اصطفاف ماي وماكرون إلى جانب ترامب هو عنوان للغطرسة الغربية
استهدفت الضّربة الثلاثية التي نفّذتها القوات الأمريكية فجر أمس بمشاركة فرنسا وبريطانيا عددا من المواقع بسوريا، في عملية ادّعى الغرب أنها جاءت لمعاقبة دمشق على شنّها هجوما كيميائيا مزعوما في دوما بالغوطة الشرقية قبل أسبوع. الضّربة أثارت ردود فعل دولية متباينة منها المؤيّدة والمستنكرة، إلاّ أنّ أغلب المواقف شدّدت على ضرورة التزام كل الأطراف بالعودة إلى إطار القانون الدولي.
من هنا انطلق أستاذ العلوم السياسية الدكتور علي محمد ربيج في حوار لـ «الشعب» يبحث في خلفيات هذه الهجمات، دوافعها وانعكاساتها على الوضع في سوريا.
^الشعب: لم تنتظر أمريكا نتائج التّحقيقات في مزاعم قصف النّظام السوري للمدنيّين بالكيميائي، وجزمت بأنّه استعملها بالفعل، وحشدت قوّاتها وإلى جانبها فرنسا وبريطانيا وشنّت هجمات صاروخية على مواقع حسّاسة في سوريا، ما قولكم حول هذه التطورات الخطيرة؟
❊❊ الدكتور علي محمد ربيج: الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال التجارب السابقة مع العديد من الملفات والأزمات العربية، وبالتحديد العراق والسودان وسوريا لم تحترم يوما الشرعية الدولية ولا الطرق القانونية عبر احترام قرارات الأمم المتحدة أو صوت العقل والدبلوماسية، بل العكس تماما، فهي تلجأ إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن كمبادرة إستباقية تكتيكية لإرسال رسائل للجميع بأن الإدارة الأمريكية تحترم الرأي العام الدولي، ولكن في الحقيقة هي تؤمن بنظرية السيطرة والقوة في العلاقات الدولية وإرغام الأطراف الأخرى بقبول سياسة الأمر الواقع والانسياق وراء تبريرات الإدارة الأمريكية، بدليل أنها هذه المرة لم تكلّف نفسها انتظار تشكيل اللجنة الأممية للتحقيق في مسألة استعمال الأسلحة الكيمياوية في سوريا، ونشعر بنوع من الإصرار والاندفاع القوي من طرف الإدارة الأمريكية لتنفيذ الضربة على بعض المواقع السورية الحساسة مثل مراكز ومعامل الإنتاج الحربي والمطارات، وعليه فطبيعة هذه المواقع هي مواقع ذات طابع استراتيجي تخدم الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى وتحطيم البنية التحتية لسوريا وإخراجها من دائرة الخدمة، وكالعادة يصطف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا وفرنسا، وهو غطاء ودعم دولي وسياسي تحظى به الإدارة الأمريكية في كل مرة وهو عنوان كبير للغطرسة الغربية وتمادي خرق الأعراف الدولية والدبلوماسية والقانونية التي تحكم العلاقات الدولية، وهو نموذج يغذّي حالة التذمر والكراهية لدى الشعوب العربية ضد هذه الدول التي لا تتأخّر في توجيه الضربات العسكرية للدول العربية التي يرفض شعوبها منطق العبودية والذل التي يريد حكام وأنظمة هذه الدول الغربية فرضه على المنطقة وشعوب العربية.
- الضّربة الأمريكية جاءت في الوقت الذي يواجه فيه ترامب ضغوطا داخلية واتّهامات تطال حياته الشّخصية، ألا تكون محاولة منه لشغل الرأي العام الداخلي عن فضائحه؟
الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تواجه تحديات ومشاكل على المستوى الداخلي تجعل من صانع القرار الأمريكي في ورطة وحرج كبير وحالة من الفوضى، وغياب للرؤية والتنسيق بين مختلف المؤسسات الأمريكية التقليدية المشاركة في عملية صنع القرار الأمريكي، وانفراد الرئيس ترامب باتخاذ قرارات سريعة ومفاجئة وخطيرة في نفس الوقت على سبيل المثال تجميد الاتفاق النووي مع إيران، لقاء الرئيس الكوري الشمالي وغيرها من القرارات الداخلية والإقالات الكبيرة وتحقيقات المدعي مولار.
وقرب التحقيقات من الأشخاص الأكثر قربا من الرئيس الأمريكي تجعل هذا الأخير يسارع إلى اتخاذ قرارات تجعل الرأي العام الأمريكي والدولي يهتم بأمور ومشاكل أخرى ونسيان القضية الرئيسية، وهي اتّهامه وفريق عمله بالتخابر مع روسيا، وهذا موجود في الكثير من الدول، وهي سياسة مكشوفة ولن تستمر طويل.
- الخبراء يقولون أنّ الدّفاعات السّورية لا يمكن أن تكون هي من أسقط الصّواريخ المهاجمة، وإنما روسيا، وهذه الأخيرة تنفي، ما تعليقكم؟
أعتقد أنّ النظام السياسي السوري تعوّد بشكل ما على هذه الضربات، وأنّه قام بشكل سريع على اتخاذ الإجراءات والتحرك على أرض الواقع لتجنب الخسائر بشكل واسع، لهذا لجأ إلى إخلاء المواقع الحساسة والإستراتيجية التي كان من المتوقع استهدافها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد كذلك بأن الدور الروسي ومنظومة الصواريخ الروسية قد تكون هي من تصدى للعديد من الصورايخ الغربية الأمريكية، وهذه الهجمة الثلاثية الأمريكية والفرنسية البريطانية.
الروس باستطاعته أن يحقق على الأقل شبه توازن صاروخي والتصدي للصواريخ أ / توماهوك، وغيرها بسبب المنظمة الصاروخية الدفاعية الروسية والإيرانية، إذن في الأخير هي حرب الوكالات.
- ما قولكم حول المشاركة البريطانية - الفرنسية؟
المشاركة البريطانية - الفرنسية في الهجوم على سوريا تحمل عدة قراءات، بالنسبة لبريطانيا هي تصفيّ ملف تسميم الجاسوس الروسي على الأرض البريطانية والذي ينظر إليه من قبل البريطانيين على أنّه تعدّ سافر على سيادة بلادهم، وهي تعاقب موسكو بالمشاركة في العدوان على سوريا ومحاولة إضعاف التواجد الروسي هناك، وجعل بوتين يدفع ثمن قراره، أما فرنسا فهي في ظل رئاسة ماكرون وتجربته الجديدة تجعل منه في موقف لا يستطيع فيه أن يرفض طلب الإدارة الأمريكية لأنه في الأخير يعلم مدى الحاجة إلى الدعم الأمريكي في ملف محاربة الإرهاب وأزمة مالي والدور المستقبلي في سوريا، ومسألة إعادة الإعمار التي تعد الغاية النهائية لكل الأطراف، وأي قرار ضد الإدارة الأمريكية سيحرم فرنسا من الكعكة السورية مستقبلا.
وفي الأخير أعتقد أنّ هذه الضربة وغيرها والحرب في سوريا، والحرب الأهلية بين الإخوة السوريين هي لعبة صفرية، والخاسر الأكبر فيها هي سوريا وشعبها وجيشها واقتصادها للأسف الشديد.
امتحان سوريا الكل رسب فيه بدءا بالنظام السياسي العربي ممثلا في الجامعة العربية والنخب الثقافية والسياسية.