لا توجد مظاهر عامة شاملة لشهر الصيام في أمريكا، وإنما تقتصر الأجواء الرمضانية على حياة المسلمين الشخصية وعلى المساجد والجماعة وربما تكون أقوى حضوراً في المناطق التي تتواجد فيها جالية إسلامية كثيرة العدد.
فأجواء رمضان تتجسد هناك من خلال الصحبة والإفطار الجماعي، الفرصة الوحيدة للشعور بما يشعر به الإنسان على مائدة الإفطار اليومية خلال شهر رمضان قبل الهجرة إلى تلك البلاد .
وتظهر أجواء رمضان بشكل واضح في المدن الكبيرة مثل مدينة شيكاغو، فحضور الشهر هناك يكون أفضل للمرء لكون الجالية المسلمة فيها كبيرة العدد وشيكاغو فيها عشرات المساجد الكبيرة التي تزدحم بشكل كبير أثناء صلاة التراويح حتى تكاد لا تجد فيها موضعاً لقدم، ويستطيع أي عابر خارج المسجد الشعور أن هناك احتفالاً أو مناسبة خاصة، فالموقف التابع للمسجد مليء بالسيارات بشكل غير طبيعي ما يستوجب وجود رجال كل مهمتهم تنظيم حركة ووقوف سيارات المصلين وجميع المساجد التي تنتشر في شيكاغو تقدم إفطاراً مجانياً جماعياً، فتجد المصلين يفطرون معاً بعد الأذان وقبل أداء صلاة المغرب ومن ثم فإن الحضور الرمضاني يكون قوياً.
كذلك يشعر المرء بالأجواء الرمضانية بشكل كبير في المطاعم العربية في وقت الإفطار، حيث تجد صحبة كبيرة، وكثير من رواد المطعم الصائمين يفطرون معك.
ولعل الأجواء الرمضانية في أمريكا باختصار الغلبة الواضحة لمفهوم «الجماعة»، أي مشاركة جماعة كبيرة من حولك في سلوك واحد، الصيام في وقت معين والإفطار في وقت معين. والحق أن هذا الجو الجماعي يميز الحياة اليومية للمسلمين بشكل عام، غير أنهم لا يمارسونها بهذا الوضوح وهذه الكثافة إلّا في هذا الشهر، والجدير بالذكر أيضاً أن جماعة المسلمين أضافت سنناً جديدة للمشاركة الجماعية في هذا الشهر، من قبيل البرامج والمسلسلات المسلية والإصرار على الانتقال بالمعدة بشكل فجائي من حالة الخمول والخلو الكامل من الطعام إلى حالة النشاط البالغ في محاولة هضم خليط من الطعام والحلوى والفاكهة والحليب والتمر في وقت واحد.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء نجد أن الإسلام دخل إلى المجتمعِ الأمريكي عن طريقِ المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا والدول الإسلامية الآسيوية، وأخذت الأجيال الأولى تنجب أجيالاً ثانيةً، ومن ثمَّ تكاثر المسلمون في المجتمع الأمريكي وخاصةً مع بدء اعتناق الأمريكيين الأصليين للدين الإسلامي، الأمر الذي جعل الإسلام الدين الأكثر نموًا في الولايات المتحدة. وحاليًا تنشط على الأراضي الأمريكية العديد من المنظمات والمؤسسات الخيرية الإسلامية، من أهمها مجلس تنسيق العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير»، وكذلك «مؤسسة القدس»، وكل هذه المؤسسات تعمل على خدمةِ المسلمين على المستويات الاجتماعية والسياسية أيضاً.
ويحتفظ المسلمون المقيمون في المجتمع الأمريكي بشكل عام، سواء ممن يحملون الجنسية الأمريكية أو غيرهم، بالعادات والتقاليد الإسلامية خلال شهر رمضان، فكل أسرة تحمل تقاليدَ مجتمعها، وتعمل على إحيائها في بلادِ الغربةِ، فعلى سبيل المثال لاتزال الأُسر تحرص على التجمعِ على مائدةٍ واحدةٍ للإفطار والسحور معاً، من أجلِ تقوية العلاقات بين جميع أفرادِ الأسرة والمجتمع الإسلامي هناك عامة بالإضافة إلى طهي أنواع الأطعمة المختلفة والمشهورة.
كذلك يشهد هذا الشهر إقبال المسلمين على الصيام، الأمر الذي يُشير إلى الدفعةِ الروحية التي يُعطيها الصيام للمسلمين داخل وخارج أوطانهم، كذلك تمتلئ المساجد بالمصلين وخاصةً صلاة التراويح، إلى جانبِ تنظيم المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية العديدَ من الأنشطة التعريفية بالصيام وفضله وبالإسلام عامة، فيتحول شهر رمضان الكريم إلى مناسبةٍ دعويةٍ إرشاديةٍ للمسلمين وغير المسلمين، كما تنظم المساجد مسابقات للأطفال في حفظ القرآن الكريم، ويلاحظ أن «صلة الأرحام» من أحب العادات التي يحييها المغتربون من المسلمين في أمريكا، حيث يتم التواصل مع الأهل في الوطن الأصلي عبر الهواتف وتبادل الأحاديث معهم، وتفقد احتياجاتهم وإدخال السرور على نفوسهم.
ومن مظاهر تفاعل المجتمع الأمريكي عامةً مع الشهر الكريم اهتمام وسائل الإعلام بحلولِ الشهر، ونشر الصحف مواعيد بدء الصيام، وكذلك نشر المواد الصحفية الخاصة بالشهر من عادات وتقاليد المسلمين وأشهر الأكلات التي تنتشر في أوساط الجالية الإسلامية، كما غدت العادة أن يهتم الرئيس الأمريكي بدعوة المسلمين إلى «البيت الأبيض» في أول الشهر الفضيل وذلك وفق ما ينص عليه الدستور الأمريكي من احترامِ للعباداتِ والأديانِ كلها من دون تفرقة.
وعلى مستوى الأفراد بدأ الأمريكيون من غيرِ المسلمين التعرُّف إلى الصيامِ والعبادات الإسلامية، الأمر الذي يُعطي صورةً عن تقديم المسلمين الأمريكيين نموذجاً جيداً للدين الإسلامي، ما جعل الإسلام بالفعل الدين الأكثر انتشاراً ونمواً، ونتيجة لزيادة عدد المسلمين في الولايات المتحدة سواء كانوا من المهاجرين أو من أبناء الدولة، قامت الحكومة بمراعاة ذلك حيث خصصت المدارس قاعات خاصة لطلابها المسلمين خلال فترات الاستراحة بعيدة عن غرف تناول الطعام، يستخدمها الطلاب المسلمون للقيام بأنشطة مختلفة مثل دراسة التاريخ الإسلامي ومناقشة العبرة من الصيام فيما بينهم بدلًا من تناول طعام الغداء مثل زملائهم.