مـن استغلال اقتصـاد التّدوير إلى تحسـين جودة الحياة

هكذا حققـت البليدة الرّيادة في حماية البيـئة

روبورتاج: أحمد حفاف

 النّظام البيئي الذي تتوفّر عليه ولاية البليدة سمح <فهي تضم نسيجا صناعيا مُشكّلا من آلاف الوحدات الإنتاجية في مختلف المجالات، ولهذا خطت خطوات استباقية في مجال رسكلة وتثمين النفايات، وتسير بخطى ثابتة لتحقيق جودة الحياة لساكنيها.

 مع تعاقب السّنوات اكتسبت الشّركات الخاصة تجربة ممتازة بعد جهود بذلتها، كما أنّها استلهمت من تجارب من سبقها في مجال رسكلة النفايات، بحسب آخر الإحصائيات فقد سجلت الولاية 154 مؤسّسة ووحدة إنتاجية تقوم بتثمين المواد الأكثر استهلاكا مثل البلاستيك، الورق، الكرطون والألمنيوم، وغيرها من المواد القابلة للاسترجاع، وبفضل هذا النشاط فهي تُسهم في إنتاج المواد الأولية التي تحتاجها المؤسسات الاقتصادية الوطنية والأجنبية، كما تجلب العملة الصعبة، وتسهم في تقليص فاتورة الاستيراد.


 154 شركة خاصة تستثمر في الرّسلكـة

 كان من الطبيعي أن تظهر مهن جديدة تبعا لاستثمار الخواص في مجال تثمين النفايات، لأنّ كثيرا من الشباب وجدوا ضالتهم لإكمال حلقة الجمع ضمن سلسلة الاقتصاد التدويري، حيث يستخدمون شاحنات صغيرة وسيارات عتيقة تقلهم إلى المفارغ لانتقاء المواد القابلة للرسكلة لاسيما البلاستيك، ممّا جعل الإعتراف بمهنة “جامع النفايات” خطوة مهمة في مجال التشريعي البيئي بإصدار المرسوم التنفيذي 24-61 في سنة 2024، وتخصيص مزايا ضريبية محفزة.
يقول مدير البيئة وجودة الحياة لولاية البليدة، وحيد تشاشي: “جامع النفايات أصبح معترفا بمهنته بعد صدور المرسوم الخاص به، والاعتراف به يعكس الرؤية الاستشرافية للدولة بأنّ النفايات ثروة حقيقية، وأنّ مجال الرسكلة مربح ويساعدها في تسيير النفايات والمحافظة على البيئية لضمان استدامتها للأجيال القادمة.
سبق هذا المرسوم تشجيع الخواص على ممارسة نشاط الرسكلة بولاية البليدة، لأنّ السلطات المحلية أدركت بأنّ طريقة الردم لم تعد مجدية في ظل تشبع جل المراكز الخاصة بها بنسبة تصل إلى 250 بالمائة، ونظرا لصعوبة العثور على أوعية عقارية ملائمة تسمح باستحداث مراكز ردم جديدة، وهذا بسبب الطابع الغابي والفلاحي للمنطقة (خاصة مع صدور قانون يمنع التعدي على الأراضي الفلاحية).
غير أنّ تنامي عدد السكان في المنطقة بفعل إنجاز أقطاب عمرانية جديدة زاد الطين بلة، وتنامت ظاهرة الرمي العشوائي للنفايات في الوسط البيئي رغم الجهود التي بذلتها المؤسسة الولائية “متيجة نظافة” التي تستخدم حاليا 1400 عامل، وتستفيد من تجديد حظيرتها بالشاحنات الضاغطة التي تُستخدم في جمع القمامة.

مؤســـّسات رائـدة تصدّر المواد المسترجعة إلى الخارج

 وبدأت الأمور تنفرج بعد إزالة العراقيل عن المشاريع الاستثمارية من طرف رئيس الجمهورية خلال سنة 2023، الأمر الذي سمح بتدعيم نشاط الرسكلة بمؤسسات جديدة من بينها وحدة تقوم بتصنيع الكوابل الكهربائية من مواد مسترجعة، وأخرى تحول الألمنيوم المسترجع إلى صفائح وتصدرها لدول إفريقية وعربية.
لعل ما يؤكّد القفزة النوعية التي عرفتها البليدة في هذا المجال، هو التجربة الرائدة والأولى من نوعها لمؤسسة خاصة في مجال تثمين النفايات العضوية منذ سنتين، فهي تقوم باسترجاع بقايا المذابح والدجاج وتحولها إلى بروتينات حيوانية (أغذية القطط والكلاب)، وتصدر منتوجاتها المرسكلة إلى دول أجنبية مثل بنغلاديش والصين، وتحول مؤسسة أخرى النفايات العضوية مثل بقايا الخضروات والفواكه إلى أسمدة طبيعية.
تكمن أهمية نشاط الرسكلة في أنه يدر أرباحا حيث علمنا من أحد جامعي النفايات، بأن سعر واحد كيلو غرام من قارورات البلاستيك هو 80 دينارا جزائريا، وإذا ما استطاع أن يملأ شاحنته الصغيرة، معناه أنه سيجني 8000 دينار جزائري نظير جهد يوم من الجمع، بحسب تعبيره.
فضلا عن ذلك، توفّر الرّسكلة مناصب عمل للشركات التي تستخدم آلات خاصة، والمواد الأولية المسترجعة يٌمكن استخدامها لتلبية حاجيات الشركات الوطنية بدلا من التوجه الاستيراد، وكذا المحافظة على البيئة بالحد من الرمي العشوائي للنفايات، فبدلا من التخلص منها أصبح النظرة إليها على أنها ثروة ولها قيمة مالية مقابل بيعها، وهذا ما أصبح متاحا للناشطين في مجال إنتاج الدجاج اللاحم.

