مرّة أخرى، تكشف الأرقام الرسمية هشاشة السياسات الحكومية المغربية وعجزها عن حماية السلم الاجتماعي. فقد أكدت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة تحليلية حديثة، أن الأزمات الصحية والاقتصادية التي تعصف بالمملكة منذ 2019 أعادت إنتاج الفوارق الاجتماعية بين مناطق البلاد بشكل أكثر حدّة.
الأرقام صادمة: مؤشر “جيني” الذي يقيس الفوارق الاجتماعية قفز من 38.5% سنة 2019 إلى 40.5% سنة 2022، وكأن المغرب دُفع قسرا إلى الخلف. نصف المجتمع الأكثر ثراءً استحوذ على 76.1% من الإنفاق الوطني، فيما لا يتجاوز نصيب نصف المجتمع المتبقي 23.9%. أما الفقراء، فقد تقلصت حصتهم إلى حدود 6.7% من مجموع الإنفاق، في فضيحة تنموية تختصر فشل السياسات العمومية.
المندوبية أوردت أن الأسر المتواضعة والمتوسطة هي الأكثر تضررا، حيث فقدت بين 4.3% و4.6% من مستوى معيشتها سنويا، في حين لم يتجاوز تراجع الأسر الغنية 1.7%. هذه الأرقام تكشف أن الأزمات كانت مدفوعة بالضعفاء، بينما الفئات الميسورة عرفت كيف تلتف على الصدمات، في ظل حكومة عاجزة عن توزيع الأعباء بشكل عادل.
الفـــوارق الغذائيـة تضاعفــت
والأدهى من ذلك، أن الفوارق الغذائية تضاعفت. الأسر الفقيرة قلّصت حتى من إنفاقها على الخبز والحليب والخضر، بينما واصل الأغنياء استهلاكهم بشكل مريح. ارتفع مؤشر تركيز الإنفاق الغذائي إلى 31.7% سنة 2022 بعد أن كان 24.2% فقط سنة 2019، ما يعني أن الفقر أصبح يمس موائد الأسر قبل جيوبها.
المندوبية السامية للتخطيط لم تكتف بتشخيص حاضر قاتم، بل وضعت الأصبع على جرح أعمق: كل ما تحقق بين 2001 و2019 من تراجع تدريجي للفوارق، تبخر في ثلاث سنوات فقط. عشرون سنة من المجهودات المحدودة ضاعت بسبب سوء تدبير الأزمات، وسياسات ترقيعية، وحكومة انشغلت بالمناصب وتقسيم الغنائم بدل إنقاذ ملايين الأسر.
حكومــــة انشغلـــت بتقسيـــم الغنائــم
إنها شهادة رسمية على انهيار الخيارات الحكومية. فالمغرب الذي كان يتطلع إلى تقليص الفوارق الاجتماعية يجد نفسه اليوم أمام واقع أكثر قسوة، يعيدنا إلى مربع سنة 2001. وبينما تنشغل الحكومة بخطاباتها المكررة عن “النموذج التنموي الجديد”، تكشف الأرقام أن الفوارق لم تتقلص، بل انفجرت من جديد، لتعمق الشعور بالظلم والتهميش.
لقد آن الأوان لوقف سياسة “الاستعراض السياسي” ومواجهة الحقائق كما هي: المغرب يعيش على وقع أزمة اجتماعية خانقة، عنوانها العريض اتساع الفجوة بين من يملك كل شيء ومن لا يملك سوى الفتات. وإذا استمرت الحكومة في دفن رأسها في الرمال، فإن القادم سيكون أكثر إيلاما، لأن المجتمعات لا تُبنى على الفوارق، بل على العدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف للثروة.