فشلت الولايات المتحدة الأمريكية، لمرتين متتاليتين، في عرض مشروع لائحة حول تمديد بعثة المينورسو في الصحراء الغربية، للمناقشة والتصويت بمجلس الأمن الدولي، بسبب تقدير بعض الأعضاء أنه غير متوازن ومنحاز لصالح المغرب، مما أجبرها على إعداد صيغة ثالثة.
بات واضحا، في السنوات الثلاث الأخيرة، أن ملف الصحراء الغربية، خرج نهائيا من درج مجلس الأمن الدولي ليوضع على طاولة النقاش بشكل جدي وواقعي، عكس المعاملة الروتينية التي حظي بها لأزيد من عقدين.
منذ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين سنة 2015، ووصفه تواجد المغرب بالصحراء الغربية بـ «الاحتلال»، تحركت القضية على مستوى المنظمة الدولية وبالأخص مجلس الأمن الدولي.
ساهم التوتر والتصعيد منذ صيف 2016، بالمنطقة العازلة الكركرات، في لفت انتباه المجتمع الدولي، إلى النزاع التاريخي، خاصة مع ارتفاع احتمالات تجدد المواجهة العسكرية، بين الجيشين الصحراوي والمغربي.
أمام التقدم التي أحرزته جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، من انتصارات قضائية ودبلوماسية ضد المغرب، انتهج الأخير سياسة «العمل في الكواليس»، داخل المنظمات الدولية والأخص الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي.
بعد فشل مساعيه في تغيير مواقف ومبادئ الاتحاد الإفريقي، تبنى هذه المرة سياسة هجومية على مستوى منظمة الأمم المتحدة، حيث راسل أمينها العام أنطونيو غوتيرس، ولوح بالعمل العسكري ضد الجيش الصحراوي، ورفع إليه شكاوٍ تزعم خروقات اتفاق وقف إطلاق النار.
اتضح من خلال اجتماعات مجلس الأمن الماراطونية منذ 24 أفريل الجاري، أن كل الزوبعة التي أثارها المغرب في الأسابيع القليلة الماضية تهدف إلى الالتفاف حول الحقائق الجغرافية الموّقع عليها في الاتفاق العسكري رقم 1، وتحديدا «ضم منطقتي بئر الحلو وتيفاريتي»، إلى المنطقة العازلة، قصد ربح مساحة إضافية تمكنه من التفاوض من موقع أكثر أريحية في حال استجاب للدعوات الأممية لاستئناف المفاوضات «دون شروط وبنية حسنة».
أراد المغرب، محو مصطلح الأراضي الصحراوية «المحررة»، من أرض الواقع عبر استصدار محتوى جديد في لائحة تجديد مهمة بعثة المينورسو، تلغي المقررات الدولية لسابقة، والتخلص نهائيا من
التزامات قطعها أمام الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وتسمح بتراجع الجيش الصحراوي إلى أقصى نقطة ممكنة، وبالتالي إعادة كل انتصارات الدولة الصحراوية إلى الصفر.
هذا التكتيك المغربي، انفضح في مسودات مشروع اللائحة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية الذي تقدمت به يومي الثلاثاء والخميس الماضيين تواليا، واتضح معه التواطؤ الفرنسي المباشر والمعتاد مع الاحتلال.
من خلال الصيغتين المرفوضتين، ثبت أن بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي، لا يترددون في اقتناص أدنى فرصة للعمل خارج الشرعية والقانون الدوليين، ولو على حساب مصداقية هيئة الأمم المتحدة.
ولولا تصدي روسيا العضو القوي لذلك، لأختزل القانون الدولي في نزوات ومصالح القوى الغربية، التي تتحرك بشكل منسق في مختلف مناطق النزاعات، وشاهد العالم كيف اعتدت أمريكا، فرنسا، وبريطانيا على سوريا دون العودة إلى مجلس الأمن، وبالتالي ليس مفاجئا أن تحاول فرنسا تغيير المرجعية الدولية في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية والانحياز الكامل للمغرب.
لكن، وبالرغم من هذه المناورات، لم تعد الدبلوماسية المغربية قادرة على إخفاء هزائمها المتتالية، ولا مخرج لها إلا الجلوس حول طاولة المفاوضات.