شـــــــــــــلال عــــــــــين تقـــــــــــورايــــت وجهـــــــــــة ترفيهيـــــة بتيبــــــــــــازة

تيبازة: علاء ــ م

معلم أنجبته أسطورة وغذّته الثّقافة الشّعبية

 لا يزال شلال عين تقورايت بولاية تيبازة يتدفق منه ماء عذبا يجلب الزوار منذ عدّة قرون، حيث يستقطب الباحثين عن الراحة والطمأنينة خارج بيوتهم، بالرغم من الإهمال الذي طاله، ويبقى هذا المعلم السياحي رمزا في عين تقورايت الهادئة، التي تستهوي كل عابر للمنطقة، حسب ما أدلى به بعض العائلات لـ «الشعب» بعين المكان.

وحسب المشرفين على المنطقة، فإن  شلالات عين تقورايت إلى وقت قريب كانت ضيعة مهجورة وغير مستغلة على الإطلاق، بالرغم من قيمتها التاريخية والتي ترتبط بنشأة المدينة، وقليل من أبناء مدينة عين تقورايت من يدرك حقيقة نشأة هذه البلدة الساحلية الهادئة، إلا أنّ فريق من الباحثين أخذ على عاتقه مسؤولية تثمين الإرث التاريخي والسياحي للمنطقة، لجعلها مزارا مقدسا للباحثين عن الراحة والاستكشاف، والبحث في مخلفات التاريخ البشري للمنطقة.
 وبالنظر إلى أهميته التاريخية والطبيعية والثقافية، فقد حظي الشلال منذ سنتين تقريبا بعملية تهيئة شاملة من قبل السلطات المحلية التي خصصت غلافا ماليا قدر بـ 9 ملايين دينار بهدف تهيئة الموقع وتنظيفه من الأحراش والنباتات غير المرغوب فيها.
إضافة الى انجاز أماكن للراحة وأخرى للعب بوضع مسالك آمنة للتنقل على الأقدام في ظروف مريحة، كما استفاد الشلال من عمليتي تهيئة وتنظيف خلال بداية الألفية، الا أنّ ذلك بقي دون مستوى التطلعات باعتباره إرثا تاريخيا وثقافيا يستوجب الحماية والرعاية، ومن ثمّ فقد سعى المجلس البلدي الحالي لدى الجهات الوصية للحصول على غلاف مالي معتبر، يمكّن من تهيئة شاملة للموقع يتناسب مع بعده التاريخي المرتبط بنشأة المدينة، لتتحول منطقة الشلال اليوم الى مزار آمن للعائلات والباحثين عن الراحة على مدار السنة للاستمتاع بالهواء النقي، الذي توفره الأشجار الضخمة التي تغطي الموقع، وتوفر به ظلالا للزوار لحمايتهم من أشعة الشمس الحارقة.
 وما يلفت للانتباه أن مشروع التهيئة أخذ في الحسبان نصب ألعاب للأطفال يستمتع بها أبناء العائلات القادمة من كل حدب وصوب، ناهيك عن بناء حواجز مائية لحجز مياه الشلال لغرض الاستجمام، مع الإشارة الى أنّ ذات المياه لا تزال تتدفق طبيعيا وتسيل عبر مجار طبيعية بأعالي المدينة قبل أن تصب في مجاري المياه المستعملة عبر المحيط العمراني المحلي.

