هي “نعمة” حينما يطوّعها الفرد

عندمــا تصبحُ المعاناة عنوانا للنّجاح

الإنسان إذا امتلك القوّة وقدرات إنسانية كافية يستطيع السيطرة على كلّ المعيقات في الحياة ويستطيع أن يحقّق نجاحه، لأنّ الذي يملك القدرات والدافعية والهدف والحافز والتصميم والإرادة دائما ينجح ويصل للنّجاح، وهدف الإنسان في الحياة النّجاح، والنّجاح هو السعادة.
الإنسان الناجح هو الذي يجمع الحجارة التي رمي بها ويبني بها قلعة، ويستطيع أن يتجاوز التحدّي لينتقل لنجاح أكبر ويتطوّر، وعلى المدى البعيد يصبح إنسانا ناجحا لديه حكمة وخبرة بالحياة وقبولا وتطورا، بينما من يختار الفشل يبقى في مكانه دون تطوّر وتقدّم وبمسار حياة بطيء.
لطالما نظرت مهدية (29 عاما) للمعاناة التي تمر بها في حياتها كنعمة، وفرصة للتعلّم والتطوّر، ولا تنكر أنّها في اللحظات الأولى تشعر بثقلها وصعوبتها، لكن مع ذلك تحاول أن ترى الجانب الإيجابي منها بحسب وصفها.
توضح مهدية أنّها في كلّ مرة تمر بأزمة ما “معاناة” في حياتها تتعرّف على ذاتها وقوّتها التي في داخلها، إذ تؤمن أنّها بالرغم من صعوبة الأمر، إلا أنّها تستطيع تجاوزها.
وتشير إلى أنّها تعتبر هذه المعاناة التي تعيشها تجربة جديدة ستضيف لها، وإن شعرت خلالها، بألم وحزن كبيرين، ولكن تتحدى نفسها لتخرج بصفة جديدة وتقول “كلما زادت المشكلة والصعوبة زادت متعة الانتصار.”
من جهة أخرى، يعترف أسامة (33 عاما) بأنّه في كلّ مرة يواجه مشكلة أو أزمة ما يصاب بالقلق والخوف وكأنّها النهاية لحياته بحدّ وصفه، مبينا أنه لم يكن يعلم كيف يتصرف أو ماذا يفعل ليخرج منها.
ويشير أسامة إلى أنّه استمر على هذا الحال لسنوات بعد مروره بمعاناة أثرت على حياته وجعلته يبقى في مكانه؛ إذ شعر أنّ الفشل سيطر على حياته، وأنّ فكرة الخروج ممّا يمر به أمر صعب.
ويضيف أنّه لم يعلم كيف يخرج من دوامة الفشل التي أسقطته بها إحدى الأزمات، إذ أصبح الخوف والقلق رفيقين لأيامه، ليقرر صديقه مساعدته بمد يد العون له من خلال الحديث معه ونصحه بالتوجه لمختص نفسي يرشده كيف يتعامل مع أزماته.
ويؤكّد أسامة أنه استطاع أن يخرج من هذه الدوّامة بمساعدة مختص أرشده لمعرفة ذاته وقوّته، إذ وجه نظره لأمور لم يكن يراها، واليوم استطاع أن يفهم معنى المعاناة وأن يتجاوز الخوف منها بمهارات فكرية وسلوكية علمته كيف يطوّر من ذاته.
يمر الإنسان في حياته بمحطات يشعر بها بمعاناة تعيق مجراها، في الوقت الذي يغفل به أنّ هنالك جانبين لها فالبعض ينظر لها كنقمة وأنّها خط النهاية، بينما هنالك من يعتبرها نعمة وبداية الطريق للنّجاح والتعلّم.
فالمعاناة نعمة وحافز للنّجاح، وقد تكون السبب الذي يحرك في الفرد إرادة النصر، على الرغم من أنّها تبدو صعبة وقاسية في لحظتها إلا أنّها تحمل في طياتها دروسا عميقة وفرصة للنموّ والتطوّر.
كما تجعل الفرد أقوى وأكثر تحمّلا ويتعلّم الصبر والإصرار وبفضل المعاناة يكتشف قدرته على التحمّل ويتعلّم تقدير النعم الصغيرة في حياته.

إصرار واستمرارية

بدورها تبين فيروز مصطفاوي، أنّها تؤمن بأنّ الأشخاص الناجحين اللامعين في الحياة هم أشخاص مرّوا بتجارب عديدة فيها معاناة أوصلتهم لهذا النجاح، موضحة أنّ الأقوياء والمؤثرين هم أشخاص مرّوا بمعاناة في حياتهم، ولذلك نجد الكثير من الأشخاص غيّروا وألهموا الآخرين من خلال معاناتهم.
وتشير مصطفاوي إلى أنّ الشخص الناجح هو من يدرك بكلّ بساطة أنّ الفشل والمعاناة هما الباب الخلفي للنّجاح، مبينة أنّ المعاناة والألم والمسؤولية جميعها تصنع الأشخاص الناجحين، وهم من يصنعون فرقا في هذه الحياة.
وتؤكّد أنّ الإصرار والاستمرارية يعدان عنوانا للنّجاح، مبينة أنّ الإنسان يحتاج إلى المرونة النفسية ليصل له، وهذا جزء من المهارات التي يجب أن تكون جزءا منه.
ويجب على الفرد أن يدرب نفسه على هذه المهارات، وعلى فكرة اليقين والإيمان، وأنه في هذه الحياة لكي يتطور، وفق مصطفاوي، ففي النهاية هي محاولة لتغيّر الأفكار السلبية والقناعات المدمّرة.
وتضيف، أنّ الأمور التي تغيّر الفرد هي القبول والتوكل والإدراك الذي يأتي عن طريق الحكمة والمراقبة والتدبّر من قصص الآخرين، مؤكّدة أنّ أهم مهارة يجب أن يكتسبها الفرد هي مهارة المرونة النفسية والتي بها يحاول أن يجد في كلّ أمر سلبي ميزة أو ربحا أو مكسبا.

الوصول إلى الأهداف

هذا ما يوضّحه المختصون بأنّ المعاناة تعني المانع أو المعيق والأزمة، أيّ أنّ الإنسان في حياته يمر بمعيقات وأزمات أو صدمات وجميعها تعتبر نوعا من المعاناة، فالإنسان يمر بصعوبات في حياته للوصول لأهدافه وللنّجاح بشكل عام. فالإنسان الذي يملك الصلابة النفسية يعلم تماما أنّ حياته جميعها معاناة، ولا يوجد إنسان يستطيع العيش دون معاناة، فهكذا الحياة بطبيعتها.
المعاناة هي التي تولد القوّة والطاقة، لأنّ الإنسان الذي يملك قدرات ومهارات عالية يستطيع أن يتكيّف ويتعامل مع المعاناة على أنّها جزء من حياته، ويجب أن يتجاوزها، فيعمل بتصميم وإرادة وبتفكير منطقي وعميق لإيجاد الوسائل والطرق لتجاوز المعاناة.
بينما الإنسان غير الطبيعي هو الذي لديه مشكلات نفسية ويتعامل معها على أنّها أمر محبط وفشل، ويبدأ العيش داخلها فتسيطر عليه، ويصبح في حالة من الشلل في العطاء والتقدّم والنّجاح، كما يصبح لديه اضطراب أو مشكلة نفسية.
ووفقا لذلك يؤكّد الخبراء أنّ الصحة النفسية مهمة في تجاوز المعاناة، لأنّ الإنسان الذي يملك الصحة النفسية يستطيع أن يتكيّف مع الأزمة ويستطيع أن يخفّف ويقلّل من أهمية وقيمة الأزمة، ويعتبرها تجربة في الحياة لأخذ دروس جديدة وتحقيق النّجاح.
ومن جهة أخرى، يبين المختصّون أنّ الإنسان الذي لا يملك هذه المهارات والقدرات وما يأهله ليعيش الحياة بسلام وأمان هو الإنسان الذي لا يملك الصحة النفسية، أيّ الإنسان الذي مر بتراكمات طفولية في حياته قلّلت من قدراته وتجاربه، سواء بأساليب مختلفة في التربية أو التنشئة أو البيئة الاجتماعية أو الأسرية أو مواقف في الحياة ولم يستطع أن يتعامل معها. ويشدّدون أنّ الصحة النفسية مهمة جدا في نجاح الإنسان والوعي الذاتي، ومهمة كذلك في تجاوز المشكلات، وبالتالي من هنا تظهر أهمية الصحة النفسية في بناء النجاحات وبناء تكيّف اجتماعي وصلابة نفسية وكاريزما شخصية يستطيع معها الإنسان أن يكون قائدا وناجحا في حياته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19558

العدد 19558

السبت 31 أوث 2024
العدد 19557

العدد 19557

الخميس 29 أوث 2024
العدد 19556

العدد 19556

الأربعاء 28 أوث 2024
العدد 19555

العدد 19555

الثلاثاء 27 أوث 2024