمية، وفق عمل متكامل لضمان الأمن المعلوماتي، والسيادة الرقمية للجزائر.
وتملك الجزائر كل الامكانيات لضمان سيادتها الرقمية، ووضعت كل جهودها من أجل توفير تأطير بشري وتكوين الكفاءات، سواء في مجال الرقمنة، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، لتسريع الانتقال من التسيير القائم على الورق والحضور إلى التسيير الرقمي، وإرساء بذلك مبادئ الشفافية والمساواة في الولوج الى المعلومة والحصول عليها، والحد بذلك من البيروقراطية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19581

العدد 19581

السبت 28 سبتمبر 2024
العدد 19580

العدد 19580

السبت 28 سبتمبر 2024
العدد 19579

العدد 19579

السبت 28 سبتمبر 2024
العدد 19578

العدد 19578

السبت 28 سبتمبر 2024