برؤية دقيقة وواضحة، قدم خبراء تحليلهم ومقترحاتهم وتوصياتهم حول «الأمن الغذائي من المصطلح إلى التنفيذ: الوضعية الحالية، التوجهات والتحديات الأمنية»، التي نظمها المعهد الوطني للدراسات الإستراتجية الشاملة وافتتحها مديرها العام.
ناقش خبراء مسألة الأمن الغذائي من مختلف الأبعاد، خاصة ما تعلق بالعولمة والحرب الاقتصادية المفروضة، والتمويل في معركة الأمن الغذائي ومعالجة الإعانات والواردات الغذائية والأمن الغذائي، والأمن الغذائي بالجزائر والإنتاج الفلاحي ومختلف القطاعات المنتجة للغذاء وكذا السياسات العمومية في الأمن الغذائي، وكيفية بناء نظام معلوماتي ينير السياسات العمومية بكل ما تعلق بالأمن الغذائي.
استثمــــار قـــوي وكثيــــف
تطرق الخبير الاقتصادي زوبير ساحلي إلى مفاتيح الأمن الغذائي في الجزائر، ونموذج الاستهلاك والإنتاج. ووقف مطولا وبشكل مستفيض ومعمق عند العوائق والأخطار، مقترحا قول الحقيقة الكاملة عن القدرات والفاعلين الموجودين على أرض الميدان لتتضح الصورة ناصعة، أي تشخيص وفحص ما يتوفر في الواقع والاستماع للفاعلين بجدية، وحاول إثارة عاملين رئيسيين.
قال إنهما يمثلان مفاتيح تكريس الأمن الغذائي، ذكر من بينها عنصر الطلب الغذائي وهو مهم إذا لم يحظ بالاهتمام سوف يؤثر على المستقبل الغذائي.
وتحدث في سياق متصل، عن النموذج المتبنى في النسيجين الحضري والريفي، والذي لبى بعض الاحتياجات.
أما العامل الثاني، الذي يحظى أيضا بالأهمية، بحسب تقدير الخبير، يتعلق بالعرض الغذائي والأنموذج الاستهلاكي المرتبطين بالتحديات الجيوـ استراتجية.
واعترف ساحلي بوفرة في المواد واسعة الاستهلاك في السوق الوطنية، لكن من 60 إلى 70٪ تستورد هذه المواد، بالرغم من وجود فرص عديدة لتوسيع الإنتاج وفتح مناصب الشغل، لأن الظرف الحالي من موارد مالية يسمح بتوفير المواد القاعدية، وقال إن الاستهلاك للجزائري جيد ولا يوجد جوع، لأن السلطات تدعم الأسعار.
ووقف على المواد التي نسبة استهلاكها وسط الجزائريين مرتفعة، على غرار القمح والسكر، معتبرا أن الأنموذج الاستهلاكي ثقيل وصعب، لأن تكلفة المواد الغذائية المستوردة سترتفع إلى الضعف، أي بعد أن كانت لا تتعدى 10 ملايير دولار إلى 20 مليار دولار، مرافعا لضرورة الاستثمار بشكل قوي، في ظل الارتفاع الكبير في الطلب على المواد الغذائية.
واغتنم ساحلي الفرصة لإثارة مشكل النوعية الجيدة، أي الجودة والرقابة وما أسفر ذلك عن تداعيات سيئة مست صحة المواطن الجزائري، من بينها بروز تأخر في النمو والسكري والسمنة، وما إلى غير ذلك.
وقال الخبير ساحلي، إن مؤشرات العقود الأربعة الماضية، تؤكد أنه من 65 إلى 70٪ من النسيج السكاني يتمركز بالمناطق الحضرية وتوقع الوصول قريبا إلى 80٪، مع تسجيل 12٪ من السكان يتواجدون في المناطق الريفية أي نسبة 60٪ شباب يحوزون على شهادات، غير أنهم يتواجدون بمناطق غير متطورة، لذا دعا إلى أهمية إرساء تنمية ريفية، لأن الأمن الغذائي يرتبط بالتنمية الريفية والمحلية، وكون أنموذج الاستهلاك الحضري تم تبنيه وتجريبه، بينما كيفية بلوغ سقف أعلى من التحسينات سيتم عبر تنمية ريفية، لأن العرض الفلاحي وحده لا يكفي ويمكن أن يتكامل مع الصيد البحري والصناعات الغذائية وتثمين الموارد الطبيعية، أي عدم إهمال تثمين كل الموارد الطبيعية والحيوانية والنباتية، في وقت سجلت الجزائر ارتفاعا في القيمة المضافة، مع إدراكها باستمرار العوائق القاعدية التي لم نتخلص منها ولم يتم إزالتها عبر معالجتها.
