يشهد شهر الصيام هذه السنة بورقلة تزايدا محسوسا بالمقارنة مع السنوات الماضية في إقبال المواطنين على الشراء المفرط لمختلف المواد الغذائية إلى درجة الإسراف والتبذير، مما يساهم في إفساد المقاصد الروحية والاجتماعية لهذه الشعيرة الدينية.
خلال جولتنا بعاصمة الولاية، لاحظنا ندرة لبعض المواد ذات الاستهلاك الواسع سيما مادتي الزيت والحليب المقنّن، حيث أجمع العديد ممّن حدثناهم على أن هذه الوضعية التي تعود أسبابها لاحتكار بعض التجار والمضاربة بأسعار هذه المواد في السوق، مما يدفع بالمواطن إلى تكييف سلوكياته الاستهلاكية والشرائية بطريقة سلبية، بالشراء المفرط والمبالغ فيه للمواد الاستهلاكية وبكمية كبيرة تفوق غالبا حاجته، وذلك بغرض تخزينها خوفا من انقطاعها في السّوق، ناهيك عن ارتفاع مظاهر الإسراف والتبذير التي تتجلي في التخلص من المواد الغذائية في حاويات رمي النفايات.
ترشيد الاستهلاك
يرى رئيس الجمعية الولائية لحماية المستهلك، طارق شهبي، أن التسوق غير المدروس أو بما يسمى الإسراف في الشراء هو سلوك غير أخلاقي، لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الدنيوية فهو يدخل في عمل المبذرين، مشيرا إلى تبذير ما يقارب الـ 400 كيلوغرام من الخبز كمتوسط يومي، وفقا لإحصائيات المؤسسة الولائية لتسيير مراكز الردم التقني بورقلة.
وأكد في هذا الشأن، على ضرورة ترشيد الاستهلاك بما يتناسب مع ميزانية كل أسرة وتجنب كل مظاهر التبذير، موضحا بهذا الصدد «يجب علينا كمستهلكين التحلي بمسؤولية تصرفاتنا التسوقية، فالاستهلاك الظرفي أو اليومي هو الأمثل لترشيد نفقاتنا كما يجب علينا قبل دخول الشهر الفضيل تقسيم ميزانيتنا حسب احتياجاتنا الضرورية وتفادي اللجوء إلى الاستدانة التي تصل إلى حدود الـ 5 ملايين سنتيم كحد أقصى».
وفي هذا السياق، لجأت فعليا العديد من العائلات ذات الدخل المحدود والمتوسط بورقلة إلى الاستدانة كحل، من أجل تغطية تكاليف شهر رمضان المتزايدة ومع الارتفاع الرهيب المسجل في أسعار الخضر والفواكه والمواد الغذائية لهذه السنة.
وحسب آراء رصدتها «الشعب»، فإن مداخيل هذا الشهر تعتبر مضاعفة بثلاث مرات لارتباطها بالأسباب المذكورة سابقا وشراء لباس العيد وكذا مستلزمات تحضير حلويات العيد، بالإضافة إلى المصاريف العادية المرتبطة بحقوق الإيجار والفواتير والتي باحتسابها مجتمعة، قد يصل معدل ما تنفقه العائلات التي يتراوح عدد أفرادها بين 4 إلى 5 أفراد إلى حدود 10 ملايين سنتيم في المتوسط، حسب ما أكّده عدد من الذين التقيناهم.
لذلك، فإنّ لجوء بعض العائلات إلى الاستدانة إن وجدت وارد جدا، كما ذكر محدثونا، خاصة التي تعد من الطبقة المتوسطة الدخل والتي لم يعد مدخولها الشهري، قادرا على تغطية كل هذه المصاريف، وفي نفس الوقت لا يمكن اعتبارها من الفئات الهشة التي في حاجة إلى إعانتها خلال هذا الشهر الكريم.
الإقتصاد المنزلي
من جهة أخرى، يمر التصدي لظاهرة التبذير وإسراف المواطن في الشراء سيما في المواسم والمناسبات وشهر رمضان على وجه الخصوص، عبر «غرس مبادئ وقيم عقلانية تعتمد على تفعيل فلسفة اجتماعية تعيد الاعتبار للاقتصاد المنزلي»، كما أكّد أحمد بجاج أكاديمي متخصص في علم الاجتماع.
