يأخذ الخبز اليومي مختلف الأنواع والأشكال والألوان تلبية لأذواق الصائمين، خلال شهر رمضان الكريم، الذي يشهد أيضا تبذير هذه المادة الغذائية على نطاق واسع بولاية وهران، حيث انتشرت هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة.
ويضاعف الخبازون مثلهم مثل ربّات البيوت من مهاراتهم وإبداعهم لتحضير أنواع مختلفة من الخبز تزين بها طاولات الإفطار على غرار الخبزة العادية الطويلة وخبز السانوج والخبز الدائري والبريوش والمطلوع والخبز التقليدي «اغروم اقوران» وخبز الدار وغيرها من الأصناف التي يسّجل عليها إقبال كبير، خلال الشهر الفضيل.
ويشتري الصائمون عادة كميات كبيرة من الخبز كل يوم وهو ما يصعب فهمه. وتتجنب ربات البيوت والمستهلكون بصفة عامة شراء حصصهم من الخبز في الصباح حتى تبقى هذه المادة طازجة.
اقتناء 12 خبزة يوميا
يفضل المرء الانتظار إلى فترة المساء أو قبل ساعات قليلة من موعد أذان المغرب لشرائه إن بقيت المخابز مفتوحة وإن لم يكن الأمر كذلك يتم اقتناؤه عند باعة أسواق الحمري والمدينة الجديدة والأوراس (لاباستي سابقا)، الذين يوّفرون أنواعا مختلفة من هذه المادة سواء على الرفوف أو حتى على قارعة الطريق.
ويتضاعف سعر الخبز ليصل أحيانًا إلى 40 أو 50 دج للوحدة وهو ما يطرح تساؤلا عن الدافع وراء شراء المستهلكين لأرغفة أكثر من المعتاد. وتقول زكية وهي ربّة منزل: «علينا دائما أن نكون مستعدين لأي احتمال مثل قدوم ضيوف غير متوّقعين أو ومساعدة أحد الجيران».
أما بالنسبة لحليمة وهي موظفة في إدارة عمومية، فإن المشكلة مختلفة تمامًا: «في عائلتنا يعمل أربعة أفراد وعند العودة للمنزل، نهاية اليوم، يتوقف كل منا عند الخباز لشراء الخبز و ينتهي بنا الأمر باقتناء 12 خبزة يوميًا». وينتهي الخبز مع الأسف في القمامة حيث لا يوّد أي فرد استهلاك خبز اليوم السابق ولا حتى الأطفال، بحسب نفس المتحدثة.
ولا تعد حالة حليمة معزولة، إذ يكتشف عمال النظافة كل صباح عشرات الأكياس المليئة بالخبز ملقاة في القمامات وأسفل المباني وعلى الأرصفة. واعتبر عامل نظافة بحي ايسطو «أنه مشهد مؤلم لما نعلم أن هذه المادة الغذائية مدعمة من طرف الدولة».
الأرقام تتحدث عن نفسها، فقبل أيام قليلة نشرت وزارة التجارة بيانا أشارت فيه إلى أن» أكثر من 535 طن من الخبز أي أكثر من 1، 2 مليون خبزة قد تم تبذيرها خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 24 أفريل. وتقدر قيمة هذه الكمية بـ 20 مليون دج». ومن المرجح أن تعرف الأرقام منحى تصاعدي، خلال النصف الثاني، من شهر رمضان، وهي فترة معروفة بأنها تشهد استهلاكا واسعا وتبذيرا كبيرا.
تبذير يومي لـ 1.5 مليون دج
وقد تم تبذير خلال نفس الفترة -وفقا لذات البيان- 2.139.884 خبزة أي 45 طنا/في اليوم أو ما يعادل 178.323 خبزة. وتمثل هذه الكمية قيمة أكثر من 5، 1 مليون دج يوميا.
وتحتل وهران المرتبة السابعة في «القائمة المحزنة» للولايات الأكثر إهداراً للخبز بـ 108.200 خبزة تسبقها في ذلك كل من البليدة وبشار وتلمسان والجلفة وعنابة وتبسة. وتمثل هذه الظاهرة التي كانت غريبة على المجتمع الجزائري قبل سنوات قليلة «إستنزافا حقيقيا للاقتصاد الوطني والمال العام».
وذكرت وزارة التجارة في بيانها بأن الجزائر استوردت كميات كبيرة من القمح اللّين من أجل ضمان إنتاج الدقيق الموجه للخبازة. ففي عام 2019، كانت واردات القمح اللّين قد بلغت 5.800.844 طن من القمح أي ما يعادل 3 ، 1 مليار دولار.
حملة تناول الخبز باعتدال
وللحد من هذه الظاهرة، خلال شهر رمضان، انطلقت حملة وطنية تدعو المواطنين إلى «تناول الخبز باعتدال» و «تجنب إهدار الخبز». ويستهلك المواطنون هذه المادة على نطاق واسع وتظل ضرورية على الموائد الجزائرية في الأوقات العادية أو خلال شهر رمضان.
وبينت دراسة اقتصادية حديثة أن الجزائريين يستهلكون ما بين 500 و 900 غرام من الخبز يوميًا، بينما يتم رمي ما بين 150 و 200 غرام في القمامة.
وبوهران، شرع مركز فرز النفايات الذي افتتح قبل بضعة أشهر بحي «المدينة الجديدة» في استقبال المواطنين الراغبين في إيداع خبزهم غير المستعمل والقديم الذي سيوجه للاستهلاك الحيواني.
وتعتبر عملية الاسترجاع في حد ذاتها طريقة مهمة. ويدعو العديد من الأطراف والمتخصّصين إلى سلوك مناهج مختلفة للحد من هذه الظاهرة. ويشدّد البعض على ضرورة تشجيع ظهور ثقافة استهلاك جيد بعيدًا عن كل أنواع الهدر والإفراط فيما يرى آخرون أنه يجب إعادة النظر في سياسة دعم القمح اللّين وتدعيم أسعار بيع الخبز. ويطرح هدر هذا العنصر الأساسي في الوجبات اليومية للجزائريين بحدّة خلال هذه الفترة من الأزمة الصّحية وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني.