بين جنوب إفريقيا وبقية دول القارة السمراء، نقاط تشابه وتطابق عديدة، وتوجد في الوقت ذاته، فوارق فاصلة تشكل استثناءا صارخا بينها وبينهم. وإذا كان التشابه في البيئة والجغرافيا والأجناس البشرية المتعددة، فان الفوارق تكمن في التطور الاقتصادي الباهر والتقدم الحضاري الذي جعلها تتبوأ مكانة مرموقة ضمن القوى الدولية السائرة في طريق النمو. أمام هذا الأمر، بات كل إنسان إفريقي مطلع على الواقع والأرقام جيدا يطرح بعفوية التساؤل التالي: كيف تمكنت جنوب إفريقيا من السير بخطة متسارعة على طريق النمو، وبقيت دول القارة نامية تقبع في الفقر والتخلف؟.
حققت جنوب إفريقيا، طفرة نوعية في تاريخ الأمم المعاصرة، بعد أن كانت ساحة لانتصار القيم الإنسانية، التي شكلت أسس النظام العالمي الجديد عقب الحرب العالمية الثانية، فالكرامة والمساواة والعدالة والحوار والنضال السلمي والمسلح المشروع من اجل استرداد الحرية، وانعتاق الشعوب المستضعفة، كلها جسدت على ارض الواقع وكللت بالنجاح، وتهيأت بذلك المنصة المناسبة للإقلاع الاقتصادي والحضاري، الذي تصبو إليه كل دول القارة وتريد مسايرته بتطبيق هذه الإستراتيجية، فدون إحلال السلم والأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي، لن يكون لأي نهضة اقتصادية وجود، ولن يكون بإمكان الشعوب التطلع إلى مستقبل أفضل.
كل من يحاول التعرف على ماضي هذا البلد، يجد أن تاريخه لا ينفصل عن تاريخ القارة الإفريقية، فقد خضع لاستعمار الانجليزي، ونال استقلاله في ستينات القرن الماضي، بعد أن طالته موجة التحرر رفقة جميع الدول المستعمرة، أما أرضه ففيها من الثروات الطبيعية اللازمة لبناء أركان الاقتصاد، كما في أي دولة افريقية أخرى، وإذا كان الصراع العرقي وقود الحروب الأهلية وبؤر التوتر، فان جنوب إفريقيا عرفت ما هو اخطر، ويتمثل في التميز العنصري المقنن، الذي شكل أبشع صور استغلال الإنسان للإنسان.الناتج عن التنوع السكاني.
يوجد في جنوب أفريقيا أكبر عدد سكان ذوي الأصول الأوروبية في أفريقيا، وأكبر تجمع سكاني هندي خارج آسيا، وأكبر مجتمع ملون (ذوي البشرة السوداء)، مما يجعلها من أكثر الدول تنوعاً، وشغل النزاع العرقي والعنصري بين الأقلية البيضاء والأكثرية السوداء حيزاً كبيراً من تاريخ البلاد وسياساتها. وقد بدأ «الحزب الوطني» بإدخال سياسة الفصل العنصري بعد فوزه بالانتخابات العامة لعام ١٩٤٨، وهو الحزب نفسه الذي بدأ تفكيك هذه السياسة عام ١٩٩٠، بعد صراع طويل خاضته الأغلبية السوداء ومجموعات مناهضة للعنصرية من البيض والهنود، ليبدأ مسار الديمقراطية عام ١٩٩٤ الذي سمح لمونديلا بان يكون أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا، وانتقلت البلاد من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية.
ورغم بعض الفوارق في توزيع الثروات، إلا أن جنوب إفريقيا، تطورت عندما استطاعت التغلب على اكبر تحدياتها، وبلغت درجة عالمية، عندما شقت طريقها العالمية بالحوار من الحرب الأهلية إلى الديمقراطية وظلت سائرة على هذا الطريق منذ ذلك الوقت. ولازال هذا الحوار مستمرا، يختلف فيه كل شخص مع أي شخص آخر، لكنه حوار يتم فيه سماع صوت كل واحد من كل لون باحترام.ورغم استمرار وستتطور إفريقيا عندما تتجاوز ذات التحديات وتسلك نفس الطريق.