توصيات مؤتمر الحـوار تقـذف بمالـي فـي دوامة الفوضـى

الأحزاب تثــور ضـدّ قـرار حلّهـا ورفـض مطلق لديكتاتوريــة غويتا

 في قلب باماكو، حيث تعلو أصوات الرفض وصرخات الاعتراض، تكتب مالي فصلاً جديداً في صراعها بين الحكم العسكري والتعددية، خاصة بعد أن قرّر الانقلابيون تغييب الأحزاب السياسية عن المشهد العام بمزاعم الفشر والفساد، وفرض المجلس العسكري كلاعب أوحد يحتكر رسم حدود اللعبة بلا منافسين، وهو الأمر الذي ينذر بمخاطر كثيرة تهدد ليس فقط العمل السياسي بل وحدة واستقرار هذه الدولة التي يبدو بأن أياما وسنوات صعبة تنتظرها.
نظم المجلس العسكري في مالي مؤخرا مشاورات في العاصمة باماكو أوصت بحل الأحزاب السياسية وتعيين الرئيس دون انتخابات، ما أثار زوبعة سياسية في البلاد ودفع المعارضة للنزول للشارع في مظاهرات هي الأولى منذ الانقلاب العسكري في 2021.
ففي أولى محطات تطبيق توصيات المشاورات التي نظمها المجلس العسكري، وافقت الحكومة المالية رسميا على مشروع قانون يقضي بإلغاء النظام الأساسي الذي يحكم الأحزاب السياسية في البلاد، وذلك تمهيدا لحل الأحزاب.
وأعلن المدير العام للإدارة الترابية في الحكومة، عبد السلام دييبكيلي، أن قرار إلغاء هذا المشروع يندرج ضمن إطار الرغبة الحكومية في “وقف انتشار الأحزاب السياسية” في البلاد، فيما تعتبر المعارضة أن القرار هو مقدمة لحل الأحزاب السياسية القائمة، خصوصا المعارضة منها.
وينتظر أن تتم إحالة هذا القرار الحكومي في الأيام المقبلة إلى المجلس الوطني الانتقالي الذي يعد بمثابة البرلمان في مالي، من أجل المصادقة عليه.
المشاورات التي قاطعتها المعارضة على نطاق واسع أوصت أيضا بتعيين رئيس المجلس العسكري الحاكم، الانقلابي عاصمي غويتا رئيسا للجمهورية لخمس سنوات قابلة للتجديد، وبتعليق إجراء الانتخابات إلى حين إحلال السلام في البلاد.
وتنتظر نتائج المشاورات المصادقة عليها من طرف غويتا، قبل الشروع في تنفيذها، وسط تنديد داخلي وخارجي بحل الأحزاب وتعيين الرئيس دون إجراء انتخابات.
تنديـــد داخلـــــي وخارجـــــي
 وأثار توجّه العسكر الممسكين بالسلطة في باماكو إلى إلغاء الأحزاب السياسية، وتعيين رئيس لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد دون انتخابات زوبعة سياسية في البلد الغرب افريقي والذي يعيش حالة من عدم الاستقرار وتنشط فيه العديد من التنظيمات الإرهابية.
وقال عبد الله يارو، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق موسى مارا وعضو حزب “يلما”، إنّ هذه المشاورات “لا تمثل الشعب المالي، لأنّنا نحن، ممثلي الأحزاب السياسية، لم نشارك في الاجتماع”. وأضاف في تصريحات صحفية: “تنفيذ هذه التوصيات كارثة على مالي، وتنصيب شخص لم يُنتخب رئيسا للجمهورية يُعد انتهاكا للدستور”.
ويرى متابعون أنّ التوجه لإلغاء الأحزاب السياسية وتعيين الرئيس دون انتخابات سابقة في تاريخ مالي ستنجم عنها الكثير من المخاطر في البلد الذي يعيش ما يشبه عزلة دولية بفعل التوتر الحاصل مع جيرانه خصوصا بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي تفرض حصارا على باماكو، وكذلك الجزائر التي قطعت علاقتها الدبلوماسية مع مالي وأغلقت مجالها الجوي أمام حركة الطائرات من وإلى باماكو.
وتشهد العاصمة المالية باماكو منذ أيام توترا بعد ما أقرت الحكومة التي يديرها المجلس العسكري الحاكم في البلاد هذه التوصيات المثيرة للجدل.
المعارضـــــة تنـــــزل إلى الشّـــارع
 وفي محاولة منها لفرض التراجع عن القرار، أعلنت المعارضة المالية أنها ستنزل للشارع من أجل منع أي حل للأحزاب السياسية. وفي هذا الصدد خرجت أمس الأول مظاهرات حاشدة في باماكو، وهتف المشاركون فيها ضد قانون إلغاء القانون المنظم للأحزاب السياسية.
ورفع المتظاهرون الذين خرجوا استجابة لدعوة تحالف يضم عديد الأحزاب السياسية، لافتات تطالب بـ “الحرية والديمقراطية” وإجراء “انتخابات”، كما ردّدوا هتافات بينها: “تحيا الديمقراطية، وتسقط الديكتاتورية”.
أكــبر تظاهـــرة منـــذ الانقـــــلاب
 وتعتبر المظاهرات التي خرجت أمس الأول في باماكو، أكبر فعالية سياسية معارضة في البلاد منذ وصول العقيد عاصيمي غويتا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 2021. وتوقّع متابعون أن تصعد المعارضة من احتجاجاتها خلال الأسابيع القادمة من أجل الضغط على المجلس العسكري لثنيه عن حل الأحزاب السياسية.
ووفق متابعين، فإنّ المعارضة لن يكون باستطاعتها تعبئة الرأي العام المالي ضد قرار حل الأحزاب السياسية، مال لم تتلق دعما دوليا أو إقليميا في ظل الدعم والحماية التي توفرها بعض الجهات الوازنة للانقلابيين.
وقد عمل المجلس العسكري منذ وصوله للسلطة على إضعاف المعارضة، وحرص على اتخاذ إجراءات بهذا الخصوص منها ملاحقات قانونية وحل منظمات عديدة.
ويسعى غويتا لتعزيز حضوره أكثر وتنصيب نفسه رئيسا للجمهورية بدون انتخابات، وذلك بعد أن أوصى مؤتمر الحوار الوطني في مالي، مطلع ماي الجاري، بتعيينه رئيسا للبلاد مدة 5 سنوات، عقب حوار أجري في العاصمة باماكو وضم عددا من الشخصيات السياسية والفاعلين المحليين، وقاطعته المعارضة.
تداعيـــــات خطــــــيرة
 ويرى المحلّل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، سيد أحمد باب، أن توجه الانقلابيين في مالي لإلغاء الأحزاب السياسية وتعيين غويتا رئيسا للجمهورية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد دون انتخابات ستكون له انعكاسات خطيرة.
وأشار إلى أنّ هذا التّوجه سيدخل البلاد في أزمة سياسية خطيرة تفاقم الوضع المتأزم أصلا في هذا البلد. وأوضح أنّ مالي تعاني جراء الحصار المفروض عليها من المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا “إيكواس”، والتوتر الحاصل في علاقاتها مع العديد بلدان المنطقة خصوصا الجزائر، وتنشط فيها العديد من التنظيمات الارهابية.
ونبّه إلى أنّ إجماع المعارضة المالية على رفض هذا التوجه يعني أن مالي مقبلة على مشهد سياسي متأزم، وستعاني جراء عقوبات دولية، وهو ما يعني في المحصلة المزيد من النزوح وعدم الاستقرار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025
العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025