رحل رئيس الجمهورية الأسبق الشاذلي بن جديد أمس بعد صراع مع المرض ادخله المستشفى مرات عديدة. وزادت حالته الصحية تدحرجا بصفة ملحوظة منذ اسبوع حيث خضع للعناية المركزة بمستشفى عين النعجة، وهنا لفظ انفاسه الاخيرة.شاء القدر ان يرحل الرئيس الشاذلي في زمن تودع فيه الجزائر أحد أصدقاء الثورة التحريرية وحامل القضية الوطنية في القلب، ناصرها في السراء والضراء بيار شولي.. وتودع فيه أحد اعمدة الاغنية الاصيلة محمد بوليفة.. وكلهم كانوا في صراع محموم ضد المرض.
رحل الشاذلي بن جديد في وقت تعيش فيه الجزائر نشوة الاحتفائية بخمسينية استعادة السيادة الوطنية. وهي مرحلة عاش الرئيس الأسبق مختلف اطوارها، وكان أحد صانعي حركيتها وسيرورتها واضعا بصماته على التغيرات الكبرى، بل أنه من الممهدين لأرضية التحرر الوطني خلال حقبة شرارة الكفاح المسلح، وما اعقبه من أحداث عجلت بالاستقلال.
فقد واكب الرئيس الشاذلي كل مراحل نصف قرت من استعادة السيادة، وكان من مقرري سياسة البناء والانماء التي أعادت الجزائر الى مصاف الدول الناشئة، ومكنتها من اعتلاء مواقع ريادية يحسب لها الحساب.
وان يختلف الرئيس على نماذج التنمية المعتمد، وسياسة التصنيع المعروفة آنذاك بـ »المفتاح في اليد«. ورأيناه ينتقد أثناء اعتلائه للسلطة وما تبعها من أزمة مالية حادة اواسط الثمانينات، المركبات الصناعية التي قال أنها غير مجدية. ويصعب التحكم فيها وتسييرها بدقة لا متناهية، مفضلا الوحدات الصغرى والمتوسطة ذات الكلفة القليلة والادارة القابلة للتسيير.
ونتذكر الإصلاحات الاقتصادية التي شرع فيها بتحد وسط تحفظات من اكثر جهة وانتقادات، وتتمثل في سياسة اعادة الهيكلة، وماشملته من تدابير غايتها تجزئة الوحدات، ومنح بعضها البعض الاستقلالية.
لكن هذه السياسة لم تتمكن من مواجهة عواصم الخارج، وأزمات ظلت تعصف بالعالم في صدارتها الأزمة المالية المصرفية، وما تبعته من تراجع في مداخيل النفط، اثر سلبا على إيرادات الجزائر التي ظلت على الدوام أسيرة المحروقات، تتأثر بمجرد حدوث أزمات في جهات المعمورة.
وظل الرئيس في هذه الوضعية المضطربة مدركا بالتحديات دون الابقاء عند ممنوعاتها وحواجزها. وحاول إصلاح الوضع بهدوء اعتمادا على المدخرات الوطنية، واستقلالية القرار.
وادرك ان الوضعية الصعبة تحتم المواجهة بمد جسور التعاون والاتصال مع دول الجوار فأنشأ وحدات اقتصادية مشتركة مع تونس وموريتانيا.. وانجز مشاريع تعاون حدودية اعتقادا راسخا منه، ان البناء الوحدوي المغاربي، يكسب مصداقيته وقوته من خلال المشاريع والمؤسسات، وليس الخطاب السياسي الاجوف. تماما مثلما تحقق في التجربة الأوروبية التي نمت وتوسعت من خلال نواة الحديد والصلب.
في الشق السياسي، بادر الرئيس الشادلي بن جديد بإصلاحات بعد موجة الغضب في 5 أكتوبر، ورافع من اجل التعددية المفتوحة للرأي والرأي الآخر.. فعدل الدستور تمهيدا لارضية البناء التعددي ادراكا منه ان الجزائر تبنى من الجميع ومن مختلف الزوايا.
وذكر مرات ومرات ان الجزائر التي بلغت درجة من التحول، وعاشت كوابيس التغيير وتناقضاته، وصلت الى حد الانفتاح على تعددية الآراء والافكار والمشارب. وهذه التعددية التي لم تستقر على منهج، وتخللتها اهتزازات مهدت المسار لتجربة اكثر نضجا ومتانة وتوازنا نعيش ادق تفاصيلها في هذه المرحلة من مسعى اصلاحات سائرة على نفس الدرب تتخذ من بعض الصعوبات قوة انطلاق نحو الاحسن دون السقوط في اليأس والمشاحنة والمزايدة انها تجربة جزائرية المنبع تتقوى بقرار سيادي ترفض املاءات الخارج ووصفاته في كل الظروف.
التعددية... الخطوات الأولى
فنيدس بن بلة
شوهد:747 مرة