حالة من اليأس والإحباط يعيشها سكان قرى بين الويدان غرب مدينة سكيكدة بسبب الظروف الاجتماعية المتردية التي مسّت كل مناحي الحياة، فخلال زيارة معاينة قامت بها ''الشعب'' للمنطقة، وقفنا على حياة البؤس والشقاء التي يكابد معاناتها السكان الذين عبروا عن تذمرهم لغياب تكفل حقيقي بمشاكل تعترضهم يوميا في غياب تام للسلطات المحلية.
مازالت مئات العائلات القاطنة بقريتي ''عين رويبح'' و''الطاحونة'' الواقعتان بأعالي بين الويدان غرب سكيكدة، تعيش حياة بدائية تطبعها العزلة والفقر المدقع، حيث يواجه هؤلاء السكان حياة قاسية، إذ ما زالت العائلات هناك تحتطب لأجل التدفئة والطهي عند فقدان قارورات الغاز، وكشفت جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى القريتين، عن مدى المعاناة التي يكابدونها يوميا، حيث لا يزالون يعتمدون على المقومات البدائية من أجل البقاء، وتبدأ معاناة المواطنين من الطريق الرابط بين عين رويبح ولعوينة ''المدرسة'' الذي أنهار تماما بسبب التقلبات الجوية وعدم التهيئة، وهو ما حال دون قضاء المواطنين حاجياتهم خاصة التزود بالغاز والمواد الغذائية من مركز البلدية، الأمر الذي دفع بالعديد إلى اللجوء للاحتطاب من أجل الطهي والتدفئة.
وقال لنا شاب ارتسمت على وجهه هموم الحياة أن كل شتاء تعزل قريتهم عن البلدية نظرا للامطارالتي تتساقط على المنطقة وتحوّل المسلك الريفي إلى برك وأوحال لا يستطيع حتى الراجلين السير عليه، فيما ذكر بعض ما تبقى من الشباب بالقرية أنهم يعيشون حياة بدائية خاصة في ظل غياب المقومات الأساسية للحياة.
أما فيما يخص الصحة، فإن القريتين تعتمدان على قاعة علاج واحدة، تقدم هذه القاعة الإسعافات الأولية فقط وبعض الخدمات كأخذ الحقن، مع غياب سيارة إسعاف، حيث تضطر أغلب الحوامل إلى وضع مواليدهن في المنازل لتعذر في كثير من الأحيان النقل للوصول إلى المستشفى وهو ما يعرضهن لخطر الموت، وما زاد من تذمر سكان القرية هو نقص المعدات الصحية في تلك القاعة الوحيدة لدرجة أنها لا تتوفر على أدنى الشروط الصحية، مما يحتم عليهم التنقل إلى القرى والمناطق المجاورة، ناهيك عن انعدام النقل في الليل، حيث يضطر البعض لكراء سيارات ''الفرود'' بأسعار خيالية، علما أن هؤلاء السكان تقدموا بشكاوى عديدة للسلطات المحلية والولائية، إلا أنها بقيت على حالها منذ أزمنة طويلة، مما جعلهم يناشدون السلطات الولائية عبر جريدة ''الشعب'' للاطلاع على الظروف التي يعيشونها، في انتظار تجسيد
مشروع المركز الصحي بقرية عين رويبح الذي يعرف تأخرا كبيرا في الانجاز، والبناية لم تستلم من المقاولة المكلفة بإنجازه.
توقف مشروع جلب المياه
ويطالب سكان عين رويبح السلطات المحلية بتوفير المياه الصالحة للشرب والإسراع في تجسيد المشروع لجلب المياه للقرية والذي يعرف توقفا غير مفهوم، وهذا المشروع التي وصلت تكلفته ٧٠٠ مليار سنتيم بداية الأشغال به كانت خلال سنة ٢٠٠٩، كفيل بتزويد المواطنين بهذه المادة الحيوية وهذا بعد المعاناة التي تطال العائلات في كل صائفة، حيث يلجأ الأطفال الصغار إلى قطع مسافات طويلة قصد جلب المياه بالطرق البدائية أو بالأيدي كآخر الحلول، والمتنقل إلى القرية يظن نفسه يعيش في عصور ما قبل التاريخ، سكان لا زالوا يعيشون حياة بدائية، يستعينون بالحيوانات ''بالأحمرة'' في توصيل مياه الشرب إلى سكناتهم، خصوصا وأن المشكل الرئيسي للقرية هو غياب هذه المادة الحيوية منذ زمن طويل.
