طفت ظاهرة جديدة على السطح بالنسبة للكرة الجزائرية والأندية المحترفة على الخصوص، والمتعلقة ببروز موجة من اللاعبين الشبان الذين تكوّنوا في الفريق وتم إعطاءهم الثقة للعب في الفريق الأول،رغم وجود العديد من “النجوم” التي دعّمت الفريق بأموال طائلة في مرحلة الانتقالات.
هذا الأمر غيّر بعض الأشياء في نظرة الجمهور لفريقه، أين استحسن هذا التحول الذي كان منتظرا منذ سنوات طويلة، خاصة وأنّ عامل الاستقرار تراجع كثيرا من خلال الانتدابات الكثيرة التي تقوم بها الفرق في كل موسم، ضاربة عرض الحائط مبدأ التكوين.
هذا الأخير الذي عانى كثيرا وأثّر على المستوى العام للكرة الجزائرية التي أصبحت عاجزة على تقديم لاعبين للفريق الوطني، واضطر كل المدربين الذين تعاقبوا على “الخضر” إلى الاستنجاد بمجموعة كبيرة من اللاعبين الجزائريين الذين ينشطون في الفرق الأوروبية.
وكان مسيّرو الأندية وكذلك مسؤولي الاتحادية يتبادلون التهم حول المسؤول الرئيسي في هذه الوضعية التي طالت، ولم يتم إيجاد الحلول الجذرية لها.
فالعديد من المواهب لم تجد الاطار الأمثل لتقديم امكانياتها في جو ملائم بسبب نقص الثقة التي لم تعط لهم، كونهم لا يتوفّرون على اسم معروف في الساحة الكروية، وكل مدرّب يفضّل اللاّعب الذي سبق له وأن لعب لفرق أخرى، أي جاهز للمنافسة.
فبالرغم من وجود العديد من اللاعبين الذين تكوّنوا في الفرق الكبيرة، إلاّ أنّهم غادروها وتحولوا للعب في الأقسام السفلى للاستمرار في النشاط وعدم تضييع مسيرتهم.
قرار الفاف وبطولة الآمال
ولحسن الحظ، فإنّ هناك تفطّن لكبح هذه المسألة التي أثّرت على الخزّان الحقيقي للكرة الجزائرية من خلال عمليات تقنية، وهذا عندما فرضت الاتحادية على الأندية ضرورة وجود (7) لاعبين من الآمال في التعداد الرّسمي للنادي الذي يشارك في البطولة، الأمر الذي جعل هؤلاء اللاعبين يحتكون باللّاعبين المعروفين ويكسبون الثقة اللازمة في مسيرتهم الكروية، بالاضافة إلى إعادة بطولة الآمال إلى الساحة والتي تضم اللاعبين أقل من 21 سنة، أين يمكن للتقنيين العثور على العصافير النادرة التي بإمكانها تدعيم الفريق الأول.
وبالاضافة إلى هذه الاجراءات، فإن اختيارات التقني لها وزن كبير في تغيير الأمور، ونعني بذلك قرارات المدرب الفرنسي رولان كوربيس الذي درّب اتحاد العاصمة في الأشهر الماضية، وكان السبب في تغيير الاستراتيجية التي انتهجها هذا الفريق، ووضع الاتحاد في الطريق الصحيح من خلال اعتماده تدريجيا على لاعبين شبّان تكوّنوا في الاتحاد وأصبحوا أساسيّين، رغم وجود لاعبين تمّ استقدامهم بالملايير.
كوربيس مرّ من هنا...
فقد فاجأ كوربيس الجميع عندما أعلن أنه لا يحتاج لأيّ تدعيم في الميركاتو الصيفي الماضي، كون الفريق له ما يكفيه للعب موسم مميّز، بعد أن كان قد توّج بكأسي الجمهورية والعرب، في الوقت الذي كان فريق سوسطارة قبل مجيء كوربيس يحطّم الأرقام القياسية في سوق الانتدابات.
وتدريجيا أقحم التقني الفرنسي بعض الشبان على غرار بايتاش، شتال وفرحات، الذين أعطوا الاضافة اللازمة لفريق احتكر المقدمة ويسير نحو التتويج باللقب، ولو مع مدرب آخر لأنّ العمل القاعدي قام به كوربيس الذي هيّأ للفريق مرحلة تفوق 5 سنوات بأرضية صلبة من اللاعبين الشبان الذي يستفيد منهم الفريق الذي كوّنهم، وكذا المنتخب الوطني للشبان والفريق الوطني الأول في المستقبل القريب.
وبدون شك، فقد سارت بعض الأندية على نفس المنوال، على غرار شبيبة القبائل التي عادت بقوة هذا الموسم بقيادة المدرب آيت جودي، الذي لم يتوان في إعطاء الفرصة لشبان الفريق أمثال عيبود، رياح وبزيوان الذين لعبوا دورا كبيرا في إعطاء الاضافة للكناري، حتى أنّ عشّاق الفريق أصبحوا يقارنون هذه الظاهرة بالمرحلة الذهبية التي عاشها الفريق القبائلي في الثمانينات، والتي عرفت بروز موجة من لاعبين موهوبين تكوّنوا في الفريق.
والمثال ينطبق أيضا على الوفاق السطايفي الذي بعد تجربة طويلة مع “النجوم” تراجع بشكل كبير في تقديم الأموال الكبيرة، ومن حين لآخر نسمع عن أسماء لاعبين شبان لهم امكانيات كبيرة،
ويساهمون في المسيرة الجميلة للفريق أمثال بلعميري، ناجي، جحنيط وآخرون، الذين ساهموا في قرار عودة الفريق وإعطاء الفرصة للاعبين الذين تكوّنوا في النادي.
فهذه النظرة قد تكون نقطة تحول كبيرة في البطولة الوطنية للمواسم القادمة، أين قد تفضّل الأندية منتوجها وتعمل على المدى البعيد، لأنّ الاستقدامات بالجملة لم تخدم الفرق المعنية ولا الكرة الجزائرية التي ضيّعت العديد من المواهب بسبب نظرة “غير استراتيجية تماما” من طرف المسيّرين الذين صرفوا أموالا كثيرة مقابل نتائج متواضعة.
