لا يزال الشارع في تونس يعكس التجاذبات السياسية للنخب التونسية والتيارات الحزبية، حيث خرج ألاف المواطنين إلى وسط العاصمة تونس، إحتجاجا على تعيين علي العريّض لرئاسة الحكومة خلفا لحمادي الجبالي الذي استقال بدوره تحت ضغط الشارع الذي حركته «النهضة» رفضا لحكومة التكنوقراط التي اقترحها والتي رأت فيها إنقلابا على شرعية تسييرها للبلاد بعد إنتخابات حرّة ونزيهة.
من خلال الشارع والرسائل التي يبعث بها عبر هتافاته وشعاراته المرفوعة، يظهر مدى التناقضات بين مختلف الأطراف المشكلة للطبقة السياسية التونسية رغم تحالف الإسلاميين مع اليسار في تسيير شؤون البلاد واقتسام وجهات نظر متطابقة ومواقف متناغمة فرضتها الرهانات السلطوية الآنية والمستقبلية على أطراف المعادلة ويجب أن تفرض رهانات الوطن والدولة على التعايش وتأجيل مصلحة الحزب والتيار إلى حين، حتى تمرّ المرحلة الإنتقالية ببرد وسلام على الجميع، والخروج من الإنسداد.. وهو انسداد يشلّ البلاد على جميع الأصعدة ويلزم الجميع تقديم تنازلات من أجل إيجاد مخرج له.
ومن الظاهر أن هذا الإدراك أخذ له مكانا في تفكير السياسيين والنخب التونسية. فالغنوشي عندما يقول بأن الإستقرار تحققه حكومة إئتلاف تجمع الإسلاميين والعلمانيين وحديثه عن توسيع هذا الإئتلاف وعن إستقلالية الوزارات السيادية يبعث بإنفراج في الأفق للأزمة التونسية، لأن هذه هي النقاط الخلافية الجوهرية المتنازع عليها، لابدّ من الإسراع بالفصل فيها حتى تخرج البلاد من المأزق، لتتمكن الحكومة الجديدة من رفع التحديات الكبيرة التي تنتظرها، وينتظر معها التونسيون قطف ثمار الثورة التي سمع عنها الكثير.