برزت التدخلات العسكرية للقوى الدولية الكبرى على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، وبريطانيا، في مناطق التوتر في العالم، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، تحت مبرر إعادة الاستقرار والأمن، وسد الفراغ السيادي الناجم عن الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية، والحدودية بين الدول، وكانت مناطق كثيرة في إفريقيا ساحات لهذه التدخلات.
تحتمي هذه القوى بالغطاء الاممي من اجل إعطاء شرعنة تدخلها المباشر، الذي يكون في بادئ الأمر مرحب به، لكن غالبا ما تنقلب الأوضاع وتتغير نظرة المتضررين من النزاع نحو هؤلاء العساكر الأجانب، ويصبحون رمزا للاستعمار الجديد، الذي يريد نهب ثروات الشعب، وينجم عن ذلك الدخول في نفق آخر، يعمق الأزمة ويطيل عمرها، ويحل زعماء الحروب والمليشيات، وحال الصومال درس راسخ في التاريخ، بعد أن دخل حربا أهلية سنة ١٩٩١ قضت على سيادته الفعلية وبات يشكل امتداد طبيعيا لإفريقيا على جهتها الشرقية، وبقيت حكوماته الانتقالية المتعاقبة تلتمس اعترافا دوليا حصلت عليه أيام قليلة فقط من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحتفظ بذكرى سيئة في هذا البلد بعد أن انتهت عملية «استعادة الأمل» في مقديشو عام ١٩٩٣ إلى خيبة أمل. لقد أصبحت التدخلات العسكرية المباشرة أمرا شائعا، ففرنسا وحدها أقدمت على ٤٦ تدخلا في مستعمراتهما الأفريقية السابقة ما بين ١٩٦٠ و٢٠٠٥، لكن نتائجها تباينت. وبريطانيا أعادت الديمقراطية إلى سيراليون في عملية عسكرية عام ٢٠٠٠. واحتفاظ كل دولة بالتدخل في مستعمراتها، بغرض حماية مصالحها أو تأمين مصالح جديدة يوقظ النظرة العدائية لدى الأفارقة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية. قد يكون التدخل الفرنسي في مالي مطلع الشهرالماضي، ذو فاعلية وحقق مكاسب مهمة على الأرض بعدما أنهى سيطرة الإرهابيين على شمال البلاد، لكنه لن يضمن الاستقرار الذي يبقى بيد السلطة المركزية المالية، الملزمة بإطلاق مصالحة شاملة بين جميع أطياف الشعب. وتعود رغبة فرنسا في البدء بسحب قواتها من مالي شهر مارس المقبل إلى استخلاصها الدروس من التدخلات الأجنبية، التي سرعان ما تجد نفسها مرفوضة إذا طال بقاؤها. لكن هذا لا يمنعها من تقديم الدعم اللوجيستي للأطراف الداخلية. قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بديلا آخر لسيادة الدول، وتتمتع بشرعية ومصداقية. وتبقى لمنظمات الأمن الإقليمي ـ مثل الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية لدول غرب وشرق أفريقيا ـ الإمكانيات الموقع الأمثل للتدخل من اجل إبقاء الطابع الإفريقي للنزاع ، وهي في حاجة فقط إلى القدرة اللوجستية اللازمة.
التـدخل الأجـنبي
مـن الـترحـيب إلى الـرفض والقتال
حمزة محصول
شوهد:1123 مرة