ومعضلة المياه التي يبدو أن حلها سيطول في ظل صعوبة التضاريس وتوقف المشروع الأمل في حين ورغم كل هذه النقاط يرى السكان أن التزود بماء الشرب من حقهم المطالبة به وعلى السلطات تجسيد الوعود، خصوصا وأن تكاليف جلب الصهاريج أثقلت كاهلها عند كل موسم صيفي أين يقل تدفق مياه المنبع المائي، ليصل ثمن الصهريج الواحد ١٢٠٠ دينار جزائري، والتي ليست في متناول الجميع، فهم مجبرون على اقتنائها، مما أثقل كاهل العائلات المعوزة وتخوفاتهم من استمرار هذا المشكل، خاصة خلال فصل الصيف أين يكثر الطلب على هذه المادة الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
للوضعية المزرية التي تعيشها تلك القرى المتناثرة هنا وهناك بأعالي بين الويدان، أقدم فيما سبق العشرات من شباب القرى على شل الحركة في الطريق الوطني رقم ٤٣ الرابط بين ولايتي جيجل وسكيكدة، وهذا احتجاجا على غياب التنمية الحقيقية في هذه القرى ووعود المسؤولين التي لم تترجم بالرغم من كثرة الاحتجاجات في المنطقة، ومطالب المحتجين شملت مناقشة وضعية الطرقات الكارثية في قرى البلدية والتي تحولت إلى نقاط سوداء، خاصة وأن المواطنين يجبرون على حمل مرضاهم على الأكتاف، كما أن أبناءهم يمنعون أثناء تساقط الأمطار على الالتحاق بالمدارس في ظل تحول كل الطرقات إلى خنادق يرفض أصحاب عربات النقل العمل في هذه.
أزمة مواصلات حادة في القرى والمداشر
أضحى الغياب شبه الكلي لمختلف وسائل النقل الجماعي والعمومي والمدرسي ببلدية بين الويدان خصوصا بمداشرها وقراها المتباعدة، يثير استياء وغضب السكان القاطنين بتلك القرى، على غرار ''عين الرويبح''، ''برج القائد''، ''الطاحونة''، ''رابح مطاطلة''، فلا حديث وسط هؤلاء سوى عن النقل وكيفية التنقل نحو المناطق الأخرى، وكيفية وصول التلاميذ إلى مدارسهم والعمال إلى عملهم، ومشاكل أخرى لا تعد ولا تحصى خاصة بالنقل ومتاعبه اليومية، والوسائل النقل الموجودة على مستوى القرى تتمثل في ''الفرود'' وتكاليفه الباهظة.
ويعاني مواطنو عين الرويبح من أزمة خانقة في المواصلات باتجاه عاصمة البلدية، في ظل انعدام وسائل لنقل المسافرين والتي تبلغ إلى حد الآن ٠٣ حافلات مخصصة لقريتي الطاحونة وعين الرويبح، فإن مواطني هذه القرية يجدون أنفسهم أمام مشكلة كبيرة، خاصة بالنسبة للعمال والموظفين، حيث يضطرون إلى البقاء ساعات طويلة بالمواقف، ينتظرون قدوم الحافلات من الطاحونة أو القادمة من بلدية عين قشرة، أو من خارج الولاية، والتي غالبا ما تكون مليئة بالركاب.
كما يواجه سكان التجمع السكني ''لعوينة'' مشكل حاد بخصوص النقل المدرسي لتلاميذ المدارس المتوسط والثانوية على مستوى ذات البلدية، ويبقى مشكل النقل المدرسي مطروحا بشدة بهذه البلدية، حيث تحصي العديد من التلاميذ بمختلف الأطوار هم بحاجة إلى النقل المدرسي، على مسافات متباعدة منها نقل التلاميذ من بعض القرى على مسافة ٧ كيلومترات، وآخرون يقطنون بأحياء بعيدة بـ ١٠ كيلومتر، في حين أن أغلب تلاميذ تلك القرى يعانون كثيرا خاصة وانه يصعب توفير النقل المدرسي في أوقات موحدة من جهة أخرى يجد الكثير من الأطفال المتمدرسين معاناة يومية في تنقلهم على مسافات طويلة في أوقات مبكرة خلال فصل الشتاء قبل طلوع النهار، وسط المخاوف على مصيرهم، حيث طالب السكان السلطات المحلية والولائية مساعدتهم لإيجاد حلول أو تدعيم النقل المدرسي بها، تجدر الإشارة إلى أن بلدية بين الويدان تحاول التفرغ لهذا المشكل حتى تريح التلاميذ الذين تحولت حياتهم على جحيم، خاصة خلال فصل الشتاء أين يتعذر على تلاميذ الإبتدائيات الذهاب على مدارسهم، مما يؤدي بهم على تضييع الحصص التي يأخذونها من أصدقائهم بعد توقف الشتاء .