مركّبـــان عصريــان للفـــــرز الانتقائـــــي

من جهتها لم تنتظر المؤسّسة العمومية لتسيير مراكز الردم التقني بالبليدة كثيرا، واقتحمت مجال التثمين لعلها تجد حلا لمشكلة التشبع التي تميز هذه المراكز، حيث بدأت تجربتها بمقرها في بلدية بني مراد منذ أزيد من خمسة سنوات، وعملت على تطويرها كل سنة، فمثلا في سنة 2024 حقّقت أرباحا من تصدير المواد المسترجعة بلغت 120 مليون دينار جزائري عن مختلف ورسكلة المواد القابلة للاسترجاع مثل البلاستيك والكرطون والزجاج، وساعدها في ذلك الجهود التي تبذلها مصالح البيئة بتجريب الفرز الانتقائي بوضع حاويات خاصة في بعض الأحياء النموذجية. وتماشيا مع مضامين قانون تسيير النفايات الجديد رقم 25- 02 الصادر في شهر فيفري المنقضي أنجزت ولاية البليدة مركزا للفرز الانتقائي على مستوى مركز الردم التقني في بلدية واد العلايق، وهذا بغرض استرجاع كمية كبيرة من المواد القابلة للاسترجاع، وإطالة العمر الافتراضي لهذا المركز الذي شهد مطلع السنة الحالية استلام مشروع توسعته وإدخاله حيز الخدمة.
وضمن سياسة التسيير المدمج للنفايات بتدويرها بدلا من ردمها، استفادت مديرية البيئة لولاية البليدة في قانون المالية لسنة 2025 من دارسة لمركبين كبيرين سيتم إنشاؤهما على المدى القريب بطاقة استيعاب 1000 طن يوميا، وبتكلفة ثلاثة ملايير دينار لكل منهما، وسيتم بهما العمل لأول مرة على المستوى الوطني بتقنية “البيوميكانيزم” لتثمين النفايات العضوية وتحويلها إلى أسمدة طبيعية، وسيخصّصان أيضا لعملية الفرز الإنتقائي التي تعتبر الحلقة الأهم.
وسيتم المصادقة على دراسة هاتين المركبين في شهر جوان المقبل بحسب تعبير مدير البيئة وحيد تشاشي الذي صرح قائلا: “تمّ إسناد الدراسة لمكتبين معتمدين متخصّصين، وتمّ التفاوض معهما على تقليص مدة الدراسة من ستة أشهر إلى ثلاثة. وما يجب الإشارة إليه هو أن عملية الإنجاز ستكون باستخدام نفس التجهيزات بهذين المركبين اللذان سيكونان عصرين بأتم معنى الكلمة، أي بتوافر كل المواصفات التقنية التكنولوجية والهندسية والبيئية”.
وكي تضمن انتقالا سلسا من الردم التقني للنفايات إلى التدوير، تعتزم ولاية البليدة إنجاز مركز تحويل في بلدية الصومعة في غضون الأشهر القليلة القادمة، والذي سيتم على مستواه القيام بالفرز الانتقائي للنفايات قبل تحويلها إلى مؤسسة بني مراد العمومية.