وأوضح الدكتور بجاج (أستاذ بجامعة غليزان)، أن التصدي لظاهرة التبذير يمر «عبر غرس مبادئ وقيم أخلاقية تعتمد على فلسفة اجتماعية تعيد الاعتبار للاقتصاد المنزلي وفق منطق الفرد الاقتصادي»، علاوة على «عقلنة الاستهلاك وطرق التدبير والادخار، عن طريق تكاتف جهود المنظومة التربوية والإعلامية والمجتمع المدني وكل الفاعلين ضمن تصور كلي ينسجم مع مقتضيات النهوض بالاقتصاد الوطني».
وأضاف أن مسألة معالجة موضوع الاستهلاك في الجزائر، يفرض علينا اعتماد مقاربات متعددة المداخل والأبعاد لاسيما، وإعداد دراسات وطنية اجتماعية-اقتصادية (سوسيو-اقتصادية) تساعدنا على فهم السلوك الاستهلاكي لدى الفرد والمحددات والعناصر التي تؤطر الممارسة الاستهلاكية عند الأسرة الجزائرية بشكل خاص.
وما يلاحظ على مستوى المجتمع الجزائري في رمضان، هو الاستجابة المنطقية للمواطن لتأثير الأعراف والتقاليد المتوارثة والتي تتجلى في الهوية الاجتماعية والدينية للمجتمع، يؤكّد الدكتور بجاج، مشيرا في الوقت ذاته إلى أننا نجد هذا السلوك الاستهلاكي يتكرر في عدة مناسبات دينية، مثل المولد النبوي الشريف وعيد الأضحى خاصة مع اقتناء كبش العيد ورمزيته، حيث يحرص الفرد الجزائري - كما ذكر - على توفيره رغم محدودية دخله وعدم قدرته الشرائية.
سلوك سلبي
كما تحرص الأسر ضمن عاداتها المتوارثة على الالتزام بالتجمعات العائلية، حفاظا منها على العادات الاجتماعية التي من شأنها المحافظة على الروابط الأسرية، خلال المواسم والمناسبات الدينية، يقول السيد بجاج، وهذا ما ينعكس غالبا - حسبه - على الإقبال المبالغ فيه على شراء مختلف المواد الاستهلاكية. ويغلب على الفعل الاستهلاكي لدى الفرد الجزائري الطابع اللاعقلاني والانفعالي العاطفي الناتج عن نمط الشخصية الجزائرية والتي تتميز بالطابع المزاجي والغموض وعدم الانتظام في مختلف الممارسات والأفعال حسب ذات المتحدث. وأشار في هذا الشأن إلى أن كل فرد في الأسرة، يريد أن تكون له مساهمة خاصة خلال شهر رمضان، في تشكيل مائدة الإفطار كنوع من إثبات الذات، مما ينتج عنه إفراط وتبذير، باعتبار أن هذا الشهر مناسبة لاجتماع كل أفراد الأسرة على مائدة موحدة لتناول وجبتي الإفطار والسحور.
وتتميز الممارسات الاجتماعية بسلوك استهلاكي سلبي غير عقلاني، لأن محددات السلوك الاستهلاكي، تصنعه القدرة الشرائية ونوع السلع والدافعية والرغبة، فضلا عن المكانة والمجال الاجتماعيين الذي ينتمي له الفرد المستهلك، حسب المتحدث.
وفي سياق آخر، نوّه الأكاديمي بجاج إلى الغموض في التصريح بمستوى الدخل وتعدد مصادر الدخل للأسرة الواحدة، وهذا ما يفسره الإقبال الكبير على السلع وتكديسها رغم ارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى غياب ثقافة استهلاكية قوامها حسن التدبير والاقتصاد المنزلي والادخار رغم أن البعد الديني الإسلامي.
وختم محدثنا بأنّ استهلاك المواطن الجزائري، الذي يبلغ ذروته خلال هذه المناسبات، بما فيها شهر رمضان، هو نتاج لطبيعة التنشئة الاجتماعية ونوعية العلاقات الأسرية المبنية على الاتكالية وغياب ثقافة الاقتصاد المنزلي التسيير الأمثل للميزانية، وفقا لإمكانات الفرد أو ربّ الأسرة.