وفي السياق ذاته، أشار محدثونا من الشباب الذين التقينا بهم، إلى أن نقص وسائل النقل المدرسي بمنطقتهم كبّدهم معاناة كبيرة ناجمة عن رحلتهم الطويلة في البحث عن وسيلة أخرى للالتحاق بمقاعد دراستهم على غرار مركبات نقل المسافرين التابعة للخواص بالرغم أن ذلك يكلفهم مصاريف إضافية، التي تشهد هي الأخرى نقصا فادحا.
من ناحية أخرى، طالب المحتجون الجهات المعنية بالتعجيل في توفير وسائل النقل المدرسي مع الحرص على ضرورة أن تكون مخصصة فقط للتلاميذ القاطنين بعين رويبح، تفاديا للصعوبات الكثيرة الناجمة في الوقت الراهن عن مشكلة الاكتظاظ الذي تعرفه الوسائل المعتمد عليها حاليا، وذلك ـ بحسبهم ـ بحكم أن وسائل توفير هذه الخدمة حددت انطلاقتها من قرية الطاحونة مرورا بوسط قريتهم، حيث أنها بوصولها إلى مقر سكناهم تكون شبه مكتظة، الأمر الذي يحول دون وجود متسع لهم.
وبالإضافة إلى المشكل المطروح، ألح سكان المنطقة، على السلطات البلدية، تخصيص مطعم لتلاميذ الابتدائية ''بخندق شاو'' وتقديم وجبة كاملة للأطفال فالكثير منهم من عائلات فقيرة، لأنه في الوقت الحالي تقدم وجبة شحيحة وباردة لا تفيد الأطفال الصغار، وضرورة بناء مواقف تقي الأطفال والنساء من تغيرات الطقس وتحافظ على أرواح المواطنين، حيث لاحظنا أثناء تنقلنا بين القرى المعنية عدم وجود تلك المواقف على الإطلاق.
الطرقات الرابطة بين مختلف القرى مهترئة
إلى جانب ذالك لا تزال معاناة مستعملي الطريق سواء كانوا سائقين أو راجلين من اهتراء شبكة الطرقات، وذلك منذ عهد طويل، رغم الجهود الحثيثة للسلطات المحلية من أجل إعادة تهيئة وترميم هذه الشبكات المهترئة الواقعة على مستوى قرية ''الطاحونة''، ''برج القايد''، الذي يوجد في طور التجديد إلا أن الأشغال طالت، وطالت معها معاناة المواطنيين، عند الصحو من الغبار المتصاعد وعند الأمطار لتحوله إلى مستنقعات وبرك مائية، وضعية جد متدهورة نتيجة اهتراء الأرضية والأرصفة وانعدام الزفت بالطريق المؤدي إلى ''لعوينة'' انطلاقا من عين رويبح، إذ غالبا ما تتشكل حفر ممتلئة بمياه الأمطار.
وأنت تنتقل بين مختلف قرى بلدية بين الويدان ''عين رويبح''، ''الطاحونة''، ''برج القائد'' وغيرها، ينتابك شعور وأنت ليس في ولاية ساحلية من أغنى الولايات، بل ينتابك شعور كأنك تعيش في الماضي، فلا طرق معبدة ولا مساحات غابية مهيأة، كما هو الحال في أعالي لعوينة أو كما تعرف بـ ''خندق شاو'' أين صعب التنقل لها للطريق الضيق والذي يوجد في أسوء حالة للحفر الكبيرة التي تزينه من كل جانب، حيث يجبر السكان على السير راجلين لمسافات طويلة تقارب ٣,٥ كلمتر.
وفي هذا الشأن، عبر بعض المواطنين عن استيائهم الكبير جراء انعدام التهيئة بالقرية، مما نتج عنها تراكم مشاكل يومية كثيرة، هذه المعاناة التي وقفنا عليها لدى مواطنين قاطنين بذات المنطقة والذين كانوا في حالة غضب واستياء شديدين، حيث أكد أحدهم أنهم سئموا الوضع الراهن، مؤكدين أنهم يريدون تحسين ظروفهم المعيشية من الأسوأ إلى الأحسن، وذلك من خلال وضع حد للحالة المزرية للممرات داخل المنطقة، التي وصفوها بأنها لا تصلح حتى للسير على الأقدام بسبب الحفر العميقة التي غزتها خاصة في فصل الشتاء أين تتحول إلى برك مائية يصعب السير فيها، مما صعّب من عملية التنقل لاقتناء ضروريات الحياة، مطالبين في الوقت نفسه الجهات المعنية بضرورة التدخل العاجل لإنهاء معاناتهم مع التهيئة، خاصة أمام التطورات الحاصلة التي تعرفها البلاد.