دار البيئة..مرفق جديد للتّكوين

 فضلا عن الاستثمارات الخاصة والعمومية في رسكلة وتثمين النفايات تعزّز قطاع البيئة بالبليدة بدار خاصة بالبيئة، وهي ملحقة تابعة للمعهد الوطني للتكوينات البيئية الذي يعمل تحت وصاية وزارة البيئة وجودة الحياة، ويعهد إليها ثلاثة وظائف أساسية وهي التكوين، التربية البيئية والتحسيس.
مع دخولها حيز الخدمة في جانفي 2024، أعطت دار البيئة الكائن مقرها في بلدية أولاد يعيش، إضافة حقيقية خاصة وأنه تسمح بلم شمل كل الفاعلين في القطاع من طلبة وباحثين، جمعيات ونوادي خضراء، مؤسسات وهيئات لتبادل الأفكار ووضع الخطط والبرامج التي تهدف إلى حماية البيئة.
ولعل أهم ما قامت به هذه المؤسّسة بحسب مديرتها عائشة فرنان، تنظيم ثلاثة دورات لمندوبي البيئة الخاصين بالمؤسسات الصناعية باعتبارها ملزمة بالتزود بأنظمة المعالجة للنفايات التي تخلّفها، ودورة واحدة حول تسيير النفايات الخاصة والخاصة الخطيرة بحسب التعديلات التي جاء بها قانون تسيير النفايات الجديد المعدل والمتمم للقانون 19-01، وأربع دورات تكوينية لمكاتب الدراسات التي يُشترط عليها ذلك من أجل اعتمادها.
وقالت المسؤولة بأنّ دار البيئة تلعب دورا حيويا في تعزيز القدرات البيئية، وتختص بتطوير وتقديم تكوينات متخصصة للمؤسسات والمهنيين والجمهور، بهدف رفع الوعي، بناء الكفاءات، ودعم الاستدامة البيئية في مختلف القطاعات.
في سياق ذي صلة، انطلقت ولاية البليدة بشكل فعلي خلال الأشهر القليلة الماضية في تحيين المخططات التوجيهية لتسيير النفايات للبلديات التي مر عليها أكثر من 10 سنوات، حيث ستكون الجماعات المحلية ملزمة بموجب مخططاتها الجديدة بتشجيع الفرز الانتقائي لإشراكها في الاقتصاد التدويري، وهذا تكيّفا مع ما جاء به القانون الجديد لتسيير النّفايات.

إزالة التّلوّث وتهيئة المساحات الخضراء

زيادة على تضافر الجهود المبذولة في مجال تسيير النفايات الذي أصبح مجالا خصبا للاستثمار، وبالتالي سيوفّر مناصب عمل للشباب مما يٌقلص نسبة البطالة، فقد استفادت ولاية البليدة مؤخرا من أموال كبيرة تستغلها لتجسيد مشاريع إزالة التلوث، واستحداث مساحات خضراء بغرض تحسين جودة الحياة في المنطقة.
بداية من الشهر الجاري، ستنطلق عملية الغلق التدريجي المفارغ التي تلوث واد الحراش، بداية بمفرغة “ قارامان” في بلدية بوقرة، ثم مفرغة مفتاح ومفرغة بلدية الأربعاء والتي سيتم تهيئتها وتحويلها إلى مساحات خضراء، وكذا مركز الردم التقني في بلدية الصومعة الذي سيخضع للغلق وإعادة التهيئة، مع العلم شهد مؤخرا إنجاز محطة لمعالجة عصارة النفايات بهدف الحفاظ على باطن الأرض.
ولتنقية الأودية واستغلالها كفضاءات للتنزه والترفيه، استفادت ولاية البليدة أيضا من مشاريع انجاز محطات تصفية المياه المستعملة، بالإضافة إلى محطتي بلدية بوعينان والعفرون اللتان في طور الإنجاز، سيتم إنجاز محطتين في مفتاح وبوقرة لاستقبال النفايات السائلة الحضرية، ولهذا الغرض طلب مدير الموارد المائية لولاية البليدة إنجاز محطة جديدة للتصفية في بلدية موزاية في إطار إزالة التلوث عن حوض مزفران، ويندرج إنجاز هذه المحطات أيضا ضمن اقتصاد المياه وتدويرها في مواجهة التغيرات المناخية وشح الأمطار.
زيادة على ما سبق، فقد بذلك السّلطات المحلية جهودا لرد الاعتبار لعاصمة الولاية التي تحمل اسم مدينة الورود، وهذا بتهيئة بعض الحدائق العمومية لتكون متنزّها للعائلات، وتسهم في تحقيق التوازن الإيكولوجي، من بينها أيضا حديقة “بهلي” الواقعة في بلدية الصومعة والقريبة جدا من المدينة الجديدة بوعينان، والتي توفّر كل وسائل الراحة لزائريها.
ومع بداية السنة الحالية باشرت اللجنة الولائية لتنمية المساحات الخضراء وحمايتها، وهذا بغرض استحداث فضاءات طبيعية جديدة لاسيما على مستوى الأقطاب العمرانية الجديدة على غرار سيدي سرحان التابع لبلدية بوعينان والصفصاف وحوش الريح التابعين لبلدية مفتاح.
في الأخير، نشير إلى أنّ صدور قانون حماية الأراضي الفلاحية ثم قانون حماية أراضي الدولة، سيسمح بالتصدي لظاهرة تلويث الأودية من قبل السكنات الفوضوية، ومنذ دخول قانون حماية أراضي الدولة حيز النفاذ، قامت السلطات المحلية بهدم مئات البنايات المنجزة على عقارات تابعة لأملاك الدولة بإقليم ولاية البليدة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19785

العدد 19785

الخميس 29 ماي 2025
العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025
العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025
العدد 19782

العدد 19782

الإثنين 26 ماي 2025