عائـق التخزيــــن يحــــد من الوفرة
ولم يغفل ساحلي عن وجود رهانات أخرى ينبغي الاهتمام بها، من بينها التغيرات المناخية وتأثير الإنسان بسلبية على الموارد الطبيعية، معترفا أن ما قيمته 50٪ من الاحتياجات يتم توفيرها عبر الواردات، واقترح أهمية ملازمة الأمن الغذائي للحوكمة، مع إدماجهما عبر قطاعي الصناعة والفلاحة المتكاملين. علما أن القطاعين ينشطان الصناعة ويتحركان عبر الواردات، ودعا إلى الاهتمام بزراعة القمح وتوفير غبرة الحليب، أي ما يتعلق بتحسين التجميع وعملية التخزين والنقل التي مازالت غير منظمة. لأن في الأمن الغذائي، المادتان الرئيسيتان تكتسيان أهمية كبيرة، لأن قدرات تخزين القمح قال إنها لا تتعدى قدراتها 4,5 ملايين طن والفلاحون ينتظرون أربعة أيام لإيداع إنتاجهم مع جملة من العوائق، مثل التغيرات المناخية والتحديات المناخية التي تضرب منطقة دول المغرب العربي، وألح على ضرورة تحسين المناخ الاقتصادي، والالتزام بالمراقبة والمتابعة ومعرفة ما يجري بشكل دقيق على أرض الواقع نحن ضعفاء على ضوء ضعف الإستراتجية، يجب استراتجية يقظة ومتابعة وجميع الهياكل للبحث العلمي والنشاط ووضع خبرة وطنية تتابع السوق العالمية وتجيب عن الأسئلة.
خزان القمح العالمي في خطر
في حين الخبير مرتضى زابوري، يعتقد أن الجزائر تواجه تحديا حقيقيا بخصوص الأغذية، وأرجع الأسباب لعوامل قديمة تعود للفترة الاستعمارية. وذكر أنه لا يوجد استثمار على المدى الطويل، بينما الأسعار سوف ترتفع كثيرا عما كانت عليه في السابق، ويرى أن المشكل الجدي يكمن في وفرة وادخار المواد الغذائية خاصة القمح، حيث كانت جيدة في 2002، بينما توقع سنوات 2022 إلى 2025، أن تصبح صعبة، حيث تم كسر هذا التخزين. ودعا في سياق متصل الجميع لابتكار حلول يمكن تبنيها، في ظل التحديات المتعددة، أي ينبغي تكريس الشفافية في الإعلام، عبر تنوع المنتوج الجزائري والابتكار المحلي والخروج بسياسة واضحة ومحددة ومع الابتكار في السياسات العمومية ووضع حلول في الأمن الغذائي.
وتناول الخبير الاقتصادي عبد الكريم حرشاوي، أزمة الغذاء العالمية وأثرها على أوروبا وإفريقيا. ويعتقد أن المشكل يكمن في ضبط الأسواق. وحذر، في حالة حدوث أزمة غذاء، من أن نسبة الهجرة غير شرعية من الجنوب للشمال سترتفع.
في حين الخبير عبد الحميد سوكحال، اعترف بقدرات الجزائر الغذائية، لكنه دعا لاستثمارات تلبي الغرض ومنتجات ذات جودة وراهن على البحث العلمي، متوقعا أن تنفجر أزمة أسعار الغذاء في آفاق عام 2024، كون دول إفريقيا الشمالية الأكثر استيرادا للقمح بنسبة 2٪، علما بوجود تهديدات التصحر والصدمة المناخية والاقتصادية الداخلية والعالمية. ورغم تقليله من تحديات الأمن الغذائي الجزائري مقارنة بدول الجوار، لكنه حذر من تضاعف فاتورة الغذاء، متطرقا للسيادة الغذائية وترشيد الاستهلاك، لأن السيادة الجديدة تعد تحديا تتمثل في تأمين الغذاء وبالتالي حماية ما أسماء كرامة الغذاء. واقترح أن تلتقي الدول الإفريقية في ندوة شاملة وجامعة حول الرهانات الاجتماعية والاقتصادية للقارة السمراء لتأمين مستقبل شعوبها.
وفي النقاش تمت إثارة العديد من الأسئلة والإشكاليات، مثل كيفية تغيير الأنموذج الاستهلاكي... وما هي وضعية الجزائر لتحديد رؤية لندوتنا ولحلول ناجعة وميكانيزم التمويل وما هي السياسات التي يجب تبنيها. وما إذا كانت الجزائر قادرة على أن تكون مستقبلا بلدا منتجا للقمح والسير نحو التحول لسلة غذاء، في ظل هاجس ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء من 10 ملايير إلى 20 مليار دولار؟.