البطالة كابوس ينغص حياة شباب المنطقة
يشكو سكان المنطقة من انعدام فرص العمل، جعلت من البطالة شبحا يلازم أبناءها نظرا لغياب فرص للتشغيل، وأمام انتشار الفقر وغياب مناصب العمل اضطر عدد من هؤلاء إلى قوارع الطرقات والشيء الذي ساهم في تنامي مثل هذه الظواهر هو غياب مختلف المرافق الرياضية والترفيهية التي من شأنها الترفيه عنهم والقضاء على الفراغ، خاصة وأن أغلبهم يقضون أوقاتهم بين المقاهي والجلوس على حواف الطرقات في ظل غياب مثل هذه المرافق.
هذا وتبقى فئة الشباب بقرية عين رويبح عرضة للآفات الاجتماعية والانحراف بسبب ارتفاع نسبة البطالة في المنطقة والتي وصلت إلى نسبة ٨٠ ٪، حيث يعاني الشباب من انعدام فرص العمل الشيء الذي جعلهم ينصرفون إلى استغلال أراضيهم الفلاحية بغية الاسترزاق، الشيء الذي أثار سخط وغضب هؤلاء الشباب الذين أكدوا بأنهم ملوا قساوة البطالة وتدهور المعيشة مناشدين السلطات الولائية لمساعدتهم، وقال أحدهم: ''إننا من هذا الجانب في صمت قاتل ففرص العمل بالقرية أو بمركز البلدية نادرة، مما يحتم علينا البحث عن العمل بعاصمة الولاية أو خارجها''.
ومشكلة البطالة لم تعد مقتصرة على فئة الشباب فحسب بل طالت حتى فئة الكهول والشيوخ الذين وجدوا أنفسهم في تقاعد دون حتى أن يستفيدوا من معاش يحفظ لهم كرامتهم في هذه السن المتقدمة، ليس لأنه لم يعمل بل لأنه كان يقتات من أشغال يومية حتى يهرب من جحيم البطالة وشبح العوز والجوع وهو على أمل أن يجد عملا دائما، لكن السنين تمر ليصطدم بواقع مرير.
طالب السكان تدعيم الإنارة الريفية التي لا تزال العديد من المداشر والقرى محرومة منها، الأمر الذي يؤثر سلبا على ظروف قاطنيها، وحسب ممثلي هؤلاء السكان فإنهم يواجهون صعوبات كبيرة في التنقل خلال الفترات الليلية بسبب غياب هذا المرفق عن مختلف الشوارع والطرقات. ولعلّ ما زاد الطين بلة إلى جانب الظلام الدامس، صعوبة تضاريس المنطقة الجبلية المعروفة بكثرة المرتفعات والمنخفضات، زيادة على انتشار الكلاب الضالة والحيوانات البرية التي تشكل خطرا كبيرا على هؤلاء السكان، خاصة الأطفال منهم أثناء فصل الشتاء عندما يتوجهون باكرا إلى مقاعد الدراسة.
ولا يزال مشكل السكن بـ ''ببين الويدان'' يطرح بحدة للبرامج الشحيحة التي استفادت منها المنطقة، حيث كشف السكان أن أقل من ١٦مسكن ريفي فقط منحت في إطار برنامج البناء الريفي بعين رويبح، وهذا بالرغم من وجود الأراضي الصالحة للبناء ملك لطالبي هذا النوع من البناء.
وتعددت انشغالات سكان عين رويبح من المطالبة بتهيئة المسالك المؤدية إلى حقولهم للتمكن من العمل بها، وتسهيل تحصيل مزروعاتهم، وتهيئة الملعب بالطاحونة الذي يجمع شباب القريتين ويخفف عنهم من المعاناة اليومية المستمرة، واستكمال بناء المسجد بالقرية في ظل استمرار غلق المسجد الآخر بمنطقة خندق شاو منذ الأزمة التي مرت بها المنطقة والجزائر بصفة عامة، إلى انشغال السكان الذين التقت بهم ''الشعب'' حول وضعية المقبرتين بالقرية، ''بو الريش'' و''بوملال'' ومطالبة البلدية في الإسراع لتسيجهما وتهيئتهما.