مع دقات الساعة الرابعة فجرًا من يوم أمس الأربعاء، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، ومعه توقفت آلة الحرب الصهيونية التي كانت تقصف منطقة البقاع بسلسلة غارات قبل دقائق فقط من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
بعد 66 يوما من العدوان الصهيوني الغاشم على لبنان والذي بدأ في 23 سبتمبر الماضي، ومع دخول وقف إطلاق النار حيِّز التنفيذ أمس، نزل آلاف اللبنانيين إلى الشوارع احتفالاً وابتهاجا رافعين أعلام لبنان و«حزب الله” وحركة “أمل” وصور كل من الراحلين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، في حين ازدحمت الطرقات بسيّارات جموع العائدين إلى قراهم في الجنوب وذلك رغم التحذيرات التي وجهها جيش الاحتلال للنازحين يأمرهم فيها بانتظار توجيهاته لعودتهم إلى منازلهم التي سبق وأمرهم بإخلائها، وأيضا دعوات قيادة الجيش اللبناني التي ناشدت المواطنين في القرى والبلدات الأمامية في الجنوب التريث في العودة وانتظار انسحاب قوات جيش الاحتلال منها.
عــــــودة رغـــــم المخاطــــــر
وقد أظهر النازحون العائدون معنويات عالية، معتبرين أنهم انتصروا على الاحتلال الصهيوني بالعودة إلى مناطقهم ووقف الحرب.
وبينت مشاهد من مدينتي صور جنوبي البلاد وبنت جبيل، قوافل من السيارات وهي تقلّ عائلات مع أمتعتها حيث بدأت الحياة تدب مجددا رغم حجم الدمار الذي يتكشف تباعا.
وعلى مشارف ضاحية بيروت الجنوبية، احتشد جموع من اللبنانيين وهم يرفعون رايات لبنان وحزب الله الصفراء، ويرددون هتافات تؤيد المقاومة.
وخلال الاحتفالات، رفع بعض المشاركين البنادق، وحملوا صور الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله، والقيادي هاشم صفي الدين اللذين اغتالتهما القوات الصهيونية.
من ناحية أخرى، أعلن وزير الأشغال اللبناني علي حمية بدء العمل لترميم وفتح معبر المصنع الحدودي مع سوريا بعد إغلاقه بسبب الغارات الصهيونية التي عمدت لفصل لبنان عن سوريا بريا.
وأضاف أن الوزارة بدأت في فحص المعابر الحدودية البرية في شمال البلاد لتقييم أوضاع الجسور التي أصبحت خارج الخدمة، وبالتالي للسماح للنازحين بالعودة.
الجيـــــش فـــــي مهمـــــة صعبــــة
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال مساء الثلاثاء، إن لبنان والكيان الصهيوني وافقا على اتفاق وقف إطلاق النار. وأضاف، في كلمة ألقاها في البيت الأبيض، أن الغرض من الاتفاق “أن يكون وقفاً دائماً للأعمال القتالية “. وجاءت كلمة بايدن بعد إعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) وافق على اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً أن “كيانه الغاصب سيحافظ على حرية عمل مطلقة في لبنان إذا قام حزب الله بأي خرق”.
وعقب بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، أعلن الجيش اللبناني أنه يتخذ الإجراءات اللازمة لاستكمال انتشاره في الجنوب، موضحا أن هذه الخطوة تأتي “وفق تكليف الحكومة اللبنانية، وتنفيذ مهماته بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اليونيفيل ضمن إطار القرار 1701”.
وهذا القرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أوت 2006، ودعا إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين “حزب الله” والكيان الصهيوني آنذاك.
وأسفر العدوان الصهيوني على لبنان إجمالا عن 3 آلاف و823 شهيدا و15 ألفا و859 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق بيانات لبنانية رسمية معلنة حتى مساء الثلاثاء.
ترحيـــــب دولـــــي واســـــــــع
فور الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، سارت موجة ارتياح وترحيب دولي كبيرة، متأملة بأن يفتح هذا الاتفاق باب الأمل نحو اختراق مماثل في غزة.
واعتبرت المجموعة الدولية هذا الاتفاق بمثابة فرصة تاريخية، لإعادة الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط، والانتقال نحو مرحلة السلام الشامل.
وفي السياق، اعتبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن وقف إطلاق النار هو “خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان”.
وقال في بيان إنّ “هذا التفاهم الذي رسم خارطة طريق لوقف النار... يُعتبر خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان وعودة النازحين الى قرارهم ومدنهم”، مجددا “تأكيد التزام الحكومة بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب والتعاون مع قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان”..
بدورها، رحبت السلطة الفلسطينية بالإعلان عن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان، وعبرت عن أملها في أن تسهم هذه الخطوة في وقف العنف وعدم الاستقرار بالمنطقة وشددت على ضرورة الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
حان الوقت لوقف الإبادة في غزة
كما رحبت مختلف الدول العربية بوقف إطلاق النار في لبنان ودعت إلى اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لوقف المجازر والاعتداءات الصهيونية المستمرة في حق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة.
وأعربت وزارة الخارجية التركية من جهتها، عن أملها في أن تكون الهدنة دائمة في لبنان، ودعت المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال الصهيوني لتطبيقها بالكامل.
كما ذكرت أنه يجب أيضا إعلان وقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن من أجل السلام والاستقرار الإقليمي الدائم.
أما بخصوص مواقف الدول الغربية، فقد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتفاق وقف إطلاق النار بأنه فرصة لتحقيق الاستقرار في لبنان.ودعا إلى “الانتخاب الفوري” لرئيس لبناني وإصلاح مؤسسات البلاد للسماح لها بالتعافي ماليا.وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده “لن تدخر جهدا” لدعم وقف إطلاق النار وستفعل ذلك مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) التي “نلعب فيها دورا محوريا مع عدد من الشركاء”.وشدد ماكرون على أن هذا الاتفاق لا يعني نسيان الحرب في غزة. وقال إن فرنسا “ستواصل جهودها للتوصل إلى وقف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح الاسرى الصهاينة، وتدفق المساعدات الإنسانية على نطاق واسع، وبالطبع التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يشمل دولتين”. في السياق، رحّبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أيضا باتفاق وقف إطلاق النار، واصفة إياه بـ«شعاع من الأمل للمنطقة بأكملها”. وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي دعا إلى “تحويل الهدنة إلى حلّ سياسي دائم في لبنان”. وجورجا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا التي قالت أن اتفاق وقف إطلاق نار في لبنان كان هدفاً عملت الحكومة الإيطالية على تحقيقه منذ فترة طويلة.
ونفس الموقف أبداه الاتحاد الأوروبي والصين والأمم المتحدة التي رحب أمينها العام، أنطونيو غوتيريش باتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان ولبنان، قائلا:«أدعو الطرفين إلى الاحترام الكامل والتنفيذ السريع لجميع الالتزامات، التي تعهدوا بها كجزء من الاتفاق واتخاذ خطوات فورية للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701”.
وتابع غوتيريش: “منسق الأمم المتحدة الخاص لشؤون لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) في لبنان، على استعداد لدعم تنفيذ الاتفاق، طبقا لتفويضاتهما”.