حكايات من زمن مضى

حسب ما علمناه من ألسنة أهل المدينة الغيورين عليها من فئة الأعيان والنخبة، فإنّ تسميتها تنحدر من قبيلة كانت تقيم في شنوة خلال العهد العثماني الذي سبق فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث مرضت ابنة زعيم القبيلة المكناة «تقورايت» من عينيها فاضطر أبوها الى مرافقتها الى منطقة بوفاريك من أجل علاجها مرورا بناحية عين تقورايت المهجورة، ولما جنّ عليهم الليل على مقربة من الشلال استقرّ الجمع هناك وأقاموا خيمتهم التي قضوا بها الليلة، ولما قامت البنت المريضة في الصباح لتغسل وجهها بماء الشلال عاد إليها البصر وذهب عنها الألم فشفيت بقدرة قادر، ومن حينها أقيم بالموقع ضريح ولي صالح سمي بـ «40 وليا»،
وأضحى على مرّ الزمن مزارا لأهل المنطقة لتسمى بعدها بـ «عين تقورايت» نسبة الى «تقورايت» التي شفيت من مياه الشلال هكذا تقول الأسطورة، غير انّ المستعمر الغاشم الذي حلّ ببلادنا غازيا محتلا عمد الى تغيير اسم المدينة الى «بيرار»، الذي يمثل في الأصل اسم أحد الجنرالات الفرنسيين المارين بالمنطقة، وذلك نكاية في أهل البلد لطمس هويتهم الا أنّ ذلك لم يدم أكثر من فترة إقامة المعمرين ببلادنا، بحيث استعادت «عين تقورايت» تسميتها السابقة قرنت نفسها بتاريخ المنطقة الذي يفتخر به أبناءها لانهم يدركون كل الإدراك بأنّ شلالات المدينة التي تم إهمالها عبر عدة عقود من الزمن تشكّل في الواقع الوجه السياحي والتاريخي للمنطقة، لاسيما وأنها لا تبعد كثيرا عن وسط المدينة، ولا تزال تحتفظ بقدر كبير من مكنوناتها الطبيعية والجمالية الخلابة.

بين الحقيقة والخيال

ويروي لنا أكبر معمر بعين تقورايت والمدعو «عبد القادر زفان»، ولد عام 1918، رواية أخرى عن نشأة المدينة وفقا للمنظور الفرنسي الذي تم تداوه منذ القرن التاسع عشر، بحيث أسرّ لنا بأنه سمع رواية عن احد المعمرين الفرنسيين جاوز سنه الثمانين حينما كان عمره 12 سنة، مفادها أن القائد الفرنسي «بيرار» حلّ بالمنطقة مباشرة بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر ليضع حجر الأساس لبناء القرية واقترح لها هذا الاسم عقب لقائه بامرأة هناك تدعى «تقورايت» بعد أن طلبت منه ذلك، الا أنّ طلبها قوبل بالرفض بحكم سيطرة الفرنسيين على الموقف، ولما التحق الفرنسيون بالشلال وجدوا هناك شخصا يقرأ كتابا في التاريخ فعرضوا عليه أمر تسمية الشلال، فأشار الى مصطلح «المذيهبات»، وتعنى أن المنطقة مدفون بها 40 وليا بمعية أختهم ومن ثمّ فقد جاءت تسمية «كصكاد» المشتقة أصلا من عملية حسابية بسيطة يتم من خلالها الانتقال من العشرة الى الأربعين، ويبقى القاسم المشترك ما بين الروايتين يكمن في وجود 40 وليا هناك حسب الاعتقاد الشائع لدى الأجداد، وهو ما يفسر الزيارات التي يقوم بها سكان المنطقة منذ سنين، وما جاورها المنطقة منذ سنين طلبا للشفاء حسب مزاعمهم.
  في هذا السياق، كشف عمي «عبد القادر زفان» بأنّ كل أبكم وأعمى زار الشلال وتبرّك بمياهه أضحى سالما معافى، ناهيك عن التحاق العديد من النسوة اللواتي أبطأ أبناؤهنّ الصغار في عملية المشي على الأقدام، حيث ترسخ في الاذهان بأن مياه الشلال يشفي من جميع الاسقام ودون استثناء.
ويروي الشيخ «عبد القادر زفان» في هذا الشأن حكاية طريفة كان قد عايشها بنفسه خلال فترة الأربعينيات، مفادها إقدام حارس البلدة على محاولة حرق بعض النباتات الشوكية بجوار الشلال ذات يوم، فانزلق
وسقط وتكسّرت يده، فلما عرض الأمر على أحد أعيان البلدة نصحه بإطعام مساكين القرية بنية وإخلاص للإفلات من العقاب بسبب اللعنة التي تلاحقه، وبمجرد قيامه بذلك شفي من يده بقدرة قادر، إلا أن الحادثة
وبالرغم من أنها لازالت تروى على لسان السكان الا أنها تبقى أقرب الى الطرافة منها الى الواقع.   
ورغم كل ذلك يبقى شلال عين «تقورايت» إرثا تاريخيا وثقافيا هاما، وحظيرة طبيعية خلابة تستقطب الزائرين وتستهوي الفضوليين الراغبين في التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي يزخر بها هذا المعلم السياحي الذائع الصيت عبر الوطن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024