أدركت السلطات الولائية والمحلية لبومرداس أهمية الدور الذي تقوم به خلايا الإصغاء والتوجيه للمواطن في التخفيف من حدة التوتر بين الطرفين، والمساهمة في حل الكثير من القضايا التي حملت مطالب اجتماعية ومهنية بالحوار الصريح والمباشر مع المواطن أو مع ممثليه عبر جمعيات الأحياء والقرى التي شكّلت هي الأخرى حلقة أقوى في هذه المعادلة بمد جسور التواصل بينهما، حيث لعبت دورا فعّالا في تقريب وجهات النظر ونقل انشغالات المواطنين إلى الجهات المعنية.
تحوّل مفهوم الخدمة العمومية بالنسبة للمواطن وآليات تطبيق ذلك إلى أحد أهم الأولويات والتحديات التي واجهت السلطات المحلية ببومرداس، خاصة في ظل التطور التكنولوجي والتنوع في وسائل الاتصال والتواصل والحراك الاجتماعي الذي أخذ عدة أشكال لتحقيق مطالب اجتماعية ومهنية، منها استعمال الحركات الاحتجاجية والإعتصامات التي مسّت مختلف القطاعات والفئات الاجتماعية كوسيلة ضغط على الإدارة، في محاولة لتحقيق مطالب متعددة وتحسين الظروف المعيشية عبر العديد من مناطق الولاية التي لا تزال تعاني التهميش والإقصاء ونقص البرامج والمشاريع التنموية.
وأمام هذه الضغوط بادرت ولاية بومرداس في خطوة أولى إلى إنشاء خلية إصغاء بمقر الولاية لاستقبال شكاوي المواطنين وتحويلها إلى المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي مع إطلاق موقعا إلكترونيا بإمكان المواطن تصفحه والاطلاع على مختلف المعلومات والتوجيهات التي يرغب فيها، ونفس التوجه أيضا سارت عليه العديد من الإدارات والمديريات الولائية، وصولا إلى دوائر الولاية، ثم المجالس البلدية كخطوة أخيرة لتعميم مثل هذه الخلايا لمساعدة المواطنين في حل مشاكلهم والتخفيف من معاناتهم مع البيروقراطية الإدارية.
وعن حقيقة هذه الخطوة ودورها في تقريب الإدارة من المواطن وتحسين مستوى الخدمة العمومية، حاولت “الشعب” أن تتقرب من ممثلي جمعيات المجتمع المدني في محاولة لاستقصاء الوضع والوقوف على مدى فعالية هذه الخلايا التي نصبت عبر العديد من المراكز الإدارية، وحتى وإن اختلفت الآراء في طريقة تعامل الإدارة مع هذه الجمعيات إلاّ أنّها اتّفقت في النهاية أن المجالس الشعبية الجديدة المنبثقة عن الانتخابات المحلية والولائية الماضية قد أفرزت مجالسا اقرب إلى المواطن، كما أبدت تفهما كبيرا لمختلف الانشغالات اليومية، باعتماد وسيلة الحوار كمخرج لكل أزمة.
الحـــــــوار مـــــع الادارة يتوســــّع
هنا يعلّق رئيس جمعية “الأمل” لقرية بوكحيل ببلدية برج منايل نبيل بن غريز عن الموضوع بالقول: “.مع قدوم المجلس البلدي الجديد لبلدية برج منايل برئاسة السيد احمد حجاج ترسّخت كثيرا قنوات التواصل والحوار بين المواطن والإدارة، حيث أظهر المجلس الجديد تفهما أكثر لانشغالات المواطنين بفتح أبواب الحوار والتواصل على عكس ما كان عليه الوضع خلال العهدة السابقة التي كانت فيه الأبواب شبه موصدة مقدما مثالا عن ذلك..لقد قدمنا طلبا باسم الجمعية لمقابلة رئيس المجلس الشعبي البلدي خلال شهر ماي الماضي، لكننا لم نتمكن من ذلك، حيث انتهت العهدة ونحن لم نقابل رئيس البلدية”، يقول محدثنا.
وعن طبيعة العلاقة مع المجلس الحالي وكيفية التواصل لنقل انشغالات سكان القرية، قال رئيس جمعية قرية بوكحيل أن العراقيل والمشاكل المفتعلة كغياب الرئيس وغيرها قد انتهت بشرط تقديم طلب لتحديد موعد خاص بالمقابلة، وفي سؤال حول إشراك ممثلين عن لجان الأحياء والقرى في مداولات المجلس البلدي لبرج منايل، أكد ممثل القرية أن المجلس ولحد الآن لم يوجه لهم دعوة المشاركة لإبداء الرأي وتقديم الاقتراحات، وهي من الانشغالات التي سيتم تقديمها لرئيس البلدية بالإضافة إلى عملية الإمضاء الرسمي على محاضر الاجتماعات لاستعمالها كوسيلة ضغط لتجسيد الوعود المقدمة، على حد قوله. وصف نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية أولاد هداج السيد عبد الرحمان صالحي، علاقة المواطن بهيئة التسيير الإداري بالطبيعية والحسنة، حيث تفطّن أعضاء المجلس مسبقا لأهمية الحوار والتواصل الايجابي مع المواطن مثلما قال، فعمدت إلى فتح أبواب البلدية بشكل شبه يومي لاستقبال المواطنين والاستماع إلى انشغالاتهم ولم تقتصر على يوم الاثنين فقط مثل باقي البلديات، وهذا لتجنب تكدس مشاكل المواطنين وتخفيف درجة الضغط والاحتقان الذي قد يتولد عن تهرب المسؤول عن مقابلة المواطنين ومواجهة مشاكلهم بمسؤولية وشجاعة.وعن طريقة تعامل البلدية مع ممثلي جمعيات المجتمع المدني، قال السيد صالحي أن أعضاء المجلس حريصون على إشراك ممثلين لكافة الجمعيات التي تنشط على تراب البلدية سواء كانت رياضية، ثقافية أو اجتماعية في اجتماعات المجلس ومداولاته المتعلقة بدراسة المشاريع التنموية المخصصة لأحياء وقرى بلدية أولاد هداج، ولو أنّ القليل منها فقط يحضر هذه اللقاءات، وهذا بهدف إشراكهم الايجابي في تسيير شؤون بلديتهم واطلاعهم بشفافية على طريقة دراسة الملفات وتسيير ميزانية البلدية وحق الدعم والاستفادة من الإعانات المخصصة للجمعيات المعتمدة التي تنشط بطريقة قانونية. من جهته، قال نائب المجلس الشعبي البلدي لزموري المكلف بالشؤون الاجتماعية السيد عبد العزيز بن سراج في رده على طبيعة العلاقة التي تجمع بين المواطن والقائمين على شؤون البلدية، أنّ المجلس الشعبي الجديد قد أعطى أهمية كبيرة لعملية التواصل والحوار مع المواطن من خلال تنصيب خلية خاصة للإعلام والتوجيه داخل مقر البلدية، كما أن حالة التصادم والاحتقان التي كانت ميزة بين المواطن وبعض رؤساء المجالس البلدية قد خفت وتلاشت مؤخرا، وحلت محلها لغة الحوار والتفاهم حول القضايا الاجتماعية الراهنة، مع التوجه نحو إشراك الفعلي لفعاليات المجتمع المدني في الكثير من المسائل الحساسة التي تخص البلدية، مقدما مثالا عن ذلك جرى قبل اقل من أسبوع ببلدية زموري، ويتعلق بعملية توزيع سكنات جديدة لفائدة 122 عائلة تقطن بالسكنات الجاهزة، حيث ساهم المواطن وممثلي الحي بفعالية في عملية الترحيل وإقناع كافة الأطراف بعدالة العملية التي تأجلت لعدة مرات نتيجة لسوء التفاهم وغياب وسائل الإقناع التي قامت بها مؤخرا جمعيات الأحياء.
وتبقى في الأخير الإشارة إلى أنّ علاقة المواطن بالمجالس البلدية قد تختلف من بلدية إلى أخرى، لأنّ هناك بعض البلديات ببومرداس شبه المغلقة في ميدان الاتصال، لكن تبقى تصورات ونظرة رئيس المجلس الشعبي البلدي لقضية الحوار المباشر وفتح قنوات التواصل مع ممثلي المجتمع المدني وحدها الكفيلة بتجنب حالة التصادم والانسداد مرورا إلى تجسيد البرامج التنموية التي وعدوا بها المواطن.