مشكلة تعود مع كل موسم دراسي

المرأة العاملة ورحلة البحث عن مربية لرعاية أبنائها

فتيحة/ك

مع كل دخول مدرسي، تبدأ الأم العاملة رحلة بحث مضنية لإيجاد المكان الآمن لبقاء ابنها المتمدرس مابين الفترة الصباحية والمسائية، حالة من الخوف والهلع تعكس في جوهرها هشاشة الروابط الأسرية للعائلة  التي أصبح  الواحد منها لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية، وضع منح الفرصة الذهبية لمربيات يلهثن وراء المال ولا شيء غيره.

في الاستطلاع التالي جمعت “الشعب” أراءً مختلفة لسيدات عشن الأمرين بسبب هذه المشكلة، نقلتها لكم في هذه السطور لتتساءل في الأخير عن سر الجفاء والقسوة اللذان أصبحا يسيطران على علاقاتنا الإنسانية بكل تفاصيلها.

عطلة غير مدفوعة الأجر ....آخر الحلول المتوفرة
“كريمة –ب” إلتقتها “الشعب” أمام المدرسة الابتدائية “علي عمار” بالجزائر الشاطئ تنتظر خروج ابنها، فتحت قلبها لنا وقالت:” منذ سنتين أصبح  مشكل الفراغ ما بين الفترة الصباحية والمسائية أكبر هم يؤرقني، فقبل تمدرس ابني كنت أتركه في الروضة ولكن بمجرد التحاقه بالمدرسة صرت مرغمة على أخذ عطل مرضية في كل مرة أجد نفسي أمام هذا المشكل”. وتستطرد قائلة:” في العام الماضي  استفدت من عطلة غير مدفوعة الأجر رغم حاجتي إلى المال ولكن ابني قبل كل شيء، خاصة وأنها كانت سنته الأولى في المدرسة ولابد له من رفيق يأخذه ويعيده من وإلى المدرسة، المشكلة هذه السنة أن الإدارة في مقر عملي رفضت منحي عطلة أخرى غير مدفوعة الأجر بدون سبب محدد ومعين، لذلك وجدت نفسي في حيرة من أمري  فلجأت إلى العطلة المرضية لأبحث لإبني عن مكان آمن يبقى فيه وقت الفراغ بين الدوامين”.
وهنا تضيف قائلة:” وبالفعل عند سؤالي وبحثي وجدت سيدة تسكن أمام المدرسة تحتفظ بالأطفال المتمدرسين بالسنة الأولى، الثانية والثالثة مقابل مبلغ مالي يقدر بـ 3000دج، وهي مديرة مدرسة متقاعدة يشهد لها بالأمانة، ولكن رغم ذلك أجدني خائفة ومترددة في ترك ابني عندها لأن الأمر لا يتعلق بها وحدها، بل حتى بأفراد عائلتها والمحيط الذي تنتمي إليه، ومدى ملاءمته ليكون صحيا لبقاء ابني وسطه، هذه الدوامة من الأسئلة تسرق النوم من عيني وجعلتني إلى اليوم الذي أتحدث فيه معكم غير قادرة على اتخاذ قرار لحسم الأمر، ولكن أصدقكم القول بأني أفكر جديا في ترك عملي والتفرغ لبيتي وابني لأنه أول اهتماماتي وأخرها”.
...8000 دج للرضع و6000 دج للمتمدرسين
“نصيرة - ب” ماكثة بالبيت وتعمل كمربية في منزلها سألتها “الشعب” عن الموضوع فأجابت قائلة:”بسبب الحاجة وضعف راتب زوجي أصبحت مربية رغما عني منذ ما يقارب العشر سنوات، في البداية كنت أعتني بالرضع بمقابل لا يتعدى الـ2000دج، أما اليوم فقد ظهر مشكل آخر يتعلق بالطفل المتمدرس الذي أصبح لا يعرف أين يذهب عند خروجه من المدرسة، حيث فتحت باب منزلي أمام طفل ابن جارتي الذي يزاول دراسته في الإبتدائي لرعاته وتقديم وجبة الغداء له ثم يضطر زوجي لمرافقته من وإلى المدرسة”، استفسرنا عن عدد الأطفال الذين تسهر على رعايتهم فقالت:” هم ستة بين رضع ومتمدرسين، الفارق بينهما السعر الذي يصل بالنسبة للرضع إلى 8000 دج خاصة وأنني أقوم بتغير الحفّاظات وأطعمهم وأغير ملابسهم أي أنهم يعتمدون علي بصفة كلية أما الأكبر سنا  فتقتصر رعايتهم على تحضير الطعام ثم أبقيهم تقريبا لمدة الساعتين في منزلي أي فترة الفراغ بين الدوامين الصباحي والمسائي”.
تكاليف الروضة تجعل المربية أفضل الحلول
وعن سبب لجوء السيدات إلى النساء الماكثات بالبيت دون الروضة من أجل رعاية أبنائهن تقول السيدة “ كاميليا- ش” معلمة بمدرسة “حسيبة بن بوعلي” بحي نسيم البحر ببرج البحري:” كثيرا ما يقف السبب المادي وراء هذا التصرف، ففعندما التحق ابني البالغ من العمر أربع سنوات أرغمت على دفع 17000دج جزائري لمسؤولة الروضة، فيما كلفني ثمن الكتب مبلغ 4000 دج، مقابل 9000 دج كأجر شهري بالإضافة إلى المبلغ المخصص للنقل يصبح 11000دج، هذا المبلغ لا يمكن لأي شخص أن يدفعه كل شهر، لذلك يفضل بعض الأولياء وضع أبنائهم عند جارتهم أو إحدى معارفهم بثمن أقل”، وعن سلبيات هذا السلوك تشرح كاميلياـ ش:” الملاحظ أن الطفل الذي يبقى في المنزل عند مربية يكون مهددا باكتساب الكثير من العادات السيئة كالكلام البذيء، السب، المعاملة السيئة، وحدث ان استغلت هذه المربية ابن إحدى صديقاتي في الإشغال المنزلية ، وأكثر من ذلك تعلم
التصنت على الغير ومتابعة الأفلام التركية، الأمر الذي دفعها إلى الاستفادة من عطلة غير مدفوعة الأجر لتبقى مع طفلها علها تصلح ما أفسدته المربية”.
 ....المعادلة الصعبة
الغريب في الأمر أن جميع من تحدثنا إليهن يقمن مع العائلة الكبيرة لكنهن لا يهتمين بالأحفاد، والأسباب أن صلة الرحم اليوم أصبحت تنحصر بأيام العيد والمناسبات أما باقي أيام السنة فيعيش الأقرباء كالغرباء ولا يساعد الواحد منهم الآخر، أمر جعل الأم بين خيار العمل أو البقاء في البيت، لأن المجتمع لم يتطور بعد ليجد للمرأة التي يريدها أن تكون شريكا اقتصاديا للرجل الحلول المناسبة لتحتفظ بفطرة الأمومة دون متاعب.
ولأن الطفل هو المشروع الأكبر لبناء مستقبل بلد بأكمله عليه أن ينمو في جو صحي سواء في المنزل أو الشارع ، ولكن وفي انتظار تحقيق هذا الحلم تبقى المرأة أمام معادلة ربة البيت والأم العاملة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024