أنهت بغداد، أمس، الجدل القائم حول استفتاء إقليم كردستان الذي يرغب في الاستقلال عن العراق، عقب تصويت مجلس النواب على رفض الاستفتاء، بينما اعتبر رئيس الإقليم مسعود بارزاني أنه حق قانوني، مشددا على أنه “لا تراجع” عنه، وسط ردود فعل متباينة من دول العالم حول المسألة.
طالب النواب العراقيون من رئيس الوزراء حيدر العبادي اتخاذ كافة التدابير للحفاظ على وحدة العراق والبدء بحوار جاد لمعالجة المسائل العالقة بين بغداد والإقليم بعدما أجمعوا على رفضهم للاستفتاء الذي أعلن عنه رئيس الاقليم.
رفض مجلس النواب العراقي أمس في عملية تصويت إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، قبل أسبوعين من الموعد المرتقب لإجراء هذا التصويت الذي أثار ردود أفعال مختلفة في المنطقة.
قال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، بعد اجتماع المجلس “يحرص مجلس النواب على وحدة العراق ترابا وشعبا ويرفض تقسيمه تحت أي عنوان أو تبرير”، مضيفا أن البرلمان “حدد الحالات التي يستفتى من شأنها واستفتاء كردستان ليس من بينها”.
كما اعتبر أن “إقحام المناطق المتنازع عليها في الاستفتاء يخالف الدستور أيضا”.
وحدة العراق خطّ أحمر
وتعليقا على الحدث، أكد الرئيس العراقي على رغبة بغداد في إزالة العقبات التي تهدد وحدة العراق، مشددا على “ضرورة تعزيز الثقة بين الأطراف السياسية وتعميق الوحدة الوطنية بين العراقيين”.
واعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان “غير دستوري”، محذرا من أنه “سيدخل البلاد في نفق مظلم”.
وأضاف أنه لا مصلحة لأكراد بلاده بالاستقلال، مشيرا إلى أن “إعادة رسم الحدود قد تؤدي إلى مآسي” وأعرب عن أسفه من طرح الإقليم لفكرة الانفصال في الوقت الذي يجب فيه التعاون بين جميع مكونات العراق لهزيمة ما يسمى بـ “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)” الإرهابي وإعادة الامن إلى البلاد.
من جانبه حذر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في وقت سابق من أن الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان “قد تكون له تداعيات تضر بمصلحة الإقليم وسيكون له انعكاسات على دول المنطقة والوضع الإقليمي”.
وفي السياق ذاته أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، أن الاستفتاء المزمع تنظيمه على استقلال إقليم كردستان “خطوة غير قانونية وتتنافى مع الدستور العراقي”، مشير ا إلى أن محاولة فرض السيطرة على المناطق المتنازع عليها من قبل إقليم كردستان (وهي كل من محافظة كركوك وأجزاء من محافظة صلاح الدين وديالي ونينوى) من شأنها التسبب في توتر شديد في هذه المناطق.
بارزاني: الاستفتاء حقّ قانوني
في المقابل قال رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني إن الاستفتاء على انفصال الإقليم عن الدولة العراقية هو “حق قانوني للأكراد” وسوف ينظم في موعده المحدد في 25 سبتمبر الجاري وأكد خلال استقباله للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق يان كوبيتش أن الاستفتاء “ليس قراره الفردي بل قرار شعب كردستان بأكمله وحق طبيعي ومشروع لمواطني الإقليم”.
وبرر بارزاني قرار الاستفتاء بالقول إن “الأكراد غير مرغوب بهم في بغداد وإطالة عمر السياسة العراقية بهذا الشكل سيؤدي إلى كارثة”.
كركوك ضد الانفصال
من جانبها أعلنت العديد من الأحزاب في محافظة كركوك العراقية رفضها للاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان وشمال كركوك والمناطق المتنازع عليها في العملية المزمع إجراؤها في 25 من شهر سبتمبر الجاري داعية أبناء المحافظة إلى مقاطعة الاستفتاء وعدم المشاركة فيه.
واعتبرت الأحزاب أن الاستفتاء “يمثل البداية الحقيقية لتقسيم العراق الموحد منذ آلاف السنين حيث لايستند لأي مرجعية دستورية أو قانونية”.
وقرر مجلس محافظة كركوك المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وسلطات كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، المشاركة في الاستفتاء، ما أثار سخطا في بغداد.
وتعد كركوك التي تجمع غالبية مكونات الشعب العراقي، العرب الأكراد والتركمان وأقليات أخرى، من أبرز المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان.
اختلاف على الاستفتاء وليس الاستقلال
ويمارس أكراد العراق حكما ذاتيا في منطقتهم الواقعة في شمال العراق منذ بعيد حرب الخليج في العام 1991، وهم منقسمون حاليا حيال الاستفتاء.
فرغم الإجماع على مبدأ الاستقلال، يعتبر البعض أن الموعد الذي حدده الرئيس مسعود بارزاني غير مناسب وسط الأزمات الاقتصادية التي يعيشها الإقليم، فيما يرى آخرون أن القرار يجب أن يصدر من البرلمان الكردستاني المعلقة أعماله منذ أكثر من سنتين.
ووسط هذا الجدل، تدور أحاديث في الأروقة الكردية المعارضة عن إمكانية تأجيل الاستفتاء لأسباب عدة، منها اقتراب موعد العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الارهابي في الحويجة الواقعة ضمن محافظة كركوك، والتي ستشارك فيها قوات البشمركة الكردية.
ويبني محللون هذه الفرضية، استنادا إلى قابلية التأجيل التي أبداها بارزاني للأميركيين الذين طلبوا تأجيل موعد الاستفتاء، إذا توفرت “ضمانات” و«بدائل”. إلا أنه أكد أيضا أن “شعب كردستان سيمضي في طريقه ويقرر مصيره”.
معارضة إقليمية ودولية
خارج الحدود العراقية، أثارت الدعوة إلى الاستفتاء معارضة متصاعدة من الولايات المتحدة الأميركية وعواصم أوروبية ودول الجوار، أبرزها تركيا وإيران اللتان تخشيان أن تصيب عدوى المطالبة بالاستقلال الأقليتين الكرديتين في البلدين.وسبق لواشنطن أن اعترضت على توقيت التصويت، لكنها أعربت مرارا عن تأييدها لمبدأ تقرير المصير، وهو ما يرى فيه القادة الأكراد واقعية لدى الأميركيين، ويعتبرون أن واشنطن ستؤيد أمرا واقعا، كما حصل قبل ربع قرن عندما استخدم الأكراد منطقة الحظر الجوي التي فرضتها الولايات المتحدة لبدء بناء مؤسساتهم.
وحذرت تركيا الشهر الماضي من أن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان “يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية”.وتؤكد أربيل أن “لا خيار آخر” لديها إلا الاستفتاء لضمان حقوق الأكراد.
يُذكر أنّ أحزابا كردستانية أعلنت في اجتماع عقدته في 7 جوان الماضي، برئاسة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، تحديد يوم 25 سبتمبر موعداً لإجراء استفتاء شعبي حول استقلال الإقليم عن العراق.
الحوار حفاظا على الوحدة
دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط المسؤولين في الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق إلى ضرورة فتح حوار عاجل ومباشر وصريح ومنفتح بين الجانبين بما يسمح باستعادة الثقة بين الطرفين.
وقال أبو الغيط إن “الحوار يجب أن ينطلق من ثوابت على رأسها المصلحة العليا لكافة مكونات الشعب العراقي هي في الحفاظ على وحدة الدولة” داعيا إلى “ترسيخ مفهوم دولة فيدرالية ديمقراطية قوية ومستقرة في العراق تكفل حماية وتعزيز حقوق كافة أبناء الشعب العراقي بشكل متساوي”.
ورفضت الأمم المتحدة طرح فكرة انفصال إقليم كردستان عن العراق حيث أكد رئيس بعثة الامم المتحدة إلى العراق يان كوبيتش في لقائه مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي “رفض الأمم المتحدة لإضعاف وحدة العراق وتقسيمه”.
وقالت إيران إن انفصال إقليم كردستان عن العراق سيمثل “بداية لتوترات جديدة وسيؤثر على الدول المجاورة بالسلب وتعارض البلدان تحقيقه”.
من جانبها دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرورة حماية وحدة العراق.
يذكر أن إقليم كردستان العراقي يتمتع بالحكم الذاتي استنادا إلى الدستور آنذاك ولديه حدود مع تركيا وسوريا وايران.
ويقدر عدد الأكراد بـ 10 ملايين أي ما يمثل نسبة من 17 إلى 20 بالمائة من سكان العراق.
وعرفت العلاقات بين بغداد وإربيل عاصمة الإقليم تحسنا في الفترة الأخيرة واتفق الطرفان على هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي إلا أن هناك خلاف بينهما حول مدينة كركوك الغنية بالنفط.
كردستان العراق في سطور
إقليم عراقي يسكنه الأكراد، له حكومته وبرلمانه وعلمه ونشيده، لكنه جزء من الدولة العراقية، ناضل سكانه طويلا للحصول على الاستقلال أو الحكم الذاتي، عرف حكما ذاتيا في عهد الرئيس الراحل صدام حسين لكن ذلك لم يرض أهله فثاروا، وبعد الإطاحة بصدام كرس الدستور إرادتهم، يمثل النفط ركيزة أساسية في اقتصاده.
الموقــــع
يقع إقليم كردستان شمال العراق، ويلاصق حدود ثلاث دول هي سوريا في الغرب، وتركيا في الشمال، وإيران في الشرق والجنوب.
عند توقيع اتفاقية الحكم الذاتي التي أبرمها الأكراد مع صدام حسين يوم كان نائبا للرئيس أحمد حسن البكر في 11 مارس 1970 كانت مساحة الإقليم تبلغ 37 ألف كيلومتر مربع، إلا أن هذه المساحة بلغت أكثر من أربعين ألف كيلومتر مربع بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003.
وبعد حرب العراق الثانية قامت حكومة إقليم كردستان بضم أجزاء من الأراضي التي كانت تطالب بها، وطالبت في دستورها المحلي الصادر عام 2005 بضم أراض ومناطق في أقاليم نينوى وأربيل وكركوك وديالى وواسط.
ومنح الدستور العراقي -بعد سقوط صدام حسين- إقليم كردستان صلاحيات استقلالية واسعة في مجال الاقتصاد والشؤون المحلية.
السكـان
وفق إحصاء 2005، يبلغ عدد سكان إقليم كردستان العراق 5.5 ملايين نسمة غالبيتهم من الأكراد، علاوة على أقليات أخرى من العرب والتركمان والآشوريين، ومعظم السكان مسلمون سنة.
الاقتصــــاد
يمثل النفط ركيزة أساسية لاقتصاد الإقليم، وتشير تقديرات اقتصادية إلى احتواء الإقليم على أكثر من 45 مليار برميل بترول من الثروة النفطية للعراق، ثالث أكبر منتج للذهب الأسود في العالم.
ويُصدِّر الإقليم -الذي استقطب شركات نفطية غربية كثيرة- نحو 100 ألف برميل من النفط يوميا، من خلال أنبوب اتُّفِق مع تركيا عام 2013 على مده لتصدير النفط إلى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي، الأمر الذي أثار مشكلات متكررة بين أربيل وبغداد وبين الأخيرة وتركيا أحيانا.
وتمثل التجارة أحد أهم مصادر الدخل الاقتصادي للإقليم، ويبلغ حجم التبادل التجاري مع تركيا وحدها نحو ستة مليارات دولار سنويا، وبلغ عدد الشركات التركية العاملة بالإقليم أكثر من 200 شركة.
وتشكل السياحة موردا اقتصاديا آخر للإقليم الذي يتمتع بطبيعة جميلة ومناظر خلابة، ومواقع أثرية ومعالم تاريخية، تشكل عامل جذب سياحي.
الحكم الذاتي
في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 وإنشاء منطقة الحظر الجوي لم يعد لبغداد تأثير يذكر بمنطقة الحكم الذاتي الكردي، وأدت مشاركة الأكراد في الغزو الأميركي البريطاني للعراق 2003 إلى تكريس سيطرتهم على إقليمهم وتوسيعهم لمساحة أراضيه.