أثار تمرير مشروع قانون الإجراءات الجنائية بالبرلمان في المغرب موجة من الانتقادات والرفض في الأوساط الحقوقية لما يفرضه من قيود تمنع الجمعيات من التبليغ عن الفساد. وبالموازاة مع ذلك، أكد خبراء اقتصاديون من المغرب أن النظام المخزني يبيع الوهم للشعب بالحديث عن “انجازات” في الوقت الذي تتوالى فيه مؤشرات الأزمة متعددة الجوانب وما يصاحبها من احتقان اجتماعي.
وحول اتساع خطر الفقر وسط الشعب المغربي، يرى الخبير المغربي والباحث في السياسات العمومية، محمد مرنان، في تصريحات صحفية، أن خطابات الحكومة المخزنية “تعاني من انفصام عن واقع الناس” بالترويج لـ “إصلاحات غير موجودة”، مستدلا بقطاع التعليم الذي ما زالت فيه أقسام العالم القروي تضم أكثر من 40 تلميذا في الفصل، ناهيك عن وجود مدارس بدون ماء ولا كهرباء.
وأكد المتحدث أن المقاربة الحكومية تختزل الأزمة في مؤشرات شكلية، لافتا إلى أن الإصلاح “لا يقاس بالخطابات والشعارات بل بالإنجازات على أرض الواقع” وأن حكومة أخنوش “ما تزال رهينة للسياسات السابقة مع انعدام الشجاعة في الاعتراف بالإخفاق”.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، محمد الرهطوط، في تصريح صحفي، إن “ما لا تريد الحكومة الاعتراف به هو أن الاقتصاد المغربي يعيش أزمة هيكلية في خلق القيمة”، موضحا أنه “لا يمكن أن نتحدث عن توفير مليون منصب شغل بينما معدل البطالة في تصاعد مستمر، وقطاعات الإنتاج الأساسية - من الصناعة إلى السياحة - لا تستفيد من سياسة عمومية مهيكلة وواضحة”.
وأفاد الخبير الاقتصادي بأن ما يعيشه المغرب هو “نتيجة مباشرة لعجز في الرؤية وليس فقط في التنفيذ”، مشددا على “غياب مشروع تنموي في البلاد.
جدير بالذكر أن المندوبية السامية للتخطيط (هيئة رسمية) كشفت قبل أيام فقط عن معطيات صادمة تؤكد ارتفاع معدلات البطالة بالمغرب، خاصة في الوسط الحضري بأكثر من 18 بالمائة، وهو رقم يعكس الفشل الذريع في خلق فرص الشغل. أما في قطاع التعليم، فتفيد أرقام صادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين بأن حوالي 334 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنويا. وبحسب الخبراء، فإن هذا “رقم مهول ينذر بخطر فقدان جيل كامل من فرص التكوين والتأهيل”.
ومن جهة أخرى فإنه في تحدي صارخ للجمعيات المدنية المدافعة عن المال العام، تمت المصادقة على قانون “يحمي الفساد والمفسدين” حيث “يمنع التبليغ عنهم”، بحسب ما أكده حقوقيون. وفي تفاعل مع الموضوع، أكد رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام، عبد الإله طاطو، بخصوص القانون، أنه “يتعارض مع المقتضيات الدستورية لاسيما في مواده المتعلقة بالمجتمع المدني الذي يعتبر شريكا أساسيا في تقييم وصناعة السياسات العمومية، علاوة على أنه يتناقض تماما مع الالتزامات الدولية للبلد وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد التي تعتبر المجتمع المدني شريكا أساسيا في ذلك”.
واعتبر الفاعل الحقوقي أن المادة 3 ضمن المشروع، تعتبر “ضربا لاستقلالية السلطة القضائية”، منتقدا سحب الحكومة لقانون الإثراء غير المشروع “لعرقلة أدوار الجمعيات المدنية في محاربة الفساد ونهب المال العام. كما بين أن تمرير هذا المشروع، “يتناقض مع موقف الهيئات الدستورية الثلاث والمتمثلة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتي قدمت ملاحظات حول المادة 3 وأظهرت دور المجتمع المدني في محاربة الفساد ونهب المال العام”.
في حين اعتبر رئيس المنظمة المغربية لحماية المال العام، محمد سقراط، أن هذا القرار “يتناقض مع الدستور ورأي الهيئات الدستورية الاستشارية ويضرب في العمق مصادقة المملكة على اتفاقيات دولية”.