في الذكرى الأولى لمصرع محسن فكري

”حـــــــراك الريــــــف” يحـــــرّك الرمــــــال تحــــــت أقــــــدام النظــــــــام المغربــــــــي

 

تحلّ اليوم الذكرى السنوية الأولى لمقتل بائع السمك “محسن فكري” في شاحنة لجمع النفايات بمدينة الحسيمة المغربية، بعد احتجاجه على مصادرة كمية من الأسماك ممنوعة الصيد في تلك الفترة من السنة؛ وهو الحادث الذي خلَّف موجة غضب ليس في منطقة الريف فقط، بل في كل ربوع المغرب. مما شكل معه الشرارة التي أوقدت شعلة الاحتجاجات بالمدينة، والتي انتقلت بسرعة لبقية مدن وقرى منطقة الريف والمملكة.
 تفاقمت الأزمة بسبب الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة، عندما اختارت المقاربة الأمنية لمواجهة الحراك، ولجأت للقمع والعنف والاعتقال لاستعادة الهدوء لكن هيهات، إذ يعيش المغرب مند سنة على وقع الغضب الشعبي المتفاقم الذي جعل الرمال تتحرك تحت أقدام العرش.وبمناسبة الذكرى الأولى للحراك وكما دأب عليه مند سنة، اختار المغرب هذه المرة أيضا حظر تنظيم المظاهرات التي دعت إليها الكثير من الأصوات للتنديد بالسياسة القمعية التي تعتمدها السلطات مع مواطنيها، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.وقررت السلطات في محافظة الحسيمة منع المظاهرات العامة لمدة يومين متتاليين اعتبارا من أمس بعد أن تم توجيه دعوات عبر الأنترنت لتنظيمها.لكن المؤكد أن هذا الحظر الجائر، سوف يزيد من سخط المواطنين، ويدفعهم لتحدي قرارات القمع  ليخرجوا بقوة إلى الشوارع، والأكيد أن السحر سينقلب على الساحر والحراك الذي تعتقد الرباط أنه هدأ سينفجر من جديد.ليدخل المغرب السنة الثانية من التوتر والأزمة التي بدأت صغيرة وأخدت تكبر ككرة الثلج وتلقي بظلالها الداكنة على استقراره الاجتماعي وحتى السياسي والاقتصادي.
أسباب الأزمة:
تلعب عدة عوامل تاريخية، واجتماعية، وسياسية، دورا كبيرا في تفاقم الأزمة بمنطقة الريف، والتي لم يشهد المغرب مثيلا لها من ناحية الامتداد الجغرافي والزمني منذ مسيرات حركة 20 فيفري سنة 2011.
يفسّر التاريخ المغربي الحديث جزءا من الاحتقان الكبير بمنطقة الريف، ذلك أن المنطقة كانت تتميز بحساسية مفرطة تجاه السلطات المركزية بالعاصمة الرباط، وذلك بسبب القمع الذي تعرض له أبناء المنطقة على يد السلطات المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، سواء عندما كان وليا للعهد، أو عندما اعتلى العرش ملكا للمغرب (1962-1999)، فقد شن حملة قمع كبيرة ضد أبناء منطقة الريف سنة 1958، لأنهم انتفضوا ضد وضعهم الاجتماعي، مما خلف مئات القتلى والجرحى والمعتقلين. وتجدد قمع سكان المنطقة سنة 1984 فيما سمي بانتفاضة “الخبز والكرامة”، والتي قامت في العديد من المدن المغربية، خصوصا بشمال المملكة، احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الرئيسية؛ وكانت منطقة الريف من بين أكثر المناطق تعرضا للقمع في تلك الأحداث، مما خلف العديد من القتلى والمعتقلين، يضاف لذلك انحدار مجموعة من قادة الجيش المغربي الذين قادوا محاولتي الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني سنتي 1971 و1972 من منطقة الريف.
أخطاء قاتلة
ومن بين أسباب تفاقم أزمة الريف تداخل مجموعة من الأخطاء السياسية المرتكبة من قبل الدولة في الريف، وكل  التراب المغربي. فأول الأخطاء هو التعامل الكلاسيكي مع الأزمة، باعتماد سياسة التجاهل والاقتصار على إرسال بعض المسؤولين لتقديم واجب العزاء لعائلة “محسن فكري”، والتعهد بتقديم المسؤولين للمحاكمة، والمراهنة على عامل الزمن كوسيلة لخفوت مظاهر الاحتقان والغضب بالمنطقة؛ لكن عوض أن تساهم هذه “الطريقة الكلاسيكية” في تراجع مظاهر الغضب بالمنطقة، ساهمت الاحتجاجات المتواصلة في تحول المطالب من محاسبة المسؤولين عن مقتل محسن فكري، إلى مجموعة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية، والتي ارتفع سقف مطالبها مع طول مدة الحراك. وأمام فشل سياسة التجاهل في التعامل مع الحراك، لجأت الحكومة لتهمة الانفصال، باتهام المتظاهرين برفع مطالب انفصالية تحت ذريعة المطالب الاجتماعية.
وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر انفراجا في الأزمة، لاسيما بعد اعتراف الحكومة بخطئها في اتهام نشطاء الريف بالانفصال، واعتبار مطالب الحراك مطالب مشروعة، وإيفاد مجموعة من الوزراء للمنطقة للوقوف على أسباب تعثر جملة من المشاريع المبرمجة؛ تفاجأ المغاربة بشن قوات الأمن حملة من الاعتقالات بحق قادة الحراك، مستغلين قيام “ناصر الزفزافي” الذي يوصف بالقائد الميداني للحراك بتوقيف خطيب جمعة قام باتهام المتظاهرين بإشعال الفتنة. لتبدأ بعدها حملة من الاعتقالات طالت العديد من قادة الحراك والمتظاهرين، وقابلها سكان المنطقة باحتجاجات يومية متواصلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024