يعتبر التسيير الجيد لملف الصفقات العمومية، حجر الزاوية في البلدية والضامن لتحريك عجلة التنمية المحلية والاستجابة لتطلعات المواطنين وانشغالاتهم، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بحياتهم اليومية، لذا سعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية إلى تكوين ورسكلة رؤساء البلديات بمختلف ولايات الوطن، حيث نظمت دورات تكوينية في المنازعات الإدارية والصفقات العمومية حرصا منها على تحقيق أكبر قدر من الشفافية في التسيير وتفنيدا لكل ما يقال حول الصفقات العمومية والتسيير السيئ للمال العام.
أكد السيد محمد قادري، مدير التسيير العمراني ببلدية باتنة، أن الصفقات العمومية يسيرها مرسوم تنفيذي رقم 236/ 2010، والقانون حسب المتحدث يحمي جميع الحقوق الخاصة بالأفراد سواء كانوا إدارة ممثلين في البلدية أو أصحاب مقاولة أو حتى اللجان المسيرة لتلك الصفقات، حيث حدد المرسوم من الناحية القانونية كيفية تنظيم الصفقات، دفاتر الشروط، نوعية اللجان المسؤولة عنها.
وبدوره مدير المالية ببلدية باتنة السيد خزار لزهر قسّم اللجان المسؤولة عن مختلف عمليات المشاريع سواء كانت خاصة بالتجهيز أو بشق التسيير ببلدية باتنة مثلا إلى لجنة فتح الأظرفة، لجنة تقييم عروض ولجنة الصفقات العمومية، بمعنى أن أي إجراء أو اتفاقية يخضع دائما لهاته اللجان.
وتعتبر لجنة الصفقات العمومية من بين أكثر اللجان أهمية وحساسية كونها سيدة في قراراتها، ويتواجد بها مختلف المديريات والشركاء التنمية بالولاية، على غرار ممثل مديرية الري والأشغال العمومية، المراقب المالي،...إلخ، والقانون واضح في هذا الشأن حيث يلزم بضرورة القيام باستشارة قبل كل عملية اقتناء للوازم أو غيرها.
ويفرق محدثنا بين الاتفاقية والصفقة العمومية، حيث تتم الأولى على مستوى البلدية في الوقت الذي تتم الثانية بالمرور عبر إجراءات صارمة، حيث حدد القانون مبلغ 400 مليون سنتيم كفاصل بين الاتفاقية والصفقة العمومية، حيث إذا زاد الغلاف المالي المخصص لعملية ما عن هذا المبلغ فتوجه العملية مباشرة إلى المرور عبر لجنة الصفقات العمومية للبلدية، هذا بخصوص اتفاقية اللوازم والدراسات، أما بخصوص صفقات الخدمات فعند تجاوز العملية لمبلغ 20 مليار سنتيم تمر العملية مباشرة على لجنة الصفقات العمومية للولاية.
ويؤكد السيد محمد قادري مدير التسيير العمراني ببلدية باتنة على أهمية تحديد الاحتياجات الخاصة بالبلدية من خلال إجراء دراسات وتقييم إداري، حيث عندما تتجاوز العملية لوازم، خدمات، أو أشغال المبلغ المالي المحدد قانونا، تقوم البلدية بإعلان استشارة في كافة تراب البلدية وحتى خارجها وتحديد أجال لازمة لكل مشروع وكحد أقصى تحدد البلدية 15 يوم ، تشرع المقاولات في تقديم عروضها التقنية والمالية، ليتم فتح الأظرفة الخاصة بذلك في نفس اليوم و أمام جميع المتعاملين والمقاولات الراغبة في المشاركة في العملية، حيث يتضمن التقرير التقني في دفتر الشروط الذي يقوم المعني بإمضاء كل أوراقه للالتزام بالشروط التي حددتها البلدية إضافة إلى تواجد المعلومات الخاصة به من سجل تجاري، وشهادة الكفاءة المهنية، الوثائق الجبائية والشبه جبائية، كل ما تعلق بخبرته الميدان، أما العرض المالي فيتمثل في الاقتراح المالي للمشروع مع مخطط زمني للإنجاز.
وبعد عملية فتح الأظرفة حدد القانون أجال 10 أيام لاستكمال الوثائق الناقصة، لتباشر اللجنة الدائمة التي ينشؤها رئيس البلدية بقرار يمضيه والي باتنة، بعدها تقييم العروض من خلال جدول مقاييس صارم، يدرس كل ملف على حدى كأن تمنح 2.5 نقاط مثلا للمقاولات التي لها خبرة في العملية المقترحة من طرف البلدية، هذه العملية خاصة الإستشارت يضيف المتحدث.
وبخصوص الصفقات العمومية فيتم اللجوء إليها عن تجاوز العملية للمبلغ المحدد قانونا، يتم إعلان العملية في الجرائد الوطنية بالغتين العربية والفرنسية يضاف لها النشرية الرسمية للمتعاملين الاقتصاديين، وبعد أول صدور يتم احتساب أجال فتح العروض، لتفتح بعدها الأظرفة وتقيم العروض ليعلن إعلان في نفس الجرائد التي نشرت إعلان المناقصة لتنشر المنح المؤقت للصفقة لمتعامل معين.
وبعد الإعلان بثلاثة أيام يحق للعارض التقدم إلى مصالح البلدية للاطلاع على محضر تقييم العروض، وضمن الـ10 أيام الأولى للعارض تقديم طعن، تجتمع اللجنة وجوبا قبل 15 يوما، لدراسة الطعون، وفي حال ثبوت أن الطعن مؤسس “يعاد تعديل المنح”، وإن كان الطعن غير مؤسس، تستكمل الإجراءات بشكل عادي.
منح الصفقات بالتراضي لا يعني سوء التسيير
ينفي كل من مدير المالية لزهر خزار ومحمد قادري مدير التسيير العمراني ببلدية باتنة، “تهمة” أن الصفقات العمومية الممنوحة بالتراضي تتسبب في سوء التسيير، حيث يفرقان بين التراضي البسيط والتراضي بعد الاستشارة، حيث يسمح القانون الخاص بالصفقات العمومية في مادته الـ44، اللجوء إليه في حال عدم جدوى المناقصة في المرة الأولى، لتعيد الاستشارة فيها وهي بالأساس تراضي بعد الاستشارة.
ويرد محدثنا بخصوص تأخر إجراءات الصفقات العمومية في الحالات الإستعجالية بالقول أن الإجراءات الإدارية في أحسن الأحوال تستغرق 4 أشهر في الحالات الطبيعية أما في العمليات المستعجلة كخطر الأمراض المتنقلة عن طرق قنوات صرف المياه مثلا أو مخلفات اضطرابات جوية لم تكن في الحسبان، أو تهديد سقوط عمارات أو مرفق عمومي وغيرها، فيسارع رئيس البلدية إلى اتخاذ قرار جريء وشجاع بتعين مقاولة في العملية المراد القيام بها، لتكليفها بالصفقة أو الاتفاقية، باستشارة جميع الشركاء وتدوينه في محضر .
وأحصت بلدية باتنة لوحدها 250 عملية بين صفقة واتفاقية بغلاف مالي ضخم يتجاوز الـ200 مليار سنتيم مخصصة للتجهيز والتسيير خلال سنة 2014، وتوجه نسبة 90 ٪ من هاته الصفقات إلى دفع عجلة التنمية بالبلدية خاصة ما تعلق بتهيئة الطرقات، الإنارة العمومية، تجديد قنوات صرف المياه الصحي...إلخ
ويفصل المتحدث في قضية منح الصفقات العمومية ببلدية باتنة، والتي تتم في جو من الشفافية يعكس حرص رئيس البلدية عبد الكريم ماروك على توفير كل الأجواء التي من شأنها ضمان “تسيير راشد وشفاف لشؤون البلدية”، حيث يؤكد مدير التسيير العمراني ببلدية إلى منح البلدية أفضلية الفوز بالصفقات العمومية للمقاولات المنشاة في إطار مختلف صيغ دعم وتشغيل الشباب بنسبة 20 ٪، غير أن العملية تتم دائما في إطار شفاف وبمشاركة الجميع.
ولعل أهم بنود دفتر الشروط التي يحرص مسؤولوا بلدية باتنة على وضعها ما يتعلق بفسخ العقد في حال إخلال المتعامل الفائز بالصفقة بشروط العقد، حيث في حال عدم الانطلاق في الأشغال بعد 15 يوما من استلام الأمر ببدء الأشغال، أو عدم توفر ورشة العمل على العتاد والعمال المؤهلين توجه له إعذارات وإن استدرك النقائص فلا بأس وإن كان غير ذلك يفسخ العقد مباشرة حفاظا على المصلحة العمومية، ويشير مدير المالية لزهر خزار في هذا الصدد إلى اللجوء الطرفين في حال النزاع إلى الصلح بالتراضي، وفي حال عدم تحقيق التراضي لكل طرف الحق في التوجه إلى مصالح العدالة وهي أخر حل .
ويمكن للبلدية حسب المتحدث، أن تمنع عارضا معينا من الاستفادة من صفقة ما في حال ثبوت إخلاله بالتزامات مشاريع سابقة، حيث يسمح القانون في مادته 125 مكرر بإصدار مقرر منع لمدة سنة كعقوبة في حال فوز عارض معين بصفقة معينة وتنازله عنها .
وبخصوص مراقبة المال العام أكد ضيفا جريدة “الشعب”، نزول عدة لجان خلال سنتين من مختلف الجهات كمجلس المحاسبة، المفتشية العامة للمالية، لجان من وزارة الداخلية للتدقيق في حسابات المالية للبلدية للسنوات الماضية تصل إلى حد عهدة كاملة، حيث لم تسجل بلدية باتنة، أي تجاوزات في